أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الجزع .














المزيد.....

مقامة الجزع .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8352 - 2025 / 5 / 24 - 14:07
المحور: الادب والفن
    


مقامة الجزع : (( الى سوركول الجاف )) .

ها انت تكررينها , توق , وأحتراق , وشوق , ومرارة جروح , أهو أستذكار أم جزع ياأختاه ؟

قال ابن قتيبة : (( وأحسنُ مَن ابتدأ مرثيةً , أوسُ بن حجر, في قوله : ( أيتها النفسُ أَجْملي جزعَا * إنّ الذي تكرهين قد وقعَا ) , والبيت على عكس ما قد يبدو للناظر من الوهلة الأولى , لا يَنْهَى عن الحزن على فَقْدِ الأعزَّاء , ولو كان الأمر كذلك , لَمَا كتب الشاعر مرثيتَه أصلاً , إنما هو يَنْهَى عن الجزع , والْجَزَعُ : نَقِيضُ الصَّبْرِ , وَهُوَ انْقِطَاعُ الْمُنَّه عَنْ حَمْلِ مَا نَزَلَ , و كان ابن المقفع يقول : (( إذا نزل بك أمر مهم فانظر فإن كان لك فيه حيلة , فلا تعجز, وإن كان مما حيلة فيه فلا تجزع )) , وقد علَّق صلاح الدين الصفدي على قول ابن المقفع , قائلاً : (( وما أحسن قوله : (تعجز, وتجزع) , وهذا الذي يسمى قلب البعض , وهو معدود عند أرباب البديع من الجناس , كقولك : رقيبٌ قريب )) .

يتساقط مطر نصك على شراشف الروح , تسكن روح على ضفة لا تعرفها , لتعبر عن حالة من عدم الاستقرار والتشوش في النفس , حيث تكون الروح عالقة في مكان غير مألوف أو غير مريح , فتستجمع مدخرات الروح برغبة بكاء دافئ , وأنت برمزية نصك تسعين إلى تجميع قوى النفس العاطفية , بعد حالة من الألم أو الحزن , فأنتبهي لأن آلهة القوة تعانق أسراب المنايا , كدير مهجور يلج فيها الخراب في تشبيه لحالة النفس بالخراب والضياع , وكأن الروح تجد نفسها في مكان مهجور من العواطف أو الأمل , وأنت جامحة بالأحلام التي تعبر عن الحلم والتوق لتحقيق ما ترغبين ,فتتسلقين شرفات الروح في محاولة للوصول إلى أعمق نقاطها , علك تفهميها بشكل أعمق.

في قول امرئ القيس : (( قفـــا نبـــكِ مـــن ذكــــرى حبيـــب ومنــــزل بسقــــط اللــوى بيـــن الدخــــول فحومــــلِ )) , نجد النداء للحظتين , لحظة الحاضر التي تقف عند الأطلال, ولحظة الماضي حيث الذكرى حيّة , إنها لحظة تتحد فيها الذات مع ما كان , لتعيد تشكيل الحاضر عبر التأمل والحنين , ونجد هنا ملامح البداية التي تصبغها النوستالوجيا وتوق الماضي , حيث يطالب الشاعر رفاقه بالتوقف والبكاء , كأنما الزمن نفسه يستدعي شهادة البشر على فناء آثاره , هنا، يصبح الحنين أداة فلسفية للتأمل في الزوال , حيث تلتقي الحياة بالشعر في لحظة مفارقة بين الحاضر والماضي , هل تتناغمين في نصك مع ملك العرب الذي أبتدأ به الشعر كما يقولون ؟

أتذكرك عندما أقرأ قصيدة النابغة , حيث يعتبر أغربُ من ابتدأ قصيدة في قوله : (( كليني لهمٍّ , يا أميمةُ , ناصبِ وليلٍ أقاسيه بطيءِ الكواكبِ )) , فأقول : ليس أبطأ من وقتِ المكلوم , مهما توقعت وارتجف انتظارك العاجز, لن يكون احد في العالم كله قادر على وصف تلك اللحظة , لحظة الحدوث , كأنه جبل يهتز داخلك , كذلك هو, بل أشد وأقسى , ويطول الطريق وانت لا تقوين على تحمله , حبيبك ينتظرك يا هذه , أقسم الا يرحل الا وقد رآك ايتها الزاهدة البائسة بهذا الحب , ولقد حانت اللحظة التي كنت تخشيها , ستجديه وفياً كما كان , يطالعك بنظرة لا تخيب , يعاتبك : لم اطلت الغيبة فاني افتقدك؟ ما علم أنه يرافقك اينما حللت , وان الصمت المنهزم كان يخفي دوماً تحته براكين وقد حان قطافها , وما علم ان القلب الهزيل لم يعد قادراً على تحمل هذا الوجع اللعين , والفراق الطويل , الذي يلوح له .

آهٍ على ايام ليست كالايام , وفي لحظة تغادر منزلك الروح , ولا تترك لك سوى غصّة الفراق , ذكرى تلو ذكرى , ماذا يتبقى غير الجدران تحكي لوعتك , تقّص ألمك , تستعيد شريط الحياة يوم تلون بالحضور واسوّد يوم فقدك , وخلت الاماكن ظاهراً , لكن كل قطعة منها لا تتركك أهدأ اذ تستحضر طيفه , وتذكرك برحيله , تخافين دوماً من الاعتياد الذي يغتال الشعور, ولكن عجباً هل يعتاد مكلوم جرحه ويعايش نزفه وانطفاءه المرير؟ عجيب فقيدك , انفاسه التي كانت تملأ المكان ما زلت تجدينها , رائحته التي تعطرت بها يوماً , تغمر سمائك , كأنه ما غاب , كأنه سافر الى بلدٍ بعيد , وأنت باقية ما حييت تنتظرينه , من اين تاتي كل هذه الدموع , من نبع الالم؟ من احتباس المشاعر الذي انكسرت سدوده , ولم تستطيعين مقاومته؟ من تفاهة دنيا نراها خالدة فاذا بها كما كان حبيبك يقول لك مبتسماً حتى وهو يجاهد صوته ليظهر: ترهات .

القلب المنطفىء اضناه الشوق , اذ تحاصره الذكرى من كل الجهات , وتذكرك به كل الأشياء, الكلمات , الضحكات , الصور , الاماكن , الف الف من الايام , تسمعين كلمة بسيطة مثل (معقولة) فترتعشين , وتهزك هزاً , وتكاد المصيبة تعيد صياغتك , فلا تخجلين من اظهار ضعفك , وتجدين نفسك تقول في حزم وعزم : لن اخجل من تلك الدموع فهي اليوم تذرف عليه , وهل هناك مثله ؟ من مثل الشمس دفأ , والقمر رقة والحب نبضاً ؟ من مثل ابتسامة حبيبي ؟ نظمت وقتي على توقيت حبه , فالموعد المغرب كان , وها هو الموعد ينتهي ويغيب الصوت ويبقى اتصالي دون جواب , وتقولين لنفسك متعجبتاً : ماذا دهاك؟ اتخاطبين تراباً , تقبلين حجراً , تشتاقين ارضاً ؟ فتجيبيها معاتبة , وهل تلك مثل غيرها؟ اليس ثمنها ومعناها من تلك الأجساد التي تضم , والحياة التي تكمن؟ لذا لا ابالي منطقها الهزيل , وتمضين تحدثينا عن وجع كبير وشوق عظيم , ودعاء لا ينقطع , وحبيبة ما تزال تبكيه , وهو يستمع بشوق ولا تشكين , فأنت على العهد للذي كان سيبقى حبيبك , ثم تلملمين ما تبقى منّك وتودعيه قائلة : (( انتظرني كالعادة لن اتأخر عليك وسابقى اسأل عنك واتفقدك )) .

صباح الزهيري .







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة المطارف و الحشايا .
- مقامة يا أمة ضحكت .
- مقامة إلا الزلق .
- مقامة توقيت الأنسحاب .
- مقامة القوة الناعمة .
- مقامة حمار بوريدان .
- مقامة صبر النائبات .
- مقامة الموتات الأربعة .
- مقامة الديموقراطية .
- مقامة مطعم الجامعة .
- مقامة المثقف .
- مقامة مشوار .
- مقامة الأغوات .
- مقامة ضياع الزمن .
- مقامة ألأستفهام .
- مقامة الزعل .
- مقامة الهذلي .
- مقامة غزال الكرخ .
- مقامة النساء أولًا Ladies First .
- مقامة عابرة .


المزيد.....




- وفاة االمخرج محمد لخضر حمينة.. صاحب-وقائع سنين الجمر- و-السع ...
- قبل ساعات من حفل الختام.. مهرجان كان السينمائي يتأثر بانقطاع ...
- منتدى حقوق الإنسان بالصويرة يناقش -الحركية البشرية- و-الدينا ...
- أول عربي يفوز بالسعفة الذهبية: رحيل المخرج الجزائري محمد لخض ...
- أول عربي يفوز بالسعفة الذهبية: رحيل المخرج الجزائي محمد لخضر ...
- بريتني سبيرز تخرق قواعد الطيران.. والسلطات تتدخل بتحذير رسمي ...
- مهرجان كان 2025: أي الأفلام سيفوز بالسعفة الذهبية؟
- الولايات المتحدة.. العثور على جثة نجم أفلام إباحية شهير بمنط ...
- تردد قناة ناشونال جيوغرافيك الجديد 2025 على النايل سات عشان ...
- الجزائر: وفاة المخرج محمد لخضر حمينة صاحب السعفة الذهبية بمه ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الجزع .