زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8360 - 2025 / 6 / 1 - 00:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع
كيف يقرأ الشارع الروسي ما يحدث في بلادنا
* اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*
فالنتين كاتاسونوف
أستاذ وعالم في الاقتصاد، دكتوراه في العلوم الاقتصادية. رئيس الجمعية الاقتصادية الروسية
16 نوفمبر 2024
نحو نصف البروتستانت الإنجيليين في أمريكا هم من أنصار الصهيونية المسيحية ومؤيدون لإسرائيل.
من وقت لآخر، يظهر تعبير "الصهيونية المسيحية" في وسائل الإعلام الروسية. لكن معظم القراء الروس لا يولونه إهتمامًا كبيرًا. فالعالم اليوم مليء بالغرائب! لا سيما أن الغرابة المسماة "الصهيونية المسيحية" لا تتعلق بروسيا، بل بالغرب، وخاصة بالعالم الأنغلوساكسوني. ربما يدور الحديث عن بعض غريبي الأطوار الذين يعتبرون أنفسهم في الوقت ذاته مسيحيين وصهيونيين.
من وجهة نظر القارئ المنطقي، يمكن إعتبار مصطلح "الصهيونية المسيحية" تناقضًا لفظيًا (أوكسيمورون)، أي اجتماع كلمتين متضادتين في المعنى. في الأدب، غالبًا ما يستخدم الكتّاب هذا الأسلوب. مثل: "صمت صاخب"، "فرح مرّ"، "نسخة أصلية"، "صمت صارخ"، "لحظة طويلة"، "كذبة صادقة"، "كذاب مخلص"، "جليد ساخن"، "ألم حلو"... هذا الأسلوب مشروع في الأدب باعتباره أداة فنية.
لكن لا يحق لرجال الدين أو السياسيين مثل هذا "التساهل" في المصطلحات. نحن نعتقد أن المسيحيين يجب أن يدينوا الصهيونية. وتُعرّف "ويكيبيديا" الصهيونية بأنها: "حركة قومية سياسية تهدف إلى توحيد الشعب اليهودي وإحيائه في وطنه التاريخي – أرض إسرائيل (إيريتس يسرائيل)، وهي أيضًا فكرة أيديولوجية تقوم عليها هذه الحركة. ويُعتبر تيودور هيرتسل المؤسس الرسمي للصهيونية السياسية".
المسيحيون في بلادنا (ومعظمهم من الأرثوذكس) يرون أن إنشاء دولة إسرائيل هو علامة على إقتراب "نهاية الأزمنة". فاليهود يحتاجون إلى إعادة بناء الهيكل في القدس، أي بناء "الهيكل الثالث" مكان "الهيكل الثاني" الذي دُمر قبل نحو ألفي عام. وهم يريدون ذلك من أجل أن يأتي "المسيح" الذي ينتظره اليهود المؤمنون. لكن هذا المسيح، وفقًا للعهد الجديد، سيكون المسيح الدجال. لذلك، فإن أي مسيحي حقيقي وواعٍ لا يمكن إلا أن يكون معاديًا للصهيونية. تمامًا كما يجب على أي يهودي أرثوذكسي أن يكون صهيونيًا، أي معاديًا ظاهرًا أو مستترًا للمسيحية. من هذه الزاوية – سواء من وجهة نظر المسيحية أو اليهودية – فإن مصطلح "الصهيونية المسيحية" هو بالفعل تناقض لفظي.
في الآونة الأخيرة، أصبح موضوع "الصهيونية المسيحية" يثير إهتمامًا عالميًا متزايدًا، بما في ذلك في روسيا. وقد كان سبب هذا الإهتمام هو فوز دونالد ترامب في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية. كل المراقبين والمعلقين لاحظوا الحب الخاص الذي يكنّه ترامب لإسرائيل، والذي أظهره بالفعل أثناء ولايته الأولى بين عامي 2017 و2021. وقد كُتبت حول هذا الموضوع العديد من المقالات التي لم تتردد في وصف ترامب بأنه "صهيوني"، بل أن بعضهم أطلق عليه لقب "الصهيوني الأول في أمريكا". وقد كتبت شخصيًا عن هذا في مقال بعنوان: "دونالد ترامب – الصهيوني الأول في أمريكا؟".
