أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة عمي .














المزيد.....

مقامة عمي .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8331 - 2025 / 5 / 3 - 17:45
المحور: الادب والفن
    


مقامة عمي :

طلب مني أحد الأصدقاء أن أكتب حادثة مر بها , فاجأته اليوم حين نادته (( عمي )) , كان مكانها شغاف القلب و تلافيف الروح و حنايا الوجدان , كان يسمع صوتها ليس بالكلمات , بل بما بين الكلمات , تتسرب اليه بين الشقوق الخفية في الروح , كضوءٍ خجولٍ يعبر زجاج نافذةٍ في مساء شتوي , يراها ليس كما تُرى الأشياء ,
بل كما يُرى الحلم قبل أن يعلن انتحاره على وسادة الواقع , صدمته بكلمة ((عمي )) , فهربت الأشياء من معناها , وأصبح البحر أبعد ,
والسماء أعمق ,
والأرض كأنها تبتلع نفسها في دوامة صمت , 
حتى الريح التي تحمل أنفاس العالم ,
توقفت أمام هول الكلمة , أرتعشت ثم أختفت .

ما أوجعها كلمة (( عمي )) عليه , لم تكن عيناها مجرد نافذتين على العالم ,
بل هما عالمه نفسه , 
خريطةٌ مرسومة بلون الغسق ,
حيث يلتقي الليل والنهار في رقصةٍ أزلية , كأنها لحنٌ لم يُعزف بعد ,
أو سرٌ دفينٌ نسي الزمن أن يكتبه , كل شيء فيها يحمل تناقضًا مدهشًا ,
كالنار التي تُدفئ وتُحرق , 
كالزهرة التي تعيش في قلب صخرة ,
كالصوت الذي يملأ الصمت , لم يكن يسمع كلماتها حين تتحدث ,
بل يسمع الفجوات بين الحروف ,
ذلك الفراغ الذي يبتلعه , ويعيد تشكيل وجهه بألف وجهٍ لا يشبهه , كأنه يذوب فيها , ولا يعود هو , بل لا يعود أحدًا .

رحماه من كلمة (( عمي )) , حين قالتها تلك التي تشبه الغياب ,
وتشبه الحضور, 
وتشبه كليهما في آنٍ واحد , فهي القصيدة التي كتبها قلبٌ لم يتعلم القراءة , 
والغيمة التي تمطر فوق صحراءٍ نبتت فيها أشجارالصمت , كل ما كان يطلبه ان تبقى في الشغاف , لم يطلب أكثر , ان تكون تلك النقطة بين السطرين , 
ذلك البياض الذي يفصل بين الكلمات ,
ذلك المعنى الذي لا يُقال , لكن نصل (( عمي )) ذكره ب (( بروتس )) , وأشعره بالطعنة حتى الأعماق .

حين قرا كلمة (( عمي )) , شعر كأنها تكتبه بأبجديةٍ لا يعرفها ,
حروفها ليست من ضوءٍ ولا من ظلال ,
بل من شيءٍ أبعد , 
شيءٍ يُشبه صرخة ولادةٍ لم تُسمع ,
أو أغنيةً نسيتها الطيور في أعشاشٍ غارقةٍ في النسيان , وهو الذي كان حين يراها , يشعر بأن الكون نفسه يتعلم من ملامحها , أن النجوم ترتب مواقعها لتقترب من عينيها , وأن الريح تغيّر اتجاهها , 
كما لو أن حضورها قانونