أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة القلب المتبتل .















المزيد.....

مقامة القلب المتبتل .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8324 - 2025 / 4 / 26 - 11:49
المحور: الادب والفن
    


يخونني النوم , يختبئُ في جيبِ الندم , ويهربُ كلما همستُ له باسمك , وكل شيءٍ فيّ مؤجل حتى دمعتي تنزل بتوقيت الغيم لا بتوقيت الألم , أيها المجهول في الذاكرة , كم مرةً يجب أن أموتَ حتى أفهم أن الحياة لا تقبلُ التأويل ؟ وأنا كلما غرقتُ أكثر , يظهرَ لي وجهٌ من ضوء لا يُشبهك , لكنّه يُشبه الكلمة الأولى حين نطقها الوجودُ قبل أن يولد الصوت , أراك تغادرُ على ظهر طائرٍ من دخان لا وجه له ولا ظلّ , ولا لغة , والوقتُ يذوبُ في فنجان قهوتي , كأنني أحتسي شريطَ العمر حلقةً بعد أخرى , والألمُ يجلسُ قبالتي يحدثني عن نفسه بلغةٍ لا يتقنها إلا الغائبون , وكل شيءٍ يعودُ إلا الطمأنينة , حيث يعلو صراخ القلب : أنتَ لستَ جسدًا يعبر الليل , بل ومضةٌ نسيتها النجوم في جيب السماء , ابتسم لا لأن الألم انتهى , بل لأنني عرفتُ أنني أنا ولستُ أحدًا آخر.

يَا هَذَا الْحَمَامُ , أَلَمْ تَمَلَّ التَّمَرُّغَ فِي الرُّغَامِ؟ يَا هَذَا , أَمَا آنَ لِنَاعُورِكَ الصَّمْتُ ؟ صَبْرُ الْقَطَا , حين لوي عُنُقُ الرَّيْحَانِ , والنبضُ يصعدُ كسلّمٍ من دخانِ الزئبق , لما ذُبْتُ في أول نظرةٍ , لم تكن في عينٍ لم تُخلق حين مرّ بي اسمُك , كالريح في رئة الطين , ولم أعد أعرف وجهي , ولا ظلّي , كلّما لمستُ جلدي انفكّ عني , كأنه ليس لي بل استعارةٌ لرحلة , وظَبْيَةُ طَرْفِي كَنَسَتْ فِي مَرَايَا الْهُجْرَانِ , لَا نِهَايَةَ لِلْحِكَايَةِ , لَا بَدَايَةَ لِلْوِلَايَةِ , الْغُفْرَانُ مَسْرَبُ نَدْمَانِ النِّسْيَانِ , وَالنَّدَمُ سِجْنِي , سَجَّانُهُ عَلَّمَنِي حِكْمَةَ عَجْزِ اللُّغَةِ عَنِ الْعَفْوِ ,فأَتَعَلَّقُ بِخَيْطٍ مِنْ نُورٍ , لَكِنَّهُ مَهْمَا ثَبَتَ , لَا يسْمَعُ مِنِّي آهًا , سَأَبْتَلِعُ مِفْتَاحَ الهم , وَغِلَالَةَ الْإِفْصَاحِ , وأُغْلِقُ نَافِذَةَ الدَّمْعِ وَأَغْفُو, ترى لماذا جعلتَ القلب بابًا ؟ لماذا وضعتَ الكون في قطرة وأنزلتَني لأُضيّعها ؟

يَا لَقَلْبِكَ , جُمُوحُ الطَّرْفِ فِي ذَا الضَّبَابِ , يَا لَقَلْبِكَ , بِلا عِنَاقٍ , غَزَالَةٌ تُطَارِدُهَا أَشْبَاحُ نُعْسٍ بَعِيدًا عَنْ كَنَسِي , أَيُّهَا الْمَعْجُونُ بِالزُّلَالِ , يَا قَدَرِي , لَا أَرَى مِنْكَ غَيْرَ رَمَادٍ كَبَّ فِي وَجْهِ مُطَالِعِي , وَعَلَى وِسَادَاتِ مَضْجَعِي يَتَسَلَّلُ الْأَرَقُ الْغَرِيبُ , يَجُولُ فِي أَرْجَائِيَ , يَخْطِفُ سِرَّ السُّكُونِ , وَيُطَوِّقُنِي , خَلْوَةَ صَبْوَةٍ , يمر قَمَرُ الْغُرْبَةِ دُونَ إِلْقَاءِ التَّحِيَّةِ , ونخلة النَّاصِيَةِ بَكَتْنِي , حِينَ أَنْكَرَنِي الْغَدُ قَبْلَ صِيَاحِ الدِّيكِ , خُذْنِي جَمْرَةً لِكَنُونِكَ , قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ الشِّتَاءُ , يَأْخُذَ مَعَهُ أَحْضَانًا شَبَّتْ بَهْجَتُهَا فِي أَرْكَانِ بَرِّيَّةِ شُرْفَةِ قَلْبِي , فَكَانَتْ جَمْرَةَ قَيْظٍ فِي جَيْبِي , انزِع جُفُونِي , لَا هَاجِسَ يُفْزِعُنِي , لَا كَابُوسَ يُلْبِسُنِي عَارَ الْكَشْفِ عَنْ أَسْرَارِ الْحَرْفِ , فكِّ مَغَالِيقِ الطَّلَاسِمِ , وَدعني فِي الْعَرَاءِ أُمَارِسُ صَلَاةَ الْخَوْفِ .