فهل ترامب يهودي أو يعتنق اليهودية؟ قطعًا لا! إنه من أصل ألماني، حيث هاجر جده وجدته إلى الولايات المتحدة في عام 1885. ديانته – المشياخية، وهي أحد فروع البروتستانتية. وغالبًا ما يصف نفسه بأنه "بروتستانتي" أو "مسيحي".
وقد وصفت الصحافة الأمريكية ترامب، ليس فقط كصهيوني، بل كـ"صهيوني مسيحي". ومن خلال تصريحاته العديدة، يتبين أنه بالفعل يرى نفسه كذلك. وهو لا يُعد حالة شاذة أو فردًا معزولًا، بل يمثل جيشًا كاملًا من الصهاينة المسيحيين في أمريكا.
في الأدبيات السوفياتية وما بعد السوفياتية عن الولايات المتحدة، غالبًا ما يشار إلى أن أمريكا بلد بروتستانتي بالأساس. إذ يُعتبر حوالي نصف سكان الولايات المتحدة بروتستانتًا (والنصف الآخر كاثوليك وأرثوذكس ومسلمون وأتباع ديانات أخرى). وهناك عدد كبير جدًا من الطوائف البروتستانتية: لوثريون، كالفينيون، معمدانيون، خمسينيون، ميثوديون، مشياخيون، أنغليكان... إلخ. ولكل طائفة تفرعات عديدة (غالبًا ما تُسمى بـ"التيارات").
ومن الطبيعي أن يصبح رؤساء أمريكا عادةً منتمين إلى الكنائس البروتستانتية. طوال تاريخ أمريكا، لم يكن هناك سوى رئيسين غير بروتستانتيين: الرئيس الـ35 جون كينيدي، والرئيس الـ46 جو بايدن، وكلاهما كاثوليكي. وها هو التقليد البروتستانتي يعود مع الرئيس الـ47 دونالد ترامب – وهو ليس مجرد بروتستانتي، بل صهيوني مسيحي. على سبيل المثال، الرئيس الـ44 باراك أوباما كان أيضًا بروتستانتيًا، لكنه لم يكن صهيونيًا مسيحيًا.
ووفقًا لتقديرات الأمريكيين أنفسهم، فإن نحو نصف البروتستانت في أمريكا يُصنفون على أنهم "إنجيليون". وهم من أتباع طوائف بروتستانتية تؤكد على التمسك بالكتاب المقدس في حياتهم. خلافًا للنصف الآخر من البروتستانت، الذين يتعاملون مع المسيحية باعتبارها "تقليدًا ثقافيًا"، ويُشار إليهم في بعض الأحيان بـ"المسيحيين الإسميين". أما "الإنجيليون" الحقيقيون، فمرجعهم في الحياة ليس فقط الأناجيل الأربعة والعهد الجديد، بل كذلك العهد القديم. بل إن العهد القديم يحتل المرتبة الأولى لدى كثيرين منهم.
وهكذا، وفقًا لبعض التقديرات، فإن حوالي نصف الإنجيليين البروتستانت في أمريكا هم من أتباع "الصهيونية المسيحية"، أي أنهم مؤيدون لإسرائيل. وليس لأسباب سياسية، بل كما يقولون، لأسباب "روحية". إذ يرون أن دعمهم للدولة اليهودية ينبع من نصوص الكتاب المقدس.
في روسيا (وربما بسبب طابعها الأرثوذكسي)، تكاد لا توجد أدبيات حول موضوع "الصهيونية المسيحية". لكن في الغرب، خصوصًا في العالم الأنغلوساكسوني (بريطانيا، أمريكا، كندا)، هناك عدد كبير من الكتب حول الصهيونية المسيحية. نذكر منها بعض أشهر العناوين:
-بول ريتشارد ويلكنسون – من أجل صهيون: الصهيونية المسيحية ودور جون نيلسون داربي، 2008.(Paul Richard Wilkinson. For Zion’s Sake: Christian Zionism and the Role of John Nelson Darby), 2008.
