أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة شاعر الكأنات .















المزيد.....

مقامة شاعر الكأنات .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8384 - 2025 / 6 / 25 - 16:31
المحور: الادب والفن
    


بشار بن برد يرجوخ العُقيلي , (96 هـ - 168 هـ) , أبو معاذ , أشعر المولدين على الإطلاق , أصله من طخارستان غربي نهر جيحون ونسبته إلى امرأة عقيلية قيل أنها أعتقته من الرق , كان ضريراً , نشأ في البصرة وقدم بغداد , وشعره كثير متفرق من الطبقة الأولى , جمع بعضه في ديوان , شاعر مطبوع إمام الشعراء المولدين , ومن المخضرمين حيث عاصر نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية , ولد أعمى وكان من فحولة الشعراء وسابقيهم المجودين , ويُعد من أبرز الشعراء المجددين في عصره ,تميز شعره بجمعه بين القديم والحديث , والجمع بين الحكمة والمجون , وعُرف بشدة لسانه ووقوعه في الهجاء, خاصةً هجائه للخليفة المهدي ووزيره يعقوب بن داود , كان غزير الشعر, سمح القريحة , كثير الافتنان , قليل التكلف , ولم يكن في الشعراء المولدين أطبع منه ولا أصوب بديعا , قال أئمة الأدب: (( إنه لم يكن في زمن بشار بالبصرة غزل ولا مغنية ولا نائحة إلا يروي من شعر بشار فيما هو بصدده )) , وقال الجاحظ: (( وليس في الأرض مولد قروي يعد شعره في المحدث إلا وبشار أشعر منه )) , اتهم في آخر حياته بالزندقة , فضرب بالسياط حتى مات , ودفن بالبصرة .

كان أبلغ العميان وأتى بما لم يأت به المبصرون , ومن أجمل تشبيهاته : (( كَأَنَّ قَرقَرَةَ الإِبريقِ بَينَهُمُ صَوتُ المَزاميرِ أَو تَرجيعُ فَأفاءِ )) , (( كأن إبريقنا والقطرُ في فمه طيرٌ تناول ياقوتًا بمنقارِ )) , (( كأن مثار النقع فوق رؤوسنا و أسيافنا ليل تهاوى كواكبه )) , (( وكأن الشيب على رأسه ليلٌ يصيح بجانبيه نهارُ )) , هناك من يقول انه للفرزدق , (( التينُ يعلو فوق كُلٍ فاكهةٍ اذا ذُبِّـلَ على اغصانهِ الزاهي , مُخرمشُ الوجهِ قد سالت مدامعهُ كأنه الباكي من خشيةِ اللهِ )) , (( ودعجاء المحاجر من معدٍ كأن حديثها ثمر الجنان )) , (( من أروع ماقال وقد استهداه بصير فمشى به حتى أبلغه الموضع الذي ينشده ثم أنشأ يقول : أعمى يقود بصيرا لا أبى لكمو قد ضل من كانت العميان تهديه )) .

كانت الكلمات هي عينا بشار بن برد , ومرآته التي تعكس العالم من حوله , هذا الشاعر العباسي , الذي وُلد أعمى , لم تحجب ظُلمة البصر عنه بصيرة داخلية أدهشت الأبصار وأبانت عن قدرة فذة في الوصف والتشبيه , تفوقت في كثير من الأحيان على رؤية المُبصِرين أنفسهم , لم يكن بشار شاعرًا يرى الأشياء وحسب , بل كان يستشعرها بعمق, يلامس جوهرها , ويُخرجها في صور شعرية زاهية لم يتسن لأحد أن يلحظها قبله , لذا يستحق بجدارة لقب (( شاعر الكأنات )) , لقد أثبت بشار أن الرؤية الحقيقية ليست حبيسة الأعين , بل هي نتاج إحساس مرهف , وذكاء متوقد , وموهبة فطرية , كيف لشاعر لم يرَ نور الشمس قط أن يصف الشروق والغروب بتلك الدقة المتناهية التي يراها المُبصر؟ وكيف له أن يرسم لوحات شعرية للبساتين , والأنهار, والخيول , وكأنها مرسومة بفرشاة فنان رأى أدق تفاصيلها ؟ الإجابة تكمن في قدرته على تحويل حواسه الأخرى إلى نوافذ يطل منها على الكون , كان يستمع إلى أصوات الحياة , يشم روائحها , يلامس ملمس الأشياء , ثم ينسج من كل ذلك خيوطًا من الخيال واللغة لتصنع نسيجًا شعريًا فريدًا.

