أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - العيد 80 للنصر - الجزء الرابع والعشرون - فضح مزيّفي التاريخ















المزيد.....



العيد 80 للنصر - الجزء الرابع والعشرون - فضح مزيّفي التاريخ


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8358 - 2025 / 5 / 30 - 18:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


*إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف *

ألكسندر أُغنيوف
( 1925-2016) عالم لغات وأكاديمي، وناقد أدبي، وكاتب، وصحفي سوفياتي وروسي. شارك في الحرب العالمية الثانية.
صحيفة "برافدا" الموسكوفية


26 سبتمبر 2011

مقدمة من محرر برافدا:
«جوهر عملية تزوير التاريخ الروسي، التي بدأتها الأوساط الليبرالية البرجوازية – سواء المحلية منها أو الأجنبية – يتمثل في إستبدال ماضينا المشترك وسيرة شعبنا، ومعهما سير ملايين المواطنين الذين كرّسوا حياتهم لإحياء وطننا وإزدهاره، ونضاله من أجل حريته ضد السيطرة الأجنبية. فإختلاق التاريخ هو محاولة وقحة لإستبدال روسيا ذاتها. وقد جعل المعادون للسوفيات من تاريخ البطولة السوفياتية في تحرير العالم من الفاشية الألمانية أحد الأهداف الرئيسية لتحريفهم. من الطبيعي أن الوطنيين المخلصين يرفضون هذه اللعبة الخادعة. ولذلك، فقد رحب قراء "برافدا" بحرارة بالمقال الذي نشرته الصحيفة عشية الذكرى السبعين لبدء الحرب الوطنية العظمى، والذي كتبه محارب سابق، دكتور في علوم اللغة، وأستاذ شرفي بجامعة تفير الحكومية، ألكسندر أُغنيوف، وأوصوا بإلحاح بمتابعة نشر فضحه لمزيّفي التاريخ. وإمتثالاً لرغبتهم، قررت هيئة التحرير نشر فصول من دراسته في أعداد الجمعة»

---

تجار الموت

كانت بريطانيا وفرنسا تخوضان حرباً "غريبة" مع ألمانيا منذ 3 سبتمبر 1939. وحتى بعد أن أعلنت ألمانيا الحرب على الولايات المتحدة في ديسمبر 1941، كانت تتلقى – في عام 1944 – شهرياً عبر إسبانيا ما يصل إلى 48 ألف طن من النفط الأمريكي و1100 طن من معدن التنغستن. وقد أشار الكاتب الصحفي الأمريكي تشارلز هايم قائلاً:
« "ليس من الصعب تصور ردة فعل مواطني الولايات المتحدة وبريطانيا إذا قيل لهم إن شركة "ستاندارد أويل" كانت في عام 1942 تتاجر بالوقود مع ألمانيا عبر سويسرا المحايدة، وأن العدو كان يتلقى وقوداً مخصصاً للحلفاء. لقد كانوا سيستشيطون غضباً. وكيف سيكون شعورهم إذا علموا أن بنك "تشيس" Chase Bankعقد صفقات بملايين الدولارات مع العدو في باريس المحتلة بعد بيرل هاربر، وكل ذلك بعلم إدارة البنك في مانهاتن؛ وأن شاحنات الجيش الألماني كانت تُجمّع في فرنسا بأوامر مباشرة من مقر شركة فورد في ديربورن، ميشيغان؛ وأن الكولونيل سوستينس بين، رئيس شركة الاتصالات الأمريكية متعددة الجنسيات ITT، توجه أثناء الحرب من نيويورك إلى مدريد ثم برن ليساعد النازيين في تحسين أنظمة الإتصال والقنابل الموجهة التي كانت تدمر لندن بوحشية (وشاركت شركته كذلك في إنتاج طائرات "فوكه-وولف" التي كانت تلقي القنابل على القوات الأمريكية والبريطانية)؛ وأن المحامل الكروية (تستعمل في المحركات والسيارات والمعدات) ، التي كانت تنقص المصانع الأمريكية المنتجة للسلاح، كانت تُرسل إلى زبائن في أمريكا اللاتينية على صلة بالنازيين، وكل ذلك بموافقة سرية من نائب مدير مكتب الإنتاج الحربي الأمريكي، الذي كان أيضاً شريكاً تجارياً لقريب "غورينغ" في فيلادلفيا. وجدير بالذكر أن واشنطن كانت على علم تام بكل هذا، إما بموافقة ضمنية أو بغضّ الطرف عنه".



فكيف يمكننا تقييم كل ذلك؟

كتب الجنرال الألماني النازي هاينز غودريان قائلاً إن "الدوائر العليا الألمانية كانت تأمل بتجنب حملة عسكرية كبرى. أما السلوك السلبي نسبياً للفرنسيين خلال شتاء 1939-1940، فقد أشار إلى قلة رغبتهم في الحرب". وعلى جبهة ساربروكن، رفع الفرنسيون لافتات ضخمة كتب عليها: "لن نطلق الرصاصة الأولى في هذه الحرب!" وسُجلت العديد من حالات التآخي بين الجنود الفرنسيين والألمان، الذين كانوا يزورون بعضهم البعض، ويتبادلون الطعام والمشروبات الكحولية.

