أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة القنبرة .














المزيد.....

مقامة القنبرة .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8379 - 2025 / 6 / 20 - 15:10
المحور: الادب والفن
    


مقامة القنبرة :

(( خلا لكِ الجو فبيضي واصفري )) , العقد الثمين : 185 , مثلٌ ماتعٌ نافعٌ , من أشهر الأمثال عند العرب , يضرب لمن يخلى بينه وبين حاجته , خلا له الجوّ: انفسح له المجال , انفرد بالشيء , وأخلَى فلان : صار في موضع خالٍ لا يُزَاحَمُ فيه , وأصل المثل مِنْ بيتِ شِعْرٍ عربيٍّ أصيل , قائله : الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد , وقصته : يذكرها الميداني في (( معجم مجمع الأمثال )) , 234 - 235 , أن طرفة وهو صبي كان مع عمه في سفر , فنزلوا على ماء , فذهب طرفة بفخيخ له , فنصبه للقنابر, وبقي هناك ينتظر, ولما لم يصد شيئًا حمل فخّه ورجع إلى مكان عمه وربعه , وقد تحمّلوا منه , ورأى القنابر هناك يلقطن ما نثر لهن من الحَبّ , فأنشد : (( يالكِ من قنبرة بمعمر.. خلا لكِ الجو فبيضي واصفري.. ونقري ما شئت وتنقري.. قد رحل الصياد عنك فأبشري.. ورفع الفخ فماذا تحذري.. لابد من صيدك يومًا فاصبري )) , وفي لفتة تاريخية يروي ابن أبي الحديد في (( شرح نهج البلاغة )) ج 20 - الصفحة 134 , أنه لما خرج الحسين بن علي من مكة إلى العراق , ضرب عبد الله بن عباس بيده على منكب عبد الله ابن الزبير وقال : (( يا لك من قبرة بمعمر ** خلا لك الجو فبيضي واصفري .. ونقري ما شئت أن تنقري ** هذا الحسين سائر فأبشري , خلا الجو والله لكَ يا بن الزبير )) .

تحذير العراق , كي لا يتكرر سيناريو (( القبرة ومعمر)) في ظل التهديدات الإقليمية , فأن المشهد التاريخي الذي يرويه ابن أبي الحديد في (( شرح نهج البلاغة )) عن لقاء عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير, وما قاله ابن عباس لابن الزبير عند خروج الإمام الحسين (عليه السلام) من مكة إلى العراق , يحمل في طياته دلالات عميقة يمكن استلهامها لتحذير العراق اليوم من مغبة الانجرار إلى صراع إقليمي بين إسرائيل وإيران , فقول ابن عباس: (( يا لك من قبرة بمعمر * خلا لك الجو فبيضي واصفري * ونقري ما شئت أن تنقري * هذا الحسين سائر فأبشري ,خلا الجو والله لكَ يا بن الزبير )) , يعكس فكرة إخلاء الساحة لطرف معين على حساب آخر, وما يمكن أن يترتب على ذلك من عواقب وخيمة.

العراق , بتاريخه العريق وموقعه الجيوستراتيجي الحساس , يجد نفسه اليوم في مفترق طرق شبيه بذلك الذي مر به في الماضي , فكما أن خروج الإمام الحسين أفسح المجال لابن الزبير في مكة , فإن أي تصعيد عسكري بين القوتين الإقليميتين , إسرائيل وإيران , يمكن أن يحوّل العراق إلى ساحة حرب بالوكالة , أو على الأقل , أن يدفع به إلى مرمى النيران بشكل مباشر أو غير مباشر, إن العراق الذي بدأ للتو بالتعافي من سنوات طويلة من الصراعات الداخلية وتحديات الإرهاب , لا يحتمل أن يصبح ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية , فاستقراره الهش يمكن أن ينهار , وتعود البلاد إلى مربع الفوضى , مع ما يترتب على ذلك من خسائر بشرية واقتصادية هائلة , وتأجيج للطائفية والعنف .

