أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الفن للفن ؟















المزيد.....

مقامة الفن للفن ؟


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8314 - 2025 / 4 / 16 - 10:32
المحور: الادب والفن
    


يطالبنا محمود درويش بأن (( لا نكتب التاريخ شعراً , فالسلاح هو المؤرخ )) , والمؤرخ كما يقول درويش (( لا يُصاب برعشة الحمّى إذا سمّى ضحاياه )) , كما أنه (( لايصغي إلى سردية الجيتار)) , بمعنى أنه لا يعبأ كثيراً بالجماليات , وبما تمليه على الضمير من وازع أخلاقي جوّاني , يكون من شأنه أن يوقف العنيف والبطش الذي يسم التاريخ الإنساني , إن التاريخ لا يعترف بالذكاء والعبقرية إلا للقوي وحسب , ولطالما نُظر إلى الفنون والأدب بوصفهما هامشاً في متن التاريخ , ولا أقصد بالهامشية هنا من حيث القيمة والمعنى التي تضفيهما على الإنسان , وإنما من حيث قدرتهما على مواجهة السلطة وتغيير مجرى التاريخ , ولكنا نرى انه لطالما كان الفن مرآة تعكس روح العصر وقضاياه , ومساحة للتعبير عن الجمال والحقيقة , وعلى مر التاريخ , تباينت النظرة إلى الغاية من هذا الإبداع , وبرزت مدرستان فكريتان رئيسيتان تتنازعان هذه الرؤية : مدرسة (( الفن للفن )) , ومدرسة (( الفن للشعب )) , وتمثل هاتان المدرستان قطبين متناقضين في فهم وظيفة الفن ومسؤولية الفنان , وتتركان بصماتهما الواضحة على الأعمال الفنية وتلقيها.

ترى مدرسة (( الفن للفن )) ان الفن فعالية انسانية ذاتية لها قوانينها الذاتية التي لا ترتبط باي قانون اجتماعي او اخلاقي , فالفن عند هؤلاء يكفي نفسه بنفسه , ولا هدف له الا ذاته , اذ ليس للفن غاية او وظيفة اجتماعية او اخلاقية , ووظيفته الوحيدة ( ان كانت له وظيفة ) هي اثارة الجمال , وأن القيمة الحقيقية للعمل الفني تكمن في ذاته , في جماليته وشكله ومضمونه الداخلي , بمعزل عن أي غاية نفعية أو اجتماعية أو سياسية , ويعتبر أتباع هذه المدرسة أن الفن يجب أن يكون مستقلاً بذاته , هدفًا في حد ذاته , يسعى إلى تحقيق الكمال الجمالي والتعبير عن رؤية الفنان الداخلية دون قيود أو مؤثرات خارجية , يركزون على التقنية العالية , والابتكار الشكلي , والتجريب الجمالي , وقد يبتعدون عن الموضوعات الواقعية أو القضايا الاجتماعية المباشرة , فبالنسبة لهم , المتعة الجمالية الراقية هي الهدف الأسمى للفن , وتذوقه يتطلب حسًا فنيًا رفيعًا وقدرة على تقدير الجمال المجرد.

تنطلق مدرسة (( الفن للشعب )) من إيمان عميق بأن الفن يجب أن يكون له دور فاعل في المجتمع , وأن يخدم قضايا الناس ويعبر عن آمالهم وآلامهم , وترى هذه المدرسة أن الفنان مسؤول اجتماعيًا , وأن إبداعه يجب أن يسهم في التوعية والتغيير والارتقاء بالمجتمع , ويركز أتباع هذه المدرسة على الموضوعات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تمس حياة عامة الناس , ويسعون إلى تقديم أعمال فنية يسهل فهمها والتفاعل معها من قبل أوسع شريحة من الجمهور , ويعتبرون أن الفن يجب أن يكون أداة للتعبير عن الهوية الجماعية , ونقد الظلم , والدعوة إلى العدالة والمساواة.

يمكن للفن أن يساعد في بناء الوعي ورفع المستوى التعليمي في المجتمع , وذلك من خلال المعارض الفنية والحفلات الموسيقية والعروض السينمائية , بحيث يمكن للأشخاص أن يتعرفوا على ثقافات أخرى وتجارب حياة مختلفة , مما يزيد من الفهم ويقلل من التحامل والتشدد , بالإضافة إلى ذلك , يمكن أن يكون الفن وسيلة لتعزيز الإلهام والأمل , وهناك بالطبع فن راقٍ وفن مبتذل , المعيارية قيمة مهمة في حياة المجتمعات لكي تحاسب نفسها وتنتقد وتُحسِّن وتطمح , ولكن هل هما خصمان متحاربان يجب على أحدهما أن يقضي على الآخر؟ أم أنهما ثمرتان لشجرة واحدة؟ ولا بد من فهم الفارق بين الفن بوصفه قيمة مطلقة , وبين صناعة الفن أو زراعته , وإن أفضل طريق للحصول على فن القمة , هو إتاحة الظروف لتوسع القاعدة , وحريتها في إنتاج ما تشاء , السماد العضوي لا يؤكل , نعم , ولكنه عامل أساسي في طرح ثمار جيدة , لو حاولت أن تروي الفن بمياه معدنية فستفلس وتقضي على القطاع كله , لا يرتقي الفن بديمومة إلا بالانتخاب الطبيعي , برواج تجارة الفنون بشكل عام , وبلغة الاقتصاد : بالمشاريع المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر , وكلما اتسع هامش الربح , واتسعت قاعدة المنافسة , سعى فنانون إلى تمييز أنفسهم , ويكون لديهم رأسمال يمكِّنهم من التجريب من دون خوف من الخسارة , أما التضييق الأخلاقي أو الطبقي على فن الشارع , فيؤدي إلى انحسار تجارته وتقلص الأرباح منه , وهذا يضر الفن الراقي قبل غيره , لأنه لن يستطيع وحده تحمل أعباء صناعته.

