أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة غزال الكرخ .















المزيد.....

مقامة غزال الكرخ .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8334 - 2025 / 5 / 6 - 14:51
المحور: الادب والفن
    


مقامة غزال الكرخ :

نشر صاحبنا الثمانيني : ((رجاء : واذكروني مثل ذكراي لكم رب ذكرى قربت من نزحا , لا تقولوا صد عنا وجفا عندكم روحي وعندي بدني )) , وهي من غرر قصائد محمد سعيد الحبوبي ( 1849م- 1915م) الفقيه , الشاعر, الشهيد , وفيها يقول : (( يا غزال الكرخ وواجدي عليك كاد سرِّي فيك أن ينتهكا )) , التي يصرخ بها يوسف عمر على نغمة مقام الدشت , وقد حزّ ذلك القول في نفس الشاعر الذي آثر على نفسه أن يتقن الفقه ويبرع فيه , وقد تم له ذلك في سنوات معدودة حتى أصبح من علماء النجف ومن فقهائها الذين يشار لهم بالبنان في ظرف زمني محدود , وقد ولد الحبوبي في مدينة النجف , ونشأ في كنف أسرته محبّا للتعلم والمعرفة , ولأن والده كان مزارعا فقد أخذ مبادئ القراءة والكتابة والخط والقرآن الكريم واللغة والنحو والصرف والبلاغة والعلوم الدينية على يد خاله الشاعر الشيخ (عباس الأعسم) , وقد دفعته هذه الاهتمامات إلى ميدان الأدب مبكرا , حيث عرف في فترة شبابه الأول بولعه ورغبته في تكوين الحلقات الأدبية التي تصقل المواهب الأدبية والشعرية وتثيرها وتنميها , وقد هذبت هذه الحلقات قريحته الشعرية مبكرا حتى قال الشعر في عمر حسده عليه أقرانه من الشعراء والعلماء الذين جايلوه وعاشوا معه العصر نفسه , وقد أصبح في عقده الثالث من ألمع شعراء النجف إن لم يكن ألمع شعراء العربيّة في عصره.

يشابهه قول مهيار الديلمي : ‏ ‏(( اذكرونا مثل ذكرانا لكم ربَّ ذكرى قرّبت من نزحا , وارحموا صبَّاً إذا هام بكم شرب الدَّمع وعاف القدحا )) , ويحمل بيتا الحبوبي في طياتهما عمقًا في المشاعر الإنسانية وصدقًا في التعبير عن الود والارتباط الروحي , ويعبران عن الوفاء والذكرى الطيبة , وأهمية ترك أثر طيب في حياة الآخرين , وأن الذكرى الحسنة هي أثمن ما يتركه الإنسان بعد رحيله , ويرمزان لقيمة الوفاء في العلاقات الإنسانية , ثم تنتقلان إلى فكرة أن أجمل الوفاء هو أن يذكرك الناس بالخير بعد غيابك , هنا يأتي بيت الحبوبي ليؤكد هذه الفكرة , (( واذكروني مثل ذكراي لكم )) , أي أن الذكرى الطيبة المتبادلة هي أساس التواصل الروحي , ثم تستخدم الشطر الثاني (( رب ذكرى قربت من نزحا )) لبيان كيف أن الذكرى الجميلة تستطيع أن تقرب المسافات بين القلوب وتخفف من ألم البعد والفراق.

يعبر الحبوبي عن قوة الروح وارتباطها بالجسد , وتأثير المشاعر الداخلية على الظاهر, وأن الإنسان ليس مجرد جسد مادي , بل هو روح تسكن هذا الجسد وتؤثر فيه وتتأثر به , هنا يأتي الشطر الثاني من البيت ليؤكد هذا المعنى : (( لا تقولوا صد عنا وجفا عندكم / روحي وعندي بدني )) , فالحبوبي هنا يؤكد أنه حتى لو بدا الجسد بعيدًا أو غائبًا , فإن الروح حاضرة وقريبة , وأن أي فتور أو جفاء ظاهري لا يعكس حقيقة المشاعر الداخلية, وأن المظاهر قد تخدع , وأن الروح هي المعبر الحقيقي عن المشاعر, وهنا يظهر تأثير الشعر والأدب في تخليد الذكرى , وقدرة الكلمات الجميلة والشعر الصادق على حفظ ذكرى الأشخاص والأحداث عبر الأجيال , وتبين قراءة القصيدة كاملة دور الأدب في حفظ التاريخ والمشاعر الإنسانية , وتشير إلى كيف أن أبيات الشعر الخالدة تبقى حاضرة في الذاكرة الجمعية , فقوله (( واذكروني مثل ذكراي لكم )) , هو بمثابة وصية بأن يظل حاضرًا في قلوب محبيه كما هم حاضرون في قلبه , وهذا ما يحققه الشعر الصادق ,ومن هنا تأتي أهمية التعبير عن المشاعر بصدق ووضوح وعدم ترك مجال لسوء الفهم , كما تتم ألأشارة الى أهمية التواصل الصادق في العلاقات الإنسانية .