ها انظرْ إليه , كأنه يتدلّى من كوكبٍ بعيد , يعزف على أوتارِ الريح في مدارٍ مُعطّل , لا تُخبره بشيء , فصوتُك يتحللُ في أذنيه كقطيعِ نملٍ من الضوء , هو اجتياحٌ صامت فوضويّ , يملأُ الغرفةَ بطنينِ أعضائه المنفلتة , وجُزيئاته تتبخّرُ في كأسٍ من نبيذٍ بطعم النّدم , رمادهُ يرقصُ عاليا في فراغِ الليل , مَنْ قَالَ إِنَّ مِحْبَرَةَ الْغَوَايَةِ نَضَبَتْ ؟ بُسْتَانٌ يُوَزِّعُ رَغِيفَ الدُّعَاءِ , هِلَالُ إِجَابَةٍ مَا زَالَ فِي سَمَاءِ السَّمَادِ , فَانُوسُ اللهِ يَتَدَلَّى , عُودُهُ أَصَابَهُ مِنْ سُرَيَانِ النَّارِ فِي الْغَضَى , كُلُّ الصَّحْرَاءِ , للصُّعلْوك طَرِيقٌ , أُهْدِي الْمِحْنَةَ وَجَسًّا , أَسْتَلُّ الطَّعْنَةَ مِنْ خَاصِرَتِي , مِنْ مَضَارِبِ الْهَزِيمَةِ لَوْحَةُ الْعُزْلَةِ , أَسْرِي لَيْلًا , لَنْ أُعَرِّجَ عَلَى شرَفاَتِهَا , مَهْمَا اشْتَدَّ بِيَ التَّوْقُ , يَحْرِمُنِي الْوَسَنُ , وخَرَسُ الْقَرَنْفُلِ لَا يَقْتُلُهُ الظَّمَأُ , يَمُوتُ , فَلَمْ يَتَهَادَهُ الْعُشَّاقُ لَا فِي قَيْظٍ , وَلَا فِي فَيْضٍ .

ها هو لك , هو طيفٌ لا يُرى , عيناهُ أسرابُ طيورٍ مهاجرة تبحثُ عن مجرّةٍ تنامُ فيها الموسيقى وتحلم , أصابعه فراشاتٌ طفوليّة تُشعلُ الوتر ثم تهربُ من وهجِ العزف , إنه شرارةٌ مُرتويةٌ من حنينِ الجمر , يشتعلُ ولا يلتفت , تَتَهَشَّمُ الْكَلِمَاتُ , تَتَشَظَّى الْمَعَانِي بَيْنَ أَرْكَانِي , أَتَصَفَّحُ وَجْهَ مَحْبَسِي مُتَمَنِّعًا عَنْ غُفْرَانٍ , بِوَاسِطَةِ الْكِتَابِ , وَخَوَانِ الْعِتَابِ , زَادُهُ الْأَنْفَاسُ , وَالْمُعَوَّذَاتُ , تَذْبُلُ أَصَابِعِي , وَالْخُزَامَى , وَالْأَحْزَانُ , وَالْأَقْحُوَانُ , عَبِيرٌ يَسْرِي فِي بَدَنِي , نَافِلَةُ نُفُورٍ, يَتَلَعْثَمُ التَّهَجُّدُ فِي مَآقِيَّ , أَتَسَاءَلُ عَنْ نَوْبَةِ النَّايِ , تَخْرُجُ آنَاتُهُ الْمَجْرُوحَةُ مِنْ صَدْرِي , تَقْطِفُ مَوَّالَ نَبْضِي , خَمْرَةَ وَيْلٍ .