-زيف حافيتس – تحالف عُقد في السماء: اليهود الأمريكيون، الصهاينة المسيحيون واستكشاف رجل واحد لهذا التحالف الغريب والرائع بين اليهودية والإنجيلية، 2007.(Zev Chafets. A Match Made in Heaven: American Jews, Christian Zionists, and One Man’s Exploration of the Weird and Wonderful Judeo-Evangelical Alliance), 2007.
-فيكتوريا كلارك – حلفاء من أجل هارماغيدون: صعود الصهيونية المسيحية، 2007.(Victoria Clark. Allies for Armageddon: The Rise of Christian Zionism), 2007.
-غريس هولسيل – النبوءة والسياسة: الإنجيليون المتطرفون في طريقهم إلى الحرب النووية، 1986.(Grace Halsell. Prophecy and Politics: Militant Evangelists on the Road to Nuclear War), 1986.
-دونالد م. لويس – أصول الصهيونية المسيحية: اللورد شافتسبري والدعم الإنجيلي لوطن قومي يهودي، 2009.(Donald M. Lewis. The Origins of Christian Zionism: Lord Shaftesbury and Evangelical Support for a Jewish Homeland), 2009.
-رامي حاييا – لوبي هارماغيدون: الصهيونية المسيحية التفكيكية وتشكيل السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل وفلسطين، 2006. (Rammy Haija. The Armageddon Lobby: Dispensationalist Christian Zionism and the Shaping of US Policy Towards Israel-Palestine), 2006.
-إيرفين أندرسون – التفسير الكتابي والسياسة في الشرق الأوسط: الأرض الموعودة، أمريكا، وإسرائيل (1917–2002)، 2005. (Irvine Anderson. Biblical interpretation and Middle East policy: the promised land, America, and Israel, 1917-2002), 2005.
نتمنى أن يُترجم على الأقل كتاب أو كتابان من هذه الكتب إلى اللغة الروسية ويُنشران في روسيا. إذ لا يمكن فهم العديد من أحداث العالم المعاصر، ولا سيما ظاهرة الصهيوني المسيحي دونالد ترامب، دون فهم تأثير الصهيونية المسيحية على السياسات الداخلية والخارجية للدول الغربية، خصوصًا الأنغلوساكسونية.
في الأدبيات السوفياتية وما بعدها حول الصهيونية، غالبًا ما تبدأ سردياتهم من أواخر القرن التاسع عشر، حين عُقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل عام 1897 بمبادرة من تيودور هيرتسل. غير أن تاريخ الصهيونية ينبغي أن يبدأ قبل ذلك بعدة قرون على الأقل. فقد بدأت تتشكل أفكار الصهيونية المسيحية منذ القرن السادس عشر، عندما أطلق مارتن لوثر حركة الإصلاح الديني وبدأ تبلور البروتستانتية في أوروبا. وقد برع البيوريتانيون بشكل خاص في تشكيل أيديولوجيا الصهيونية المسيحية. فقد كانوا يعتقدون أن اليهود (أو بالأحرى: اليهود الدينيين) ظلوا "شعب الله المختار" حتى بعد أن صُلب المسيح على الجلجثة (جلجثة هو اسم التل خارج القدس حيث صُلب السيد المسيح-ZZ)، وحتى بعد أن إحتل الرومان مملكة يهودا ودمروا الهيكل في القدس (عام 70 ميلاديًا). وكانوا يرون أن مهمة "المسيحيين الحقيقيين" (أي البروتستانت، وبدقة أكثر – البيوريتانيين) تكمن في حماية وإنقاذ بقايا "شعب الله المختار".
وقد دعا البيوريتانيون الإنجليز راعيهم أوليفر كرومويل إلى تسهيل إنتقال "شعب الله المختار" من القارة الأوروبية إلى جزر الضباب البريطانية. ومن ثم، فعل كل ما يمكن لمساعدته على الانتقال إلى "أرض الميعاد"، أي فلسطين. وبعد ذلك، إستعادة يهودا (إسرائيل)، وإعادة بناء هيكل القدس، إلخ.
من المستحيل إعادة سرد هذا الكلام بدقة، ومن الصعب حتى فهمه، لأن هذه التصورات للبيوريتانيين وسائر البروتستانت تتناقض جذريًا مع الفهم الأرثوذكسي للتاريخ والإسخاتولوجيا (أي العقيدة المتعلقة بنهاية التاريخ). وبحسب البيوريتانيين وسائر البروتستانت، فإن الإلتزام بعقائد الصهيونية المسيحية (رغم أن هذا المصطلح لم يكن موجودًا آنذاك) هو شرط لخلاصهم.