وحين قام أحد قادة المدفعية الفرنسيين في منطقة بلفور بإجراء رماية تمهيدية على أهداف محتملة، كاد أن يُحال إلى محكمة عسكرية ميدانية. فقد وبّخه قائد الفيلق قائلاً: "هل تدرك ما فعلت؟ لقد أوشكت أن تبدأ الحرب!" إذ لم تكن هناك حرب فعلية رغم إعلانها. فمن 3 إلى 27 سبتمبر، ألقت القوات الجوية البريطانية على الألمان 18 مليون منشور فقط. وقال المارشال الجوي البريطاني آرثر هاريس: "أعتقد شخصياً أننا لم نحقق سوى تأمين أوروبا بورق التواليت لخمس سنوات من الحرب. كانت بعض تلك المنشورات سخيفة لدرجة أنه كان من الأفضل إخفاؤها عن الرأي العام البريطاني، حتى لو كلّفنا ذلك أرواح طواقم الطائرات التي ألقتها".

في مذكرات الجنرال الألماني النازي هالدر بتاريخ 25 سبتمبر 1939، ورد ذكر نية "الفوهرر" شن هجوم في الغرب. وفي 27 سبتمبر، أبلغ هتلر قادة أفرع القوات المسلحة بقراره "شن هجوم في الغرب بأسرع ما يمكن، طالما أن الجيش الفرنسي-البريطاني لا يزال غير مستعد". وقد حدّد براوخيتش موعداً للهجوم – 12 نوفمبر. بعد يومين، كتب هالدر في مذكراته أنه "ينبغي توضيح أن الخبرة القتالية في بولندا لا تصلح كنموذج للهجوم في الغرب، فهي لا تصلح ضد جيش متماسك".

هزيمة ساحقة

في 10 مايو 1940، شنت ألمانيا هجوماً واسع النطاق في الغرب. وبعد خمسة أيام فقط، إتصل رئيس الوزراء الفرنسي رينو بتشرشل قائلاً: "لقد هُزمنا". فطار تشرشل فوراً إلى باريس لمحاولة تغيير المزاج المنهزم لدى الحكومة الحليفة، لكنه فشل. وفي 22 يونيو، وبعد الانهيار العسكري، إستسلمت فرنسا.

وإعتبر الجنرال ديغول أن السبب الرئيسي للهزيمة السريعة للجيش الفرنسي هو أن قياداته ظلت متمسكة بالروتين: "كانت المفاهيم السائدة في الجيش تعود إلى ما قبل نهاية الحرب العالمية الأولى... وكانت فكرة الحرب الموضعية حجر الأساس في الإستراتيجية المخططة، وحددت تنظيم القوات وتدريبها وتسليحها والعقيدة العسكرية بأكملها". وقد وافق غودريان على هذا الرأي قائلاً: "كان بإمكان القيادة الألمانية أن تفترض بثقة أن الدفاع الفرنسي، القائم على التحصينات، خُطط بحذر وبشكل تقليدي وفقاً لعقيدة الحرب الموضعية – التركيز على قوة النيران والإستخفاف بالمناورة".

وقد تعددت الآراء حول سماح هتلر في يونيو 1940 لنحو 300 ألف جندي بريطاني بالإنسحاب عبر القنال الإنجليزي، بعدما أصدر أمراً علنياً عبر الراديو – دون تشفير – بوقف الحصار. رأى مانشتاين في كتابه "الإنتصارات المهدورة" أن ذلك كان خطأً فادحاً، حيث رفض هتلر، أملاً في تجنب الحرب مع بريطانيا، خوض معركة حاسمة ضدها في صيف 1940، وفوّت فرصته الوحيدة. ونتيجة لذلك، لم يُقدم لاحقاً على غزو بريطانيا، مما أتاح للبريطانيين مواصلة القتال في إفريقيا وإيطاليا. ومع ذلك، إعترف مانشتاين أن الغزو كان محفوفاً بالمخاطر، إذ لم تحقق ألمانيا التفوق الجوي، وكانت تفتقر إلى القوة البحرية.

أما الفيلد مارشال روندشتيد، فقال إن هتلر بعد "معجزة دونكيرك"، كان "يأمل في إبرام سلام مع بريطانيا". وذهب المؤرخ الفرنسي أ. غوتار إلى أن "هتلر كان مقتنعاً بأن بريطانيا ستضطر إلى إبرام سلام، وكان ينوي تسهيل ذلك بمنح شروط سخية للغاية. فهل كان من الحكمة أن يبدأ بأسر جيشهم الوحيد؟"

تشرشل نفسه ظن أن هتلر، بوقفه هجوم الدبابات على دونكيرك، أراد فتح باب السلام أو تحسين شروطه مع بريطانيا. لكن غودريان رفض هذا التفسير، قائلاً: "لم أجد دليلاً يدعم ذلك، كما أن الفرضية الأخرى – أن روندشتيد هو من أوقف الدبابات – غير صحيحة أيضاً. وبوصفي مشاركاً في تلك المعارك، أؤكد أن مقاومة كاليه البطولية لم تؤثر على سير المعارك في دونكيرك. بل الصحيح أن هتلر، وقبل كل شيء غورينغ، اعتقدا أن تفوق سلاح الجو الألماني كافٍ تمامًا لمنع إجلاء القوات البريطانية عن طريق البحر. لقد كان هتلر مخطئًا، وكان لهذا الخطأ عواقب خطيرة، إذ إن أسر الجيش البريطاني الإستكشافي فقط كان من شأنه أن يعزز نية بريطانيا في عقد سلام مع هتلر أو أن يزيد من فرص نجاح عملية محتملة لإنزال قوات ألمانية في إنجلترا".

الأمر المهم هنا هو أن هتلر والقيادة العسكرية العليا الألمانية لم يخططوا لغزو إنجلترا، بل كانوا يريدون تحقيق السلام معها، وفي المستقبل — إستخدامها كحليفة. كتب هالدر في 21 مايو 1939: "العدو الرئيسي... بالنسبة لنا هو فرنسا. نحن نبحث عن تواصل مع إنجلترا على أساس تقسيم مناطق النفوذ في العالم". وكان غارت يعرب عن دهشته: "مهما بدا الأمر غريبًا، إلا أن لا هتلر ولا القيادة العليا الألمانية قاموا بوضع خطط لمحاربة إنجلترا. والأغرب من ذلك أنه لم يتم القيام بشيء حتى خلال فترة التوقف التي إستمرت تسعة أشهر، والتي تلاها في عام 1940 الهجوم الألماني في الغرب. لم يتم إعداد أي خطة حتى عندما أصبح سقوط فرنسا أمرًا لا مفر منه. وهكذا، من الواضح أن هتلر كان يأمل في موافقة الحكومة البريطانية على سلام قائم على التسوية بشروط مواتية لإنجلترا... الجيش الألماني لم يكن مستعدًا على الإطلاق لغزو إنجلترا. ففي هيئة أركان القوات البرية لم يتم فقط عدم التخطيط لهذه العملية، بل لم يُنظر في هذا الإحتمال أصلًا".

وقد أكد شيرر، الذي درس الأرشيفات العسكرية الألمانية التي إستولى عليها الأمريكيون، هذه الفكرة: "لا هتلر، ولا القيادة العليا، ولا الهيئات القيادية للقوات البرية والبحرية والجوية الألمانية قد نظروا بجدية يومًا ما في مسألة كيفية خوض وربح الحرب ضد بريطانيا". ففي منتصف صيف عام 1940، لم يكن لدى هتلر "تصور واضح لما يجب فعله لاحقًا، أو كيف يمكن إنهاء الحرب بنصر حاسم". في ذلك الوقت، كان يقول إن "كل ما يريده من إنجلترا هو الإعتراف بالمواقع الألمانية في القارة". وكان "هدفه هو عقد سلام مع إنجلترا على أساس مفاوضات... شعوبنا متحدة عرقيًا وتقاليديًا".

لقد شكل الإنهيار السريع لفرنسا مفاجأة محبطة للغاية للحكومة السوفياتية. وقد إعترف كليمنت فوروشيلوف بعد الحرب: "كنا نعتقد مع ذلك أنه إذا هاجمت ألمانيا إنجلترا وفرنسا، فإنها ستعلق هناك لفترة طويلة". لكن الأحداث سلكت مسارًا مختلفًا، وتدهور الوضع الإستراتيجي للاتغحاد السوفياتي بشكل كبير. وكانت قيادتنا السياسية والعسكرية — خاصة بعد الحرب السوفياتية-الفنلندية — تدرك أن الجاهزية القتالية العامة للجيش الأحمر لم تكن على المستوى المطلوب. لقد كان بحاجة إلى معدات قتالية من أحدث طراز، وكان من الضروري رفع مستوى التدريب العملياتي-التكتيكي والتقني للقادة بشكل جدي.

في ظل تصاعد التوتر
في 1 سبتمبر 1939، إعتمد مجلس السوفيات الأعلى قانون الخدمة العسكرية الإلزامية العامة.

اللعبة السياسية على برميل بارود

في 22 يوليو 1940، رفضت القيادة البريطانية عرض السلام الذي قدمته برلين. وقد أوقع هذا الرفض القيادة العليا الألمانية في حيرة كبيرة، إذ بات عليها الآن البحث في كيفية إخراج إنجلترا من الحرب بأسرع وقت. كتب غوبلز في مذكراته بتاريخ 13 يوليو 1940: "يشغل الفوهرر أكثر ما يشغله الآن السؤال: لماذا لم تسع إنجلترا إلى السلام حتى الآن؟ هو، مثلنا، يرى أن السبب في ذلك هو أن إنجلترا لا تزال تعول على روسيا. ولذلك، فإنه يرى أنه سيتعين علينا إرغام إنجلترا على السلام بالقوة. لكنه لا يرغب في ذلك. والسبب: إذا دمرنا إنجلترا، فإن الإمبراطورية البريطانية ستنهار بالكامل، ولكن ألمانيا لن تجني شيئًا من ذلك. إن تدمير إنجلترا سيتحقق بثمن دماء ألمانية، بينما ستحصد اليابان وأمريكا وغيرهما الثمار".

وبعد الحرب، رأى هالدر، في تحليله للوضع في عام 1940، أن هتلر في ذلك الحين لم يكن يستبعد إمكانية تجنب الحرب مع روسيا، إذا ما أبدت هذه الأخيرة "تعقلًا" في تطلعاتها نحو الغرب. وكان هذا يعني أن هتلر كان يعتقد آنذاك أن هناك إمكانية لإجبار الإتحاد السوفياتي على إلتزام سياسة مفيدة لألمانيا، وأن الإتحاد السوفياتي لن يعيق "حل المسألة البريطانية". وبحسب غوبلز في 1 نوفمبر 1940، فإن هتلر كان يرى أن "الميثاق الثلاثي ليس موجهًا ضد الكومنترن، بل ضد الهيمنة البريطانية... الفوهرر يأمل في أن يتمكن من جذب روسيا إلى جبهة موحدة ضد إنجلترا". (هو الإتفاق الثلاثي الذي وقعته كل من ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية واليابان الإمبراطورية في 27 سبتمبر 1940 في برلين-ZZ).

