أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة جبر الخواطر .














المزيد.....

مقامة جبر الخواطر .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8364 - 2025 / 6 / 5 - 11:13
المحور: الادب والفن
    


من الأشياء الإيجابية التي قرأتها عن المتصوفة هي جبر الخواطر , حيث يطلب من الصوفي ان يعالج اي خلل يراه ليستر على صاحبه ويخفي عيوبه , وبهذا المعنى قال حمدون القصار : (( إذا رأيت سكران فتمايل لئلا تبغي عليه بمثل ذلك )) , ومقتضى التوجيه ان تظهر من نفسك العيب الذي تراه في غيرك حتى لا تعتقد أنك أفضل منه , وحتى تكون له عونا على مواجهة تعيير الناس له أو سخريتهم به , وللمتصوفة حساسية حرجة تجاه هذه الأمور لحرصهم على عدم إلحاق الأذى بالناس بسبب ما يبدر منهم من أخطاء أو هفوات , وقد لقب أحدهم حاتم الأصم ولم يكن أصم , وإنما جاءته امرأة لتسأله عن مسألة , فخرج منها صوت , فانقبضت المرأة فقال لها على الفور : ارفعي صوتك , متظاهرا بالصمم , فارتاحت المرأة إذ بدا لها أنه لم يسمع الصوت الذي خرج منها , وحاتم هو أفغاني من أهل بلخ جاء إلى بغداد وفي لسانه لكنة فكان لا يجادل أحد إلا غلبه بالحجة فسأله بعض البغادة عن السبب فقال انها ثلاثة خصال : (( أفرح اذا أصاب خصمي , واحزن اذا أخطأ , واحفظ نفسي أن لا أجهل عليه , اي لا اتجاوز عليه في الكلام )) .

ما هو مفهوم جبر الخواطر؟ هو اصلاح النفوس بالمعروف ماديا و معنويا , وتطيب القلوب بالكلمة الطيبة , و إدخال البهجة والسرورعليها , و أعمارها بالحياة والمؤازرة المالية , والروحية , و النفسية , وهو تعبير عربي يعني (( إصلاح القلوب )) , أو (( إدخال السعادة)) , ويعتبر من القيم الأخلاقية السامية التي تشجع على التراحم والتعاطف مع الآخرين , وإدخال البهجة والسرور في قلوبهم , يقول سعدي يوسف : (( سلامٌ على الغصنِ الذي ليسَ يوصَفُ ... وألْفُ سلامٍ للندى , وهو رفرَفُ )) , ويقول الشاعر بشارة الخوري (الأخطل الصغير ) : (( أدب الشراب اذا المدامة عربدت في كأسها ألا تكون الصاحي )) , فإياكم وكسر الخواطر فإنها ليست عظاما تجبر بل هي أرواح تقهر, فلنتعلم جبر الخواطر , فنحن لا نعلم ما تحمله القلوب .

في كتاب نزهة الخاطر بعبادة جبر الخواطر قال سفيان الثوري : (( ما رأيتُ عبادةً أجل وأعظم من جبر الخواطر)) , وقد أجمع اللغويون على أن الخاطر هو القلب , وعدم كسره خلق عظيم , ولو تحققنا فسوف نجد أن أغلب أحكام الدين قائمة على جبر الخواطر, فنحن نقدم واجب العزاء لجبر خاطر أهل المتوفي , ونزور المريض لجبر خاطره , وندفع دية الميت لجبر خاطر أهله , ولو انتقلنا من صفاء التصوف إلى واقع العراق المعاصر, وفي خضم التحديات الجمة التي يواجهها العراق اليوم , ستبدو الحاجة ماسة إلى استحضار قيم ومبادئ من شأنها أن تزرع الأمل وتلملم الشتات , ومن بين كنوز التراث الروحي الذي يزخر به تاريخنا , تبرز عادة جبر الخواطر لدى الصوفية كمنهج حياة يتجاوز حدود العبادة ليلامس جوهر المعاملات الإنسانية .

يعتبرجبر الخواطر من أسمى مقامات الإحسان في التصوف , ويعني مواساة المهموم , رفع معنويات المكسور, وإصلاح حال من ضاقت به السبل , إنه ليس مجرد قول طيب أو دعاء , بل هو فعلٌ إيجابي ملموس يهدف إلى إزالة الألم عن القلوب , وترميم النفوس المنهكة , وبث روح الطمأنينة فيمن يعاني , حيث يرى الصوفية أن جبر الخواطر هو من أعظم القربات إلى الله , لما فيه من رحمة وتراحم وتكافل اجتماعي , وعندما نتأمل واقع العراق اليوم , نجد أن هذا المفهوم بات ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى , فالسنوات الطويلة من الصراعات والنزاعات , وما تبعها من أزمات اقتصادية واجتماعية , قد خلّفت وراءها آلاف القلوب المكسورة , والعائلات المنهكة , والنفوس التي فقدت الأمل ,فعلى المستوى الفردي, يعاني الكثيرون من الصدمات النفسية , الشعور باليأس , وفقدان الثقة بالمستقبل , وهنا يأتي دور جبر الخواطر من خلال مبادرات فردية صغيرة لكنها ذات أثر عظيم , كلمة طيبة لمن فقد عزيزًا , مساعدة شاب عاطل عن العمل في إيجاد فرصة , زيارة مريض في المستشفى , أو حتى مجرد الاستماع بإنصات لمشكلة أحدهم , كل هذه الأفعال البسيطة يمكن أن تكون بمثابة بلسم شافٍ للقلوب.