واتضح أن العديد من الشخصيات المعروفة في إنجلترا وفي أوروبا القارية كانوا مهتمين بقضايا الصهيونية المسيحية. فعلى سبيل المثال، الفيزيائي الشهير إسحاق نيوتن. فقد كان مهتمًا ليس فقط بالفيزياء، بل بالدين أيضًا، وكان مولعًا بالسحر والكابالا (تيار صوفي في اليهودية، يركز على تفسير باطني للكتاب المقدس وكشف "أسرار الكون الإلهية-ZZ). وتنبأ كذلك بنهاية العالم، والتي، بحسب رأيه، يجب أن تحدث في موعد لا يتجاوز عام 2060. وكان على يقين من أنه قبل نهاية العالم، سيعود اليهود إلى "أرض الميعاد"، وسيُبعث كيان دولة إسرائيل من جديد، وسيُعاد بناء الهيكل في القدس. هذه هي إرادة العليّ القدير، حسبما إعتقد إسحاق نيوتن. وكان يرى أن المسيحيين (أي البروتستانت) لا ينبغي لهم على الأقل مقاومة هذه الإرادة، بل من الأفضل أن يسعوا إلى تحقيقها.
ويمكن كتابة أكثر من كتاب عن تأملات السياسيين والفلاسفة والعلماء واللاهوتيين البروتستانت المعروفين في العالم القديم حول موضوع الصهيونية المسيحية. ومنذ نهاية القرن التاسع عشر، أصبح العالم الجديد (أي الولايات المتحدة الأمريكية) هو المركز الرئيسي للصهيونية المسيحية. وإليكم لمحة واحدة فقط من الحياة الأمريكية في ذلك الوقت، مأخوذة من كتاب نُشر في إنجلترا عام 1998 للمؤلف بول تشارلز ميركلي بعنوان: "سياسة الصهيونية المسيحية، 1891–1948" (Merkley, Paul Charles. The Politics of Christian Zionism, 1891–1948). ففي عام 1891، قام الصهيوني المسيحي الأمريكي المعروف يوجين بلاكستون بتنظيم حملة لجمع التواقيع على عريضة موجهة إلى رئيس الولايات المتحدة آنذاك بنيامين هاريسون. وقد دعت العريضة إلى مساعدة اليهود على العودة إلى "أرض الميعاد":
«لماذا لا ينبغي للقوى التي منحت بلغاريا للبلغار وصربيا للصرب بموجب معاهدة برلين للسلام عام 1878، أن تعيد الآن فلسطين إلى اليهود؟ … لقد إنتُزعت هذه الأقاليم، وكذلك رومانيا والجبل الأسود واليونان، من الأتراك وسُلِّمت إلى أصحابها الطبيعيين. أفلا يحق لليهود أن تُعاد إليهم فلسطين؟».
وقد وقَّع على هذه العريضة 413 شخصية أمريكية بارزة: من بينهم قاضي المحكمة العليا الأمريكية، ورئيس مجلس النواب، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، وعدد من "ممثلي الشعب" الآخرين في الكونغرس، بالإضافة إلى روكفلر، ومورغان، وغيرهم من كبار الأثرياء في أمريكا.
ومن اللافت أن هذا الإعلان ظهر قبل 26 سنة من "وعد بلفور" الشهير (البيان الرسمي الذي ورد في رسالة بتاريخ 2 نوفمبر 1917 من وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور إلى أحد زعماء الحركة الصهيونية ورئيس الجالية اليهودية البريطانية والتر روتشيلد).
واليوم، فإن الغالبية العظمى من الصهيونيين المسيحيين توجد في الولايات المتحدة. وقد كُتبت العديد من الكتب حول الصهيونية المسيحية في أمريكا. إلا أن القليل منها نقدي، ومعظمها يميل إلى المدح والدفاع الصريح. وقد ظهرت الكثير من المنشورات المتحمسة حول موضوع الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين تحديدًا. وليس ذلك من قبيل الصدفة، إذ يبدو أن عدد مؤيديها في تزايد مستمر.
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