وفي 12–13 نوفمبر، خلال إستقبال مولوتوف في برلين، إقترح هتلر مناقشة خطة "تقسيم العالم" بين ألمانيا وإيطاليا واليابان والإتحاد السوفياتي، أي أنه أراد من الإتحاد السوفياتي التوقيع على وثيقة استفزازية بشأن إنضمامه إلى "التحالف القاري". وكان هدف هتلر من ذلك أن يساعده هذا التحالف في التوصل إلى سلام مشرف مع إنجلترا، التي كان يقودها آنذاك "تشرشل العنيد". وكان هذا السلام من شأنه أن يسهل على ألمانيا لاحقًا هزيمة الإتحاد السوفياتي وضمان توسيع "المجال الحيوي". كتب غوبلز في 14 نوفمبر بعد إنتهاء المفاوضات السوفياتية-الألمانية في برلين: "لن يكون هناك أي إتفاق ملزم (!).... مسألة الميثاق الثلاثي: روسيا توافق على الميثاق، لكنها لا تنوي الإنضمام إليه". لم يتمكن هتلر من تحقيق هدفه. لقد رفض مولوتوف مناوراته السياسية وطالب بشكل حازم بالإجابة الواضحة على ما تسعى إليه برلين في وسط وجنوب شرق أوروبا.

قال مولوتوف للصحفي والمؤرخ فيليكس تشويف عن هدف تلك المفاوضات: "كان علينا أن نختبرهم، هل يريدون حقًا تحسين العلاقات معنا، أم أن الأمر سيصطدم فورًا بالفراغ، بالكلام الفارغ. وإتضح أنهم لا يريدون التنازل لنا عن أي شيء... ومن جانبنا، كان علينا أن نستكشفه (هتلر) بشكل أعمق، إلى أي مدى يمكن الحديث معه بجدية. تعهدوا بالتنفيذ — ولم ينفذوا. نرى أنهم لا يريدون التنفيذ. كان علينا أن نستخلص الإستنتاجات، وهم بالطبع إستخلصوا إستنتاجاتهم... لقد أراد (هتلر) أن يجرّنا إلى مغامرة، ولكن، من جهة أخرى، أنا أيضًا لم أنجح في الحصول منه على أي تنازلات بشأن فنلندا ورومانيا".

استمرت اللعبة السياسية. أفادت القيادة السوفياتية برلين في 25 نوفمبر بإمكانية قبول مشروع "معاهدة الأربعة للتعاون السياسي والإقتصادي" بشرط تنفيذ عدد من الشروط: يجب على القوات الألمانية أن تنسحب من فنلندا، ويجب إبرام معاهدة بين الإتحاد السوفياتي وبلغاريا بشأن الدعم المتبادل، وكذلك نشر القوات السوفياتية على القواعد البحرية في منطقة البسفور والدردنيل وغيرها.

خلص ميلتيوخوف في كتابه "الفرصة الضائعة لستالين..." إلى القول: «وفقًا لرأي عادل لعدد من المؤلفين، فإن الرد على هذا العرض السوفياتي كان هو توقيع هتلر في 18 ديسمبر على الأمر رقم 21 "خطة بارباروسا"، التي كانت تهدف إلى شن الهجوم على الإتحاد السوفياتي في 16 مايو 1941 وتدميره بسرعة». وجاء في صحيفة "روسكايا ميصل" التي تصدر في فرنسا بالروسية أن الكاتب الروسي الذي يعيش في برلين ألكسندر غوغون، قال إن القيادة السوفياتية أجبرت ألمانيا على مهاجمة الإتحاد السوفياتي، حيث أصبحت "التهديدات المحتملة لهجوم الجيش الأحمر" واضحة بعد فشل المفاوضات مع مولوتوف في 12-13 نوفمبر 1940، ولذلك وقّع هتلر في 18 ديسمبر 1940 خطة "بارباروسا".

هذا – تزوير للتاريخ. بدأت ألمانيا الإستعداد للعدوان ضد الإتحاد السوفياتي مباشرة بعد إستسلام فرنسا. كان هتلر يرى أن "هزيمة روسيا ستدفع بريطانيا إلى إنهاء القتال"، وإذا لم تفعل ذلك، فإن "ألمانيا ستواصل الحرب ضد بريطانيا في ظروف أكثر ملاءمة". سجل غالدير في يومياته أن هتلر كشف أمام جنرالاته في 31 يوليو 1940 عن نسخة جديدة من إستراتيجية ألمانيا قائلاً: «لن نشن هجوماً على بريطانيا، بل سنحطّم الوهم الذي يمنح بريطانيا الإرادة للمقاومة... آمال بريطانيا هي روسيا وأمريكا. إذا تحطمت آمالها على روسيا، فسوف تنفصل أمريكا أيضاً عن بريطانيا، لأن هزيمة روسيا ستؤدي حتماً إلى تعزيز هائل لليابان في آسيا الشرقية... عندما يتم هزيمة روسيا، ستفقد بريطانيا آخر أمل لها. حينها ستسيطر ألمانيا على أوروبا والبلقان. الخلاصة: وفقاً لهذا الإستنتاج، يجب القضاء على روسيا. كلما أسرعنا في هزيمة روسيا كان ذلك أفضل... لا يمكن التسامح مع وجود دولة عظمى أخرى على بحر البلطيق. البدء سيكون في مايو 1941. من الأفضل أن يحدث هذا العام نفسه، ولكن هذا لن يسمح بتنفيذ العملية بشكل منظم».

وهم الخيارات البديلة

في محادثاته مع المارشال كيتِل في يونيو 1940، إقترح هتلر القيام بحملة "شرقية" في نفس الخريف. لكن العسكريين أقنعوه بأن الخريف وقت غير مناسب لشن الجيش الألماني عمليات عسكرية في روسيا. وفي نهاية يوليو، وافق هتلر على تأجيل بدء الحملة الشرقية حتى ربيع عام 1941. بدأت عملية وضع خطة الهجوم على الإتحاد السوفياتي في 25 يونيو 1940. وقد أعلن هتلر الفكرة الرئيسية لخطته سابقاً في كتابه "كفاحي": «نوقف الحركة الألمانية اللانهائية نحو جنوب وغرب أوروبا، ونوجه أنظارنا شرقاً نحو الأراضي هناك... عندما نتحدث اليوم عن إقتناء أراضٍ ومساحات جديدة في أوروبا، فإننا نفكر أولاً في روسيا وفي الدول التابعة لها على الحواف... هذه الإمبراطورية الهائلة في الشرق قد نضجت لتُمحى».