الفتنة التي حذر منها ابن عباس لابن الزبير, والتي انتهت بمقتل الإمام الحسين وما تلاها من أحداث جسام هزت الأمة الإسلامية , يجب أن تكون جرس إنذار للعراق , فخلاء الساحة لطرف على حساب طرف آخر لم يجلب سوى المآسي والدمار, والمثل الذي ضربه ابن عباس عن (( القبرة ومعمر)) يحمل في طياته تحذيرًا من استغلال الفراغات أو الظروف لتعزيز نفوذ طرف على حساب آخر, خاصة عندما يكون الثمن هو أمن واستقرار بلد وشعبه , وعلى الرغم من الروابط الدينية والتاريخية والثقافية التي تجمع العراق بإيران , فإن مصلحته العليا تكمن في النأي بنفسه عن أي صراع محتمل , فالانحياز لأي طرف سيجر البلاد إلى مستنقع لا قرار له , ويجعل العراق جزءًا من مشكلة إقليمية لا حل لها , يجب على الحكومة العراقية والشعب العراقي أن يكونا على أقصى درجات الوعي بخطورة هذا الوضع , وأن يعملوا جاهدين لتعزيز سيادة البلاد واستقلال قرارها , إن الدور الذي يجب أن يلعبه العراق هو دور الوسيط المدافع عن السلام , لا طرفاً في الصراع , عليه أن يستثمر في بناء علاقات متوازنة مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية , وأن يركز على مصالحه الوطنية العليا , وهي الأمن والاستقرار والتنمية .

إن الفتنة التي تنذر بها التوترات بين إسرائيل وإيران تشكل تهديدًا وجوديًا للعراق , وكما أن ابن عباس حذر ابن الزبير من (( خلاء الجو )) , فإن على قادة العراق اليوم أن يدركوا أن (( خلاء الجو )) في المنطقة من عوامل الاستقرار , يمكن أن يكون نذير شؤم على بلادهم , حماية العراق من الوقوع في أتون حرب إقليمية هو واجب وطني وأخلاقي , يتطلب حكمة وبصيرة وشجاعة في اتخاذ القرارات الصعبة , فهل يستطيع العراق أن يتعلم من دروس التاريخ ويتجنب تكرار المآسي؟ أم سيُكتب عليه أن يكون مجرد (( قبرة )) تُخلى لها الساحة لتنقر وتبيض وتصفر في جوٍّ مضطرب , بينما يدفع شعبها الثمن؟

صباح الزهيري .







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الملك الفيلسوف .
- مقامة ترانيم ساجدة الموسوي .
- مقامة المهزلة .
- مقامة تقدير الموقف .
- مقامة البخلاء .
- مقامة البزرنكوش .
- مقامة الأعتذار .
- مقامة الفاصوليا .
- مقامة الوسوسة .
- مقامة العشعشة .
- مقامة الساكن و المتحرك .
- مقامة الشاعرة .
- مقامة الثايات .
- مقامة العباءة .
- مقامة جبر الخواطر .
- مقامة فتوى الجلد .
- مقامة صرخة وطن .
- مقامة العتاب .
- مقامة الأسكافي .
- مقامة البصرة .


المزيد.....




- تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك 2025 بتحديثه الجديد على النايل ...
- قصة الرجل الذي بث الحياة في أوليفر تويست وديفيد كوبرفيلد
- وزيرة الثقافة الروسية: زاخار بريليبين مرشح لإدارة مسرح الدرا ...
- “وأخيرا بعد طول انتظار” موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 1 ...
- وزير الثقافة والاتصال الموريتاني يوضّح موقف نواكشوط من من مق ...
- جودة خرافية للمباريات.. تعرف على أحدث تردد قناة MBC أكشن 202 ...
- -الدين المعرفي-.. هل يتحول الذكاء الاصطناعي إلى -عكاز- يعيق ...
- هوليود تنبش في أرشيفها.. أجزاء جديدة مرتقبة لأشهر أفلام الأل ...
- رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار: التعاون الثقافي مع روسيا ...
- -بيت الشعر في المغرب- يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة القنبرة .