صباح حزمي الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 8303 - 2025 / 4 / 5 - 09:57
المحور:
الادب والفن
مقامة السمراوتين :
يشيد عبد الودود غناوي بما كتبه الدكتور الحمداني عن مثقفات بعقوبة , ثم يعيد تذكيرنا بأبنتي عمته ايقونتي ألأدب البعقوبي , القاصة ((فائزه محمد علي الفدعم)) , واختها الشاعرة ((عاليه محمد علي الفدعم)) , ويطلق عليهما لقب السمراوتين , والأشياء السمراء فاتنة دوماً , رائحتها زكية كما القهوة والشوكولاتة , تعيدان للمزاج المتراقص الاستكنان , وقد قالوا عن السمراء : ((سمراء تكحلت فأخفت وجود القمر, فمن لا يعشق السمر لا زال عن جمال الدنيا أعمي )) , و (( سمراءُ غنّاها الجمالُ ترنّماً ،، خلقَ الجمالُ على الجميلةِ أسمر )) .
يقول الكفوي في (( الكليات)) عن البراعة : (( كمالُ الفضلِ , والسرورِ, وحُسنُ الفصاحةِ الخارجةِ عن نظرائها )) , تلك هي صفات ماأنتجته السمراوتان من شعر و سرد , واللغةُ لا تَتَجَسَّد حُلْمًا وواقعًا إلا في الأدب , باعتباره الشكل الإبداعي المُعَبِّر عَن عواطف الإنسان , والتَّعبير الفَنِّي المُظْهِر لأفكارِه وهَوَاجِسِه , وعندما يولد النص من رحم معاناة الكاتب والشاعر , فإنه غالباً ما يأتي إبداعي , ومكتضا بالدلالات والصور التعبيرية , التي تعكس إرهاصات حس اللحظة , ذلك مانلمسه في نتاجات مبدعتينا السمراويتين .
نبدأ بقاصتنا المبدعة , ونقول ان الزمن هو الخيط الذي ينشر عليه الكاتب احداث حكايته , بينما المكان هو البساط الذي تتحرك فوقه الشخصيات , وتعتبر الافكار المرتبطة بالذكريات اساس في تحويل المشاريع الابداعية من مجرد موجة هائلة تدور في الاخيلة إلى مادة محسوسة قابلة للقراءة أو المشاهدة , فماذا عسانا أن نقول ونحن نراها تنفخ في اوراق الذكريات , لتحيل صفارها للون البهجة والحياة , وكانها ولدت من رحم ربيع الابداع , فالكتابة عندها ملاذ وملجأ , مكان للبوح الآمن , ومرآة تنعكس عليها ذات الكاتبة , ومشاعرها , وأفكارها , وكتابتها تخرج ما بداخلنا من طاقات , وتحتمل حزننا وهمومنا , وتشاهدنا ونحن نتخيل معها لحظات جميلة مرت , وترسمها بسن القلم للتحرر والتمتع بالفضاء الرحب , تلك القدرة على قول الكثير باستعمال القليل من الكلمات , التي يتولد منها نص قصصي صغير يحفز مخيلة القارئ وتفكيره ,ويثير مشاعره وعواطفه لتشكل جوهر فن الحكاية التي تتطلب موهبة أصيلة , ومهارة فنية عالية.
ان سردية قاصتنا الواقعيةُ لَيْسَتْ عمليةَ رَش للسُّكَّرِ على الواقع , وإنَّما هي منظومة لِجَعْلِ الأحلامِ مَرئيةً في مَرايا الحياةِ اليوميةِ , وخرائطِ النَّفْسِ الإنسانية , مِن أجْلِ تَمريرِ تجربتها الإبداعية عبر الواقعِ الجميل , مع تحقيقِ للتوازنِ بَين الألَمِ والأمَلِ , ذلك هو التناغم البارع بين السرد والحدث , وكلمات الذكريات تحمل شحنة عميقة ومكثّفة من الدلالات التي تنقل القارئ إلى عالم يقترب ليبتعد , ويبتعد ليقترب , كأنه منسوج من الدانتيل , صورا شفافة ورقيقة , تنساب مثل ماءٍ عذبٍ يجري في ثنايا الروح , تعكس ذاكرة متوقّدة لايفوتها الحنين , الذي يتكلّم بلهجة طفل لعالم لن يعود, ولغة السرد الجميل تصطاد من الصور والخواطر ما يدهشنا, و يتناغم بين الألم و الجمال , كل معنى يعزز من قوة النص , وجاذبيته الأدبية التي تخلق جوا استذكاريا مؤثرا ومدهشا, وتلقي بظلال جميلة على قوة كل هذه المشاعر .
ننثني فنتوجه لسمراء عبد الودود الثانية , الشاعرة التي استطاعت ان تخطّ لها طريقاً واضحاً, وتتحدّى كل الصعاب , وترسم لها هويّة واضحة الملامح , فهي من خلال قصائدها تبعث اشارات , أشبه بالرسائل المتنوعة , التي حملت أسلوباً شعرياً اتسم بالبلاغة , التي استطاعت من خلالها أن تتوجه بها إلى أصحاب الذائقة الشعرية , في مفردات عذبة , تخاطب الوجدان , ما جعل قصائدها ذات لغة شعرية قوية , اتسمت بالحداثية , كعادة الشاعرة في أعمالها , التي تحمل لغتها شحنات ذات دلالة عميقة , تستطيع من خلالها الغوص في مستويات من عمق القول , على نحو ما تعكسه تجربتها الشعرية , وبلوغها لمستوى راقٍ من الإبداع ,تخييلا وتصويرا وإيحاء , وغالباً ما تستخدم الرمز في تجربتها الشعرية في محاولة منها لإيصال المعنى الذي تودّ إيصاله إلى المتلقي , وذلك من خلال مفردة أو عبارة أو شخصية أو حتى مكان ما , فكل رمز له دلالاته التي من خلاله تجعل للنصّ الشعري مساحة واسعة من التأويل , وتعدد القراءات .
أنّ القصائد التي تكتبها المرأة الشاعرة , تبقى معبّرة بصدق عن اللواعج والالام والفرح والشقاء والحرمان والسعادة , تبثّ فيها شجونها وخلجات ما انتاب فؤادها , في محاولة منها كي تزيح عن كاهلها ثقل الهموم وسطوة اللوعة , فهي تحاول أن تجسد في قصائدها آلامها ومعاناتها في بناء جملي متدفق , من أجل أن تمنح المتلقي دهشة عظيمة يروّي ذائقته, وتحرّك الاحساس لديه , وتظلّ زاخرة بالمشاعر , والاحاسيس العذبة, ومتوهّجة بفيض من الحنان , نتيجة الى طبيعتها وكونها شديدة التأثر , وتمتاز برقّة روحها , فينعكس كلّ هذا على مفرداتها , وعلى الجوّ العام لقصائدها , فتصبح المفردة تمتلك شخصية , ورقّة وعذوبة, وممتلئة بالخيال , وبجرسها الهامس, وتأثيرها في نفس المتلقي , فتمتاز بالصفاء والعمق , والرمزية المحببة, والخيال الخصب , والمجازات , ومبتعدة جدا عن المباشرة والسطحية , فهي عبارة عن تشظّي , وتفجير , واستنهاض ما في اللغة من سطوة , كل هذا تستخدمه بطريقة تدعو للوقوف عندها , والتأمل , واعادة قراءتها لأكثر من مرّة , لتعبّر عن واقعها , وعن همومها وهموم النساء في كل مكان , رغم مشاغلها الحياتية, والتزاماتها الكثيرة.
أخيرا ولست آخرا , شكرا لسمراوتي بعقوبة المتدفقتين عطراً وبهجة , لتتناثر الوان حروفهما من الجوانح الظليلة , لتصنع عرس الضوء والفرح فوق أفئدتنا المتطلعة الى المزيد من الغوص في ألأعماق والتأمل في الغد الواعد الجميل .
صباح الزهيري .
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