بعد أن رفضت بريطانيا السلام المقترح عليها، بحثت النخبة الهتلرية عن مخرج من الطريق المسدود من الناحية الإستراتيجية الذي وجدت فيه ألمانيا نفسها عبر هزيمة الإتحاد السوفياتي العسكرية السريعة. كخطة إحتياطية، إقترح الأدميرال ريدر الإستيلاء على مصر وإبعاد بريطانيا عن قاعدتها الكبيرة الأخيرة في شرق البحر المتوسط، وإجبار تركيا على الإنضمام إلى التحالف مع ألمانيا. ثم الوصول إلى الحدود الجنوبية للإتحاد السوفياتي، ووضع حقول النفط السوفياتية في القوقاز تحت تهديد ضربة من الفيرماخت.

قام د. فولر بتقدير العواقب المحتملة لفقدان البريطانيين لمصر فقال: «إنتقلت شمال أفريقيا بأكملها إلى أيدي الإيطاليين والألمان. ومن ثم كانوا يستطيعون إجبار إسبانيا على الدخول في الحرب، وإضعاف تركيا، وفتح الطريق إلى روسيا عبر أرمينيا وجورجيا، وأخيراً، ستصل بريطانيا إلى وضع يائس يجعل الأمريكيين يتخلون عن دعمها. لو حدثت كل هذه الأحداث – وهي ليست مستحيلة إطلاقاً – فكان على بريطانيا أن تدخل في مفاوضات سلام، لأنه بدون الدعم الأمريكي – على إعتبار أن أمريكا بنفس الأهمية الإستراتيجية لمقاطعات وسط بريطانيا – فإن بريطانيا لن تستطيع الإستمرار في القتال رغم رغبتها».

يعتقد فولر أن هتلر وهيئة أركانه العامة لم يكونوا قادرين على فهم أن الطريقة الوحيدة لإجبار بريطانيا على الخروج من الحرب هي شن ضربة غير مباشرة وليس مباشرة، أي إضعاف أمن جزرها عبر حرب إستنزاف، وليس محاولة إقتحامها وهو ما لم يكونوا مستعدين له. ولكن تنفيذ هذه الخطة يعني تأجيل الهجوم على روسيا لمدة عام على الأقل. خلال تلك الفترة، كان بإمكان القوات المسلحة السوفياتية تحسين قدراتها القتالية بشكل كبير. أما هتلر وجنرالاته فقد إعتبروا أن إبادة الإتحاد السوفياتي كانت المهمة ذات الأولوية القصوى.

إعتبر شيرير ذلك خطأً جسيماً: «في نهاية مايو 1941، كان بإمكان هتلر، بإستخدام جزء فقط من قواته، أن يوجه ضربة قاصمة، ربما قاتلة، للإمبراطورية البريطانية. لم يكن أحد يفهم ذلك أفضل من تشرشل الذي كان في وضع صعب للغاية تحت ضغط الظروف. في رسالة إلى الرئيس روزفلت في 4 مايو، إعترف بأنه إذا فقدت مصر والشرق الأوسط، فإن الإستمرار في الحرب "سيتحول إلى مشكلة طويلة وشاقة ومظلمة" حتى مع دخول الولايات المتحدة في الصراع. لكن هتلر لم يفهم ذلك. كانت فقدانه للبصيرة غير مفهوم أكثر بسبب حقيقة أن الحملة البلقانية أجلت عملية "بارباروسا" لأسابيع قليلة، مما وضعها بالتالي تحت تهديد. إذ سيتعين الآن إتمام غزو روسيا في فترة أقصر مما كان مخططًا له في الأصل. وذلك لأن هناك حاجزاً لا يُقهر – الشتاء الروسي، الذي ساهم في هزيمة كارل الثاني عشر (ملك السويد) ونابليون.

تبقى لدى الألمان فقط ستة أشهر قبل حلول الشتاء لإحتلال دولة هائلة الحجم لم تهزم قط من غزو غربي عبر التاريخ... ثبت أن هذا التأخير قاتل. ويؤكد منتقدو عبقريّة هتلر العسكرية أن الحملة البلقانية لم تُحدث تغييراً ملحوظاً في جدول تنفيذ خطة "بارباروسا"، وأن التأجيل كان نتيجة أساساً للثلج المتأخر الذي ترك طرق أوروبا الشرقية معطلة بالوحل حتى منتصف يونيو... شهد المارشال باولوس، الذي كان في ذلك الوقت المطور الرئيسي لخطة الحملة الروسية في هيئة الأركان العامة للجيش البري النازي، أثناء محاكمات نورنبيرغ أن قرار هتلر بمهاجمة يوغوسلافيا أرجأ بداية "بارباروسا" حوالي خمسة أسابيع».

ومع ذلك، أكد أ. تايلور خلاف ذلك: «إنها أسطورة إخترعها الجنرالات الألمان لتبرير هزيمتهم في روسيا، ولا أساس لها من الصحة عملياً. لم تكن سوى 15 من أصل 150 فرقة ألمانية مخصصة للضربة الأولى قد تم تحويلها إلى البلقان، ومن الصعب إعتبار هذا خسارة كبيرة. لم تُنفذ خطط التجنيد في ألمانيا لجبهة الشرق في 15 مايو لسبب مختلف تماماً: نقص المعدات، وخاصة السيارات... حتى مع تأجيل شهر، كان على 92 فرقة ألمانية... أن تُجهز كلياً أو جزئياً من الموارد الفرنسية».

أشار هارت إلى أن «عام 1941 كان إستثنائيًا فيما يتعلق بالطقس»: «إستمر الشتاء لفترة أطول من المعتاد. وحتى يونيو، غطّت المياه العديد من أميال الشاطئ على نهر البوج. وكان نفس الطقس موجوداً في المناطق الموجودة شمالاً. تذكر الجندرال مانشتاين، الذي كان يقود في ذلك الوقت فيلق الدبابات الهجومي في بروسيا الشرقية، أنه في أواخر مايو وبداية يونيو، كانت هناك أمطار غزيرة. ولو بدأت الغزوة مبكراً، لكانت فرص النجاح ضعيفة، كما صرّح غالدير، ومن غير المؤكد أن يكون موعد سابق للغزو كان أكثر ملاءمة، ولذلك فإن التأخير المرتبط بالحملة البلقانية ليس ذا أهمية كبيرة».

أما بالنسبة للضربة القاتلة ضد بريطانيا في ذلك الوقت، فقد أشار إلى أن هتلر لم يعتبرها مهمة أولى، وكان يبحث بإستمرار عن السلام معها. وهتلر والجنرالات الألمان، الذين دُوخوا من الإنتصارات السريعة على بولندا وفرنسا، كانوا واثقين تمامًا من أن خمسة أشهر كافية تماماً لهزيمة الجيش الأحمر بشكل كامل.

من خطة "بارباروسا" إلى خطة الهيمنة العالمية

لم يكن لدى القيادة الهتلرية شك في نجاح خطة "بارباروسا". وهذا يظهر من حقيقة أنه في ربيع عام 1941 بدأوا بالفعل في وضع خطة لتحقيق الهيمنة العالمية. في دفتر يوميات القيادة العليا للقوات المسلحة الألمانية (أوك فو) في 17 فبراير 1941، تم توضيح متطلبات هتلر: «بعد إنتهاء الحملة الشرقية، يجب التخطيط لإحتلال أفغانستان وتنظيم هجوم على الهند». وحددت هيئة أوك فو تنفيذ هذه العمليات في خريف 1941 وشتاء 1941–1942. تم توضيح خطتها في مشروع الأمر إي-32 "التحضير لفترة ما بعد تنفيذ خطة بارباروسا".

في 11 يونيو 1941، تم توجيه "المشروع" إلى القوات البرية والجوية والبحرية الألمانية، ونص المشروع على أنه بعد هزيمة القوات السوفياتية، سيتم الإستيلاء على المستعمرات البريطانية وبعض الدول المستقلة في حوض البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا والشرق الأوسط، والقيام بغزو للجزر البريطانية، وإطلاق عمليات عسكرية ضد أمريكا. كان القادة العسكريون الألمان يخططون لبدء غزو إيران والعراق ومصر ومنطقة قناة السويس في خريف عام 1941، ثم الهند، حيث كانوا ينوون الإلتقاء مع القوات اليابانية. كانت القيادة النازية الألمانية تأمل في ضم إسبانيا والبرتغال إلى ألمانيا، والإستيلاء بسرعة على جبل طارق، وقطع طريق إنجلترا إلى مصادر المواد الخام لديها، وفرض حصار على الجزر. كما تدل الوثيقة الإرشادية "إي-32" وغيرها من الوثائق، فإن القيادة الهتلرية كانت تنوي، بعد هزيمة الإتحاد السوفياتي وحل "المشكلة الإنجليزية"، بالتعاون مع اليابان "القضاء على نفوذ الأنغلوساكسون في أمريكا الشمالية".

كتب الأستاذ أو. رجيشفسكي في مقدمة كتاب ويليام شيرر "صعود وسقوط الرايخ الثالث": "كان من المخطط إحتلال كندا والولايات المتحدة الأمريكية عن طريق إنزالات بحرية كبيرة تُطلق من قواعد في غرينلاند وآيسلندا وجزر الأزور والبرازيل على الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية، ومن جزر ألوتيان وهاواي على الساحل الغربي". لكن الحرب ضد الإتحاد السوفياتي لم تسِر كما خطط لها القادة النازيون. بحلول نهاية عام 1941، لم يعودوا يفكرون في غزو الهند والولايات المتحدة، بل في كيفية إنقاذ قواتهم من التدمير الكامل.

في كتابه "الإنتحار: لماذا إعتدى هتلر على الإتحاد السوفياتي؟" (2000)، يخدع ف. ريزون القراء عندما يؤكد أن القادة الألمان "لم يعرفوا شيئًا عن مناخنا وطرقنا". وقد كتب الجنرال غودريان في "ذكريات جندي": "كان الشتاء والربيع عام 1941 كابوسًا بالنسبة لي. لقد أظهرت دراسة جديدة للحملات التي قادها الملك السويدي كارل الثاني عشر ونابليون الأول كل الصعوبات الموجودة في هذا المسرح العسكري... جميع الشخصيات القيادية في القيادة العليا للقوات المسلحة والقيادة الرئيسية للقوات البرية، الذين تحدثت معهم، أظهروا تفاؤلاً لا ينكسر، ولم يتفاعلوا مع أي إعتراضات".