أَيْنَ كُتُبُ الرَّحْمَةِ ؟ دَمِي يُكَابِدُ طَعْنَاتِ رَوْعَةٍ كَابِيَةٍ فِي الْهَاوِيَةِ , جُرْحٌ عَلَى شَفَا الْعُيُونِ : لِمَنِ الْمِلْحُ؟ وَكُحْلُ النَّارِ؟ أَقْرَأُ شَفْرَةَ هَمْسِ الشُّرُفَاتِ , مِنْ رَذَاذِ النُّورِ , يُوَسْوِسُ لِفَجْرِي , يُشِي لِشُبَّاكِ الْبَوْحِ بِالْعَلَامَاتِ , قَطَرَاتُ نَدًى تُضْمِرُ أَسْرَارَ النُّجُومِ , يَشْرَبُهَا الْقَدَاحُ , يُبِيحُهَا زَقْزَقَةٌ , وَشَهَقَاتٌ , وَوَهَجٌ , يَنْبَعِثُ الْبَهَاءُ فِيَّ , يَقُولُ جَسَدُ الْوَرْدِ , يَهْطُلُ التِّينُ , وَتَهْدِلُ الْعَنَادِلُ , فِي قَلْبِي بَرْدُ الزَّيْتُونِ , يَسْلَخُ الرَّاقِي , تَجْتَاحُ الرِّيحُ أَجْنِحَةَ الْفَرَاشِ , نَوَاعِمُ كَانَتْ تَبَارِيحُ أَشْجَانِي , قَنَادِيلُ صَبْرِي , أُغَادِرُ لَهْفَةَ حَيْرَتِي , أَسْقُطُ فِي جُبِّ الْهُيَامِ , بَارِدَةٌ دَهْشَةُ الْعَصَافِيرِ , دَافِئَةٌ رَوْعَةُ التِّينِ, قَاسٍ , رَاقَتْ عِطْرَك , جُرْحٌ تَبَتَّلَ , وَأَذَابَ يَاسَمِينُكِ ليبطش بوَقَارِي , والشَّوْقُ سَرَابٌ يُقِيمُ الْحَدَّ فِي بَادِيَةِ النَّشْوَةِ , عَلَى سُمْرَةِ الْعَطَشِ , بَارِعَ حُسْنُك فِي تَقْشِيرِ صَدَى نِدَائِي , وَنَتْفِ رُمُوشِ وُجْدِي , يَشْتُلُ نَوَائِبَ الْغِيَابِ فِي الْبَابِ .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الشيطنة .
- مقامة نهيض حرة و غراس شريف .
- مقامة التفاهة .
- مقامة العرّافة .
- مقامة السُّهَا .
- مقامة القلب الكسير .
- مقامة اللوكي .
- مقامة البازار .
- مقامة الشيطان يكمن في التفاصيل .
- مقامة الفن للفن ؟
- مقامة ما طار طير .
- مقامة الأستيلاد .
- مقامة البلاد البلاد .
- مقامة المربك و المرتبك .
- مقامة اطاعة المسؤول .
- مقامة حُراس التناحة .
- مقامة سُكرةعراقية .
- مقامة ترانيم المواويل
- مقامة رفيق الحويجة .
- مقامة الأنبهار .


المزيد.....




- 5 منتجات تقنية موجودة فعلًا لكنها تبدو كأنها من أفلام الخيال ...
- مع استمرار الحرب في أوكرانيا... هل تكسر روسيا الجليد مع أورو ...
- فرقة موسيقية بريطانية تقود حملة تضامن مع الفنانين المناهضين ...
- مسرح تمارا السعدي يسلّط الضوء على أطفال الرعاية الاجتماعية ف ...
- الأكاديمي العراقي عبد الصاحب مهدي علي: ترجمة الشعر إبداع يوط ...
- دراسة تنصح بعزف الموسيقى للوقاية من الشيخوخة المعرفية.. كيف؟ ...
- كتّاب وأدباء يوثقون الإبادة في غزة بطريقتهم الخاصة
- حين أكل الهولنديون -رئيس وزرائهم-.. القصة المروّعة ليوهان دي ...
- تكريم الإبداع والنهضة الثقافية بإطلاق جائزة الشيخ يوسف بن عي ...
- أهمية الروايات والوثائق التاريخية في حفظ الموروث المقدسي


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة القلب المتبتل .