ذكر النقّاد والمهتمون أن قصائد الحبوبي هي من أجود قصائد الشعر العربي في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين , إذ أحيا الحبوبي فن الموشحات وأضاف لها روحا عصريا وأجواء رومانسية ورؤى شعرية عضدتها رقة في المفردات وخفة في التراكيب ونغم مبتكر جعلت الحبوبي من أرق شعراء الغزل والنسيب في تلك الفترة , وكان مجددا كبيرا في الشعر العربي وبعث فيه روح الإبداع والتجديد , وهو ينحو في موشحته (( يا غزال الكرخ )) , نحو الفنان المقتدر الذي يلون أشطرها وأغصائها بألوان الصور البيانية ومنها التشبيه البليغ المجمل في قوله : (( إن في خدك روضا شغفا مقلة الرائي وكف المجتنى )) , فقد شبة الخد بالروض في جماله وروعته للناظر وما يجتنيه من ثمر وما يقطفه من زهر فحذف أداة التشبيه وأخفى عناصر وجه الشبه بين الخد والروضة, وفي الموشحة صورة بديعية أخرى هي الجناس في قوله : (( أيها العذال كفوا عذلكم بالهوى العذري عذري اتضحا )) .

من حداثة الحبوبي في شاعريته ان شعره يجمع بين الغزل العرفاني الحسي والخمرة هذه المتعة أو اللذة كانت كسرا لرتابة الحياة في بيئة النجف آنذاك , وقد رأى العديد من النقاد ان الحداثة لا ترتبط بالزمن , بل بالقيمة فليس كل قديم قديما , وليس كل حديث حديثا , فالحداثة فعل اختراق , كما قال أدونيس تتميّز بالتدفق والطزاجة والحرية وعدم الانسلاخ فهي تطوير في الحداثة وليس انسلاخا عنها او انقطاعا وأراها كالهرم أو البناء المتدرج لكن الحداثة ليس لها نهاية فهي مشروع لما بعد الحداثة من دون الفوضى والخروج عن المنطق , وقد وصل صوته إلى بغداد مغرِّداً بجمال المرأة البغدادية التي ألبستها الحضارة ثوبا من الجمال والرقة (متحضرة مترفة مسفرة جميلة ذات شخصية رائعة فقال : ((بيضاء ما حلّ أهلوها على شرف من اليفاع ولاشدُّوا على عيسِ )) , ورأى المرأة البغدادية تمشي على الحرير رفعة وسموًّا متأثرا بها وبشخصيتها فقال : (( فرشنا لها حب القلوب فلم يطأ إذا ما مشى إلا الحرير المحبِّرا )) , وهو في غزله رفيق عفيف يشبه غزل الشريف الرضي وتلميذه مهيار الديلمي اللذين تأثر بهما الحبوبي .

ذاع صيت الحبوبي في محافل النجف امام شعرائها أمثال علي الشرقي وجواد الشبيبي ومحمد حسن سميسم وباقر الهندي وغيرهم , وكذلك في مجالس بغداد الثقافية والأدبية آنذاك , والشاعر محمد سعيد الحبوبي فقيه ومجتهد يؤخذ برأيه في الفتوى والاجتهاد وحتم عليه أن يكون في أواخر حياته مجاهدا قارع الانكليز عام 1914 في منطقة (الشعيبة) القريبة من (الناصرية) بعد قيادته لواء المجاهدين العراقيين بدافع الدين الإسلامي إلى جانب العثمانيين , وتوفي بعد تلك المعركة غير المتكافئة , متأثرا بخسارتها مادياً لا روحياً عام 1915م ودفن في النجف في مقبرة عائلته.

صباح الزهيري .



#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة النساء أولًا Ladies First .
- مقامة عابرة .
- مقامة عمي .
- مقامة أياك .
- مقامة الطنطنة و القول الصريح .
- مقامة همسة الثمانين .
- مقامة القلب المتبتل .
- مقامة الشيطنة .
- مقامة نهيض حرة و غراس شريف .
- مقامة التفاهة .
- مقامة العرّافة .
- مقامة السُّهَا .
- مقامة القلب الكسير .
- مقامة اللوكي .
- مقامة البازار .
- مقامة الشيطان يكمن في التفاصيل .
- مقامة الفن للفن ؟
- مقامة ما طار طير .
- مقامة الأستيلاد .
- مقامة البلاد البلاد .


المزيد.....




- أسرار المدن السينمائية التي تفضلها هوليود
- في مئوية -الرواية العظيمة-.. الحلم الأميركي بين الموت والحيا ...
- الغاوون:قصيدة (مش ناوى ترجع مالسفر )الشاعر ايمن خميس بطيخ.مص ...
- الشاعر الفلسطيني مصعب أبو توهة يفوز بجائزة -بوليتزر-
- الثقافة العربية بالترجمات الهندية.. مكتبة كتارا تفتح جسرا جد ...
- ترامب يأمر بفرض رسوم جمركية على الأفلام السينمائية المنتجة خ ...
- إسرائيل: الكنيست يناقش فرض ضريبة 80? على التبرعات الأجنبية ل ...
- أسلك شائكة .. فيلم في واسط يحكي عن بطولات المقاتلين
- هوليوود مصدومة بخطة ترامب للرسوم الجمركية على صناعة السينما ...
- مؤسسة الدوحة للأفلام تعزز حضورها العالمي بـ8 أعمال في مهرجان ...


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة غزال الكرخ .