تحتاج المجتمعات العراقية إلى إعادة بناء الثقة والتآلف بين مكوناتها , فلقد أدت الانقسامات الطائفية والسياسية إلى شرخ عميق في النسيج الاجتماعي , يمكن لجبر الخواطر أن يساهم في رأب الصدع من خلال تعزيز ثقافة التسامح والمصالحة , والتركيز على الإنسانية المشتركة التي تجمع الجميع , والمبادرات المجتمعية التي توحد الجهود لخدمة المحتاجين بغض النظر عن انتمائهم , أو تلك التي تعمل على إعادة تأهيل المناطق المتضررة , هي أمثلة حية على تجسيد جبر الخواطر على أرض الواقع , وعلى المستوى المؤسسي , يمكن للدولة والمؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني أن تتبنى مبادئ جبر الخواطر في عملها , فبدلًا من التركيز فقط على الجوانب المادية , يجب أن يكون هناك اهتمام خاص بجبر الخواطر المعنوي للمواطنين , وتوفير الخدمات الأساسية الكريمة , وتطبيق العدالة , ومكافحة الفساد الذي يكسر ظهور الفقراء , وتوفير بيئة آمنة ومستقرة , كلها أشكال من جبر الخواطر على نطاق أوسع , تُعيد الأمل للمواطنين وتُشعرهم بقيمة انتمائهم لوطنهم .

في التطلع نحو مستقبل أفضل و لتحسين الواقع العراقي , يمكننا أن نستلهم من التصوف وجبر الخواطر دروسًا لتضميد جراح واقعنا العراقي , وهو ليس دعوة للعودة إلى الماضي , بل هو دعوة لاستعادة القيم الإنسانية النبيلة وتطبيقها في سياقنا المعاصر, إنها دعوة للتعاضد , والتراحم , والتكافل , وتضميد الجراح , فكل عمل طيب , وكل يد ممدودة للعون , وكل كلمة مواساة , هي لبنة في بناء عراق جديد , عراق تُجبر فيه الخواطر, وتُبعث فيه النفوس , ويُزهر فيه الأمل من جديد .

(( جبرُ الخواطرِ ذاكَ دأبُ أولي النُهَى وترى الجهولَ بكسـرهـــا يتمتَّعُ
فاجعل كلامكَ بلسمًا فيه الشِّفا لا مِشرطاً يُدمي القلوبَ ويُوجِعُ )) .







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة فتوى الجلد .
- مقامة صرخة وطن .
- مقامة العتاب .
- مقامة الأسكافي .
- مقامة البصرة .
- مقامة تكريم كريم .
- مقامة الطيور .
- مقامة المصطلم .
- مقامة النداوة .
- مقامة دين ابن عربي .
- مقامة الجزع .
- مقامة المطارف و الحشايا .
- مقامة يا أمة ضحكت .
- مقامة إلا الزلق .
- مقامة توقيت الأنسحاب .
- مقامة القوة الناعمة .
- مقامة حمار بوريدان .
- مقامة صبر النائبات .
- مقامة الموتات الأربعة .
- مقامة الديموقراطية .


المزيد.....




- ” اضبطها وشوف أفلام العيد” تردد قناة روتانا سينما الجديد 202 ...
- توم كروز يدخل -غينيس- بمشهد مرعب في فيلم -المهمة المستحيلة - ...
- أوبرا دمشق تنتظر تغيير اسمها الرسمي وعودة نشاطاتها الدورية
- أفلام عيد الأضحى في السينما.. منافسة فنية بين كريم عبد العزي ...
- استقبال تردد قناة روتانا سينما على النايل سات وعرب سات وتابع ...
- “الخيال بقى حقيقة”.. Honor 400 Pro بيصور كأنك في فيلم وسعره ...
- هل يعيد الذكاء الاصطناعي صياغة قواعد صناعة الموسيقى؟
- نغوجي واثيونغو حين كتب بلغته كي لا يُمحى شعبه... دروس لكردست ...
- مصر.. منشور منسوب للفنان المصري أحمد آدم يثير ضجة بالبلاد
- سلوتسكي: السلطات في لاتفيا مستعدة لحظر حتى التفكير باللغة ال ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة جبر الخواطر .