تميز بشار بقدرته على (( التشبيه )) الذي تجاوز المألوف , فكان يأتي بتشبيهات مبتكرة وغير متوقعة , تجمع بين أشياء قد تبدو متباعدة , لكنها في رؤيته العميقة تتآلف لتُخرج معنى جديدًا وجمالاً فريدًا , لم يكن يصف ما هو ظاهر فحسب , بل كان يغوص في أعماق الأشياء ليُخرج منها ما خفي عن الأعين , ويكشف عن علاقات وتفاصيل لم يتصورها أحد , كان يرى الكائنات من منظور مختلف , منظور الروح والبصيرة , فمنحها حياة وعمقًا إضافيًا في شعره , وبالتالي , فإن (( شاعر الكأنات )) ليس مجرد لقب لبشار بن برد , بل هو وصف دقيق لجوهر عبقريته , فقد كان شاعرًا يستنطق الجماد , ويُحيي الموت , ويُجسم المعاني , ويُشخص الأشياء , وكأن كل ما في الوجود كائن حي يتنفس ويتكلم تحت لسانه , إن إرثه الشعري يظل شاهدًا حيًا على أن الإعاقة الجسدية لا يمكنها أن تُعيق الإبداع , وأن البصيرة الداخلية هي النور الحقيقي الذي يهدي الشاعر إلى آفاق لا حدود لها.

من أشهر الطرائف التي تُروىَ عن بشّار ساقها أبو الفرَج الأصفهاني في كتابه الشهير (( الأغاني )) حيث قال إنه كان ذات يوم في مَحضر الخليفة عبد الملك بن مروان يُنشده شعراً مع حاشيته ووزرائه فدخل عليهم خالُ الخليفة متهادِياً , مترنِّحاً , يمشي صَبَباً , وحسب رواية أبي الفَرَج الأصبهاني : (( وكانت بخال الخليفة غفلة )) , فلمّا كان بمحضره سأل خالُ الخليفة بشّارَ بن بُرد فقال له: يا شيخُ ما صِنَاعَتُك ؟ فألتفت إليه بشّار وقال له: إنني أثقبُ اللّؤلؤ, فغاضَ ذلك الخليفة , وصاح في بشّار قائلاً: وَيْحَك يا هذا , أتتنادر بخالي؟ فقال بشّار للخليفة : وماذا تريدني أن أفعلَ به يا أميرَ المؤمنين , يرى شيخاً أعمىَ يُنشدُ الخليفةَ شعراً ويسأله عن صناعته , ومعروف أن ّالذي يعمل في صناعة اللؤلؤ , أو بالأحرىَ في ثقب اللؤلؤ, ينبغي أن يكون حادَّ النّظر, سليمَ البَصر, وعندما خرج بشّار مغتاظاً من عند محضر الخليفة , التقى به أحدُ أصحابه الذي كان حاضراً عند وقوع الحادثة , فقال له : لماذا كلّمتَ خالَ الخليفة بتلك اللّغة الاستخفافية , والاستهزائية , والاستهجانية بمحضر الخليفة ؟ فقال له بشّار: تالله يَا صَاحِ إنّني لأحمدُ اللهَ الذي ذَهَبَ ببصري حتى لا أرى الوجوهَ الكالحة من أمثال هؤلاء )) .

الشاعر الماجن بشار بن برد (714- 784م) الذي كان آخر من يُحْتَجْ به أو يهملونه , ذاك الفارسي الذي كان يكره العرب حتى صار من أعلام الشعوبية , كانت عبودية نسبه تلاحقه , ما سبب له شعورا بالنقص وجعلته متطرف السلوك , فقد كان يدافع بتعصب شديد عن نسبه الفارسي , وفي الوقت نفسه يحتقر الجنس العربي في أشعاره وحياته , وعلى الرغم من الأحكام القاسية التي يطلقها المؤرخون عليه , كان يقابل من ينظر نظرة تحقير إلى نسبه العجمي بافتخاره بالعجم , ويقابل من يحقّره من العرب بافتخاره بولائه إلى مُضَر, وهو يقول في ذلك : (( أنا ابن ملوك الأعجمين تقطَّعت /عليَّ ولِي في العامِرِين عِمادُ ,أنا المرعَّثُ لا أخفى على أحدٍ / ذرَّت بي الشمسُ للقاصي وللدَّاني )) , ومهما قيل على شخصه أو شعره , لكنه واحد من المجددين البارزين في حركة الشعر في العصر العباسي , على وجه الخصوص , وفي حركة الشعر العربي بأكمله , على وجه العموم .







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة التفاوض .
- مقامة المرارة .
- مقامة الأقنعة .
- مقامة نبوءة القبانجي .
- مقامة القنبرة .
- مقامة الملك الفيلسوف .
- مقامة ترانيم ساجدة الموسوي .
- مقامة المهزلة .
- مقامة تقدير الموقف .
- مقامة البخلاء .
- مقامة البزرنكوش .
- مقامة الأعتذار .
- مقامة الفاصوليا .
- مقامة الوسوسة .
- مقامة العشعشة .
- مقامة الساكن و المتحرك .
- مقامة الشاعرة .
- مقامة الثايات .
- مقامة العباءة .
- مقامة جبر الخواطر .


المزيد.....




- -عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...
- بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا ...
- قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
- الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر
- رابط شغال ومباشر.. الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- خبر صحفي: كريم عبدالله يقدم كتابه النقدي الجديد -أصوات القلب ...
- موسيقى للحيوانات المرهقة.. ملاجئ الولايات المتحدة الأمريكية ...
- -ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في ...
- 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة شاعر الكأنات .