يقول أمبرتو إيكو: (( ما لا يمكن تنظيره , ينبغي سرده )) , ففي الحالات التي تجد فيها جماعة ما نفسها تحت تهديد خطر وجودي يتربص بها ويستهدف هويتها وتاريخها ويضع قيمها ومُثُلها موضع تساؤل , تبرز كافة أشكال الفنون والسرد الأدبي بوصفهما الأدوات اللازمة والضرورية لتجذير الهوية وترسيخها في وعي ووجدان الناس باعتبارها هويات مقاومة وتحدي لهذا الخطر, وللسرد الأدبي والفنون قدرة هائلة في توسيع خيال الشعوب وإلهابها بقيم التضحية والفداء , كما أن لها قدرة عظيمة في إعادة تصور الجماعة لنفسها وتاريخها بوصفها أمة خالدة لها تاريخ حيوي وحضارة مجيدة , خلقت رموزاً كانوا منارات في التاريخ الإنساني.

ينظر الفكر ألأشتراكي الى الفن كجزء من البنية الفوقية (التي تشمل القانون والسياسة والدين والفن والفلسفة) نابعة من البنية التحتية الاقتصادية للمجتمع , وبالتالي , يمكن فهم أشكال الفن وأنماطه السائدة في فترة تاريخية معينة على أنها تعكس العلاقات الاقتصادية والاجتماعية السائدة في تلك الفترة , ويمكن تطبيق مفهوم الاغتراب الذي طرحته ألأفكار اليسارية على إنتاج واستهلاك الفن في ظل الرأسمالية , فقد يُنظر إلى الفنان على أنه مغترب عن عمله إذا كان يخضع لضغوط السوق ومتطلباته , وقد يتحول العمل الفني إلى سلعة تخضع لقوانين العرض والطلب , مما يؤدي إلى (( تشييئه )) وفقدان قيمته الجوهرية , كأداة أيديولوجية , أذ يمكن أن يُستخدم الفن لتعزيز الأيديولوجيات السائدة في المجتمع أو لتحديها , ويمكن للطبقة الحاكمة أن تستخدم الفن لترسيخ سلطتها وقيمها , بينما يمكن للفنانين ذوي الوعي الطبقي استخدام فنهم لكشف التناقضات الاجتماعية والدعوة إلى التغيير.
ركز الفكر الرأسمالي على الاقتصاد وسوق الأيدي الحرة , لكن بعض أفكاره يمكن أن تُسْتَخْلَص منها رؤى حول الفن من منظور اقتصادي واجتماعي , ويمكن ربط مفهوم آدم سميث عن تقسيم العمل وتخصصه بظهور حرف ومهارات فنية متخصصة , قد يؤدي التخصص إلى زيادة الكفاءة والإنتاج في الصناعات الفنية , وعلى الرغم من أن سميث ركز على القيمة التبادلية للسلع , يمكن التمييز بين القيمة النفعية للسلع والقيمة الجمالية للأعمال الفنية , قد لا تخضع القيمة الجمالية لقوانين السوق بنفس الطريقة التي تخضع لها القيمة النفعية , ويمكن ربط أفكار سميث حول التفاوت الاجتماعي وتأثير الثروة على السلوك بالذوق الفني , قد تتبنى الطبقات الاجتماعية المختلفة أذواقًا فنية مختلفة , وقد يلعب التقليد والمحاكاة دورًا في تشكيل هذه الأذواق , ومن منطلق دفاعه عن عدم تدخل الحكومة في الاقتصاد , يمكن أن يُستنتج أن سميث قد يفضل ترك الفنون تزدهر بحرية دون تدخل كبير من الدولة , باستثناء ربما بعض أشكال الدعم الأساسية.

يقول أحمد شوقي : (( قيل ما الفن قلت كل جميل ملأ النفس حسنه كان فنا , وإذا الفن لم يكن لك طبعا كنت في تركه إلى الرشد أدنى )) , ويقول أميديو موديلياني : (( إن ما ابحث عنه في فني ليس ما هو حقيقي أو غير حقيقي , بل اللاوعي , هو غموض الجنس البشري )) , أما سيزار كروز فقد كتب : ((على الفنان أن يُهدئ المٌثار.. وٌيثير الهادئ )) , ويقول ناعوم تشومسكي : (( من استراتيجيات التحكّم بالشعوب , تشجيع الشعب على استحسان الرداءة والفن الهابط )) , وتقول غادة السمان : ((الفن وحده يٌنقذنا من الجنون )) , وأخيرا قال فريدريك نيتشه : (( لقد اخترعنا الفن لكي لا نموت من الحقيقة )) .

صباح الزهيري .







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة ما طار طير .
- مقامة الأستيلاد .
- مقامة البلاد البلاد .
- مقامة المربك و المرتبك .
- مقامة اطاعة المسؤول .
- مقامة حُراس التناحة .
- مقامة سُكرةعراقية .
- مقامة ترانيم المواويل
- مقامة رفيق الحويجة .
- مقامة الأنبهار .
- مقامة السمراوتين .
- مقامة الدرويش .
- مقامة فرحة العيد ؟
- مقامة زئير المعري .
- مقامة كرسي العراق .
- مقامة العجمي و الأعجمي .
- مقامة جنود العسل .
- مقامة المرورة .
- مقامة الصلع .
- مقامة أحلام .


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الفن للفن ؟