وقال المارشال فون روندشتيدت، الذي قضى معظم الحرب العالمية الأولى على الجبهة الشرقية، في ربيع عام 1941، بعد أن سأل هتلر إذا كان يعرف ما يعنيه الغزو الروسي، إنه قال: "الحرب ضد روسيا فكرة بلا معنى، في رأيي لن يكون لها نهاية سعيدة. ولكن إذا كانت الحرب لا مفر منها لأسباب سياسية، فعلينا أن نتفق أنها لا يمكن الفوز بها خلال حملة صيفية واحدة فقط... علينا أن نستعد لحرب طويلة ونحقق أهدافنا تدريجيًا".

في محاكمة نورمبرغ، صرح المارشال الألماني"كيتل" أنه كان ضد الحرب مع روسيا، وأنه قدّم مذكرة لهتلر يقترح فيها التخلي عن خطة الغزو والإمتناع عن شن الحرب ضد الإتحاد السوفياتي. وإدّعى ويستفال: "كان القائد الأعلى للقوات البرية الألمانية، المشير فون براؤتشيتش، ورئيس أركانه العام الجنرال غالدير، يحاولان إثناء هتلر عن الحرب مع روسيا. وتوجه إليهم بنفس التحذيرات الجنرال كسترنغ، الذي عاش عدة سنوات في روسيا وكان يعرفها جيدًا وكذلك ستالين شخصيًا".

هل حدث ذلك فعلاً؟ كتب ويليام شيرر في كتابه أنه في نهاية يوليو 1940، أخبر براؤتشيتش هتلر بأن الحرب ضد الإتحاد السوفياتي "سوف تستمر من أربع إلى ستة أسابيع". وأضاف: "لا توجد أدلة تشير إلى أن القادة في القيادة العليا للجيش عارضوا قرار هتلر تحويل السلاح ضد الإتحاد السوفياتي... وفي وقت لاحق، سيكتب غالدير بنبرة ساخرة عن "مغامرة هتلر الروسية"، مدعياً أن القادة العسكريين الأعلى كانوا منذ البداية ضد هذه الخطوة. ومع ذلك، لا يوجد في دفتر يومياته في ديسمبر 1940 أي كلمة تؤكّد هذا الإدعاء. في الواقع، من مذكراته يبدو أن كل القادة العسكريين كانوا مليئين بالحماس تجاه هذه المغامرة".

في مؤتمر القادة العسكريين الأعلى في هيئة الأركان العامة الألمانية (OKH) وقيادة القوات المسلحة (OKW) في 3 فبراير 1941، قدّم غالدير تقريرًا موجزًا عن خطط هيئة الأركان العامة للقوات البرية. لاحقًا إدعى أنه مع براؤتشيتش "شكّا في صحة تقييم القوة العسكرية السوفياتية، وبشكل عام عارضا تنفيذ خطة "بارباروسا"، معتبرين إياها مغامرة. ومع ذلك، لم يذكر شيء من هذا القبيل في مذكراته اليومية خلال تلك الأيام، ولا في المذكرة السرية للغاية الخاصة بهيئة الأركان العامة الألمانية حول المؤتمر. في الواقع، من تلك الوثائق يتضح أن غالدير قدّر بدايةً القوة السوفياتية المنظمة بحوالي 155 لواءً، ملاحظًا أن القوات الألمانية تبلغ تقريبًا نفس العدد، لكنها "أعلى جودة". وبعد فترة، فهم غالدير وزملاؤه أن المعلومات الإستخباراتية حول الجيش الأحمر كانت خاطئة.

شيرر قيّم القرار النازي بمهاجمة الإتحاد السوفياتي بإعتباره "الأكثر كارثية بين جميع قرارات هتلر". وقال الجنرال بلومنتريت: "كانت أولى القرارات الكارثية هي تلك التي إتخذتها القيادة الألمانية فيما يتعلق بروسيا. أما من الناحية السياسية، فالقرار الأكثر كارثية كان هو قرار مهاجمة هذه الدولة". وإعترف غودريان: "كانت المبالغة في تقدير القوة العسكرية للخصم. لم يصدق هتلر تقارير المؤسسات العسكرية حول القوة العسكرية لهذا البلد الضخم، وخاصةً من الملحق العسكري الألماني النموذجي في موسكو، الجنرال كسترنغ، ولا الرسائل المتعلقة بقوة الصناعة وصلابة النظام الحكومي في روسيا. لكنه إستطاع أن ينقل يقينه غير المبرر إلى الدائرة العسكرية المباشرة المحيطة به". أثناء الحرب، أشار غودريان إلى هتلر قائلاً: "إن الروس يتمتعون بتفوق كبير في الدبابات، وسيستمر هذا التفوق في الزيادة إذا كانت خسائرنا في الدبابات مماثلة". ردَّ هتلر قائلاً: "لو كنت أعرف أن بياناتكم حول عدد دبابات الروس دقيقة، لما بدأت هذه الحرب إطلاقًا."

حرب المعلومات والمخابرات

كتب س. إيفانوف في كتابه "قيادة الجيش، قيادة الجبهة" عام 1990: "سعى ستالين إلى إعطاء هتلر إنطباعًا عبر حالة وسلوك قوات المناطق الحدودية أننا في حالة هدوء، إن لم يكن غفلة... لو أظهرنا لهتلر قوتنا الحقيقية، ربما كان قد تراجع عن الحرب ضد الإتحاد السوفياتي في ذلك الوقت".

على العكس من ذلك، حاولت حكومتنا أن تُظهر لألمانيا قوة الدولة السوفياتية. في نهاية أبريل، نظمت الحكومة زيارة للمُلحِق العسكري الألماني في موسكو وخبراء عسكريين آخرين إلى منطقة الأورال وغرب سيبيريا لمعاينة المصانع التي تنتج دبابة T-34، والتي كانت أفضل من جميع أنواع الدبابات الألمانية، بالإضافة إلى القاذفات الجديدة التي تتفوق في السرعة والمدى على الطائرات الألمانية من نوع "يونكرز". كيف يمكن عرض "قوتنا الحقيقية" بشكل أكثر وضوحًا؟

من جانبها، أصدر رئيس أركان القيادة العليا للقوات المسلحة، الفيلدمارشال فيلهلم كيتل، في 15 فبراير 1941، "تعليمات التضليل الإستراتيجي للمعلومات الإستخباراتية"، والتي تم تحديثها في 12 مايو. كتب جوكوف: "لكي تخفي الإستعدادات لعملية بارباروسا ، قامت إدارة الإستخبارات والمخابرات المضادة في القيادة العامة بتطوير وتنفيذ العديد من الحملات لنشر معلومات خاطئة. تم تصوير تحركات القوات نحو الشرق على أنها " مناورة تضليلية تاريخية هائلة تهدف إلى تشتيت الإنتباه عن التحضيرات الأخيرة لغزو بريطانيا". تم طباعة كميات ضخمة من الخرائط الجغرافية الخاصة ببريطانيا. تم تعيين مترجمين للغة الإنجليزية للوحدات العسكرية. تم التخطيط لتطويق بعض المناطق على طول ساحل القناة الإنجليزية وفي النرويج. تم نشر معلومات عن كتيبة مظلات وهمية. تم تركيب بطاريات صواريخ وهمية على الساحل. تم نشر معلومات بين الجنود، في أحد التفسيرات، بأنهم في طريقهم إلى راحة قبل غزو بريطانيا، وفي أخرى أن القوات ستعبر الأراضي السوفياتية لشن عملية ضد الهند. ولدعم فكرة الغزو البحري لبريطانيا، تم تطوير عمليات خاصة تحمل اسم الكود " shark " و" harpoon ". وجهت الدعاية كامل هجومها الإعلامي ضد إنجلترا وأوقفت هجومها المعتاد ضد الإتحاد السوفياتي".

في 25 مايو 1941، كتب غوبلز في مذكراته: "فيما يتعلق بروسيا، تمكنّا من تنفيذ عملية تضليل إعلامي رائعة." وفي 6 يونيو 1941، لاحظ: "تتقدم أعمال التمويه لدينا بشكل ممتاز. يتحدث العالم بأسره عن إحتمال قريب لإبرام معاهدة عسكرية بين برلين وموسكو. سيكون مذهولاً عندما يعرف ماذا سيحدث!" وهذه ملاحظة من 18 يونيو 1941: "وصل التمويه ضد روسيا إلى ذروته! لقد غطّينا العالم بسيل من الشائعات حتى أننا نحن أنفسنا نجد صعوبة في تقرير وجهتنا".

------

يتبع ...



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طوفان الأقصى 601 - إسرائيل والولايات المتحدة - نتنياهو يرد ا ...
- العيد 80 للنصر - الجزء الثالث والعشرون - هل كانت القيادة الس ...
- طوفان الأقصى 600 - من المستفيد من الصهيونية؟
- العيد 80 للنصر - الجزء الثاني والعشرون - كيف ومتى اتخذ أدولف ...
- طوفان الأقصى 599 - ترامب - الشرع - نتنياهو
- العيد 80 للنصر - الجزء الحادي والعشرون - أساطير الرايخ الثال ...
- طوفان الأقصى 598 - ترامب في الشرق الأوسط – جولة أعمال أم شيء ...
- طوفان الأقصى597 - سواليف شرقية - بماذا عاد ترامب من جولته في ...
- العيد 80 للنصر - الجزء العشرون - أساطير الرايخ الثالث: النظر ...
- طوفان الأقصى 596 - زيارة ترامب إلى دول الخليج - ملف خاص
- طوفان الأقصى 596 - زيارة ترامب إلى دول الخليج - ملف خاص
- العيد 80 للنصر - الجزء التاسع عشر - من أساطير الرايخ الثالث ...
- طوفان الأقصى 595 – ترامب في الإمارات
- العيد 80 للنصر - الجزء الثامن عشر - من الذي رعَى النازية في ...
- طوفان الأقصى 594 - ترامب في قطر
- العيد 80 للنصر - الجزء السابع عشر – أدولف هتلر: صُنع في أورو ...
- طوفان الأقصى 593 - ترامب في السعودية
- العيد 80 للنصر - الجزء السادس عشر - جذور الحرب العالمية الثا ...
- طوفان الأقصى 592 – ترامب – نتنياهو: لا شيء شخصي...إسرائيل تت ...
- العيد 80 للنصر – الجزء الخامس عشر – من أوصل هتلر إلى السلطة؟


المزيد.....




- بعد رد حماس.. هل توسع إسرائيل عملياتها بغزة؟
- مسيرة في تونس دعما لفلسطين
- -غير مقبول- - ويتكوف ينتقد رد حماس على المقترح الأمريكي لغزة ...
- أردوغان: نعمل على تنظيم اجتماع روسيا وأوكرانيا في إسطنبول لض ...
- -معاريف-: اغتيال محمد السنوار خلق ثلاث مشاكل لحماس مع قطر وم ...
- القوات الروسية تحرر بلدة -زيلونوي بولي-
- القوات الإسرائيلية تعتدي على موظف نظافة جنوب نابلس (فيديو)
- تأجيل زيارة الوزراء العرب إلى رام الله
- نتنياهو يعاود طعن حماس وينتهز الفرصة لإرضاء ويتكوف وواشنطن.. ...
- الجيش الإسرائيلي ينذر سكان خان يونس وبني سهيلا وعبسان ويطلب ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - العيد 80 للنصر - الجزء الرابع والعشرون - فضح مزيّفي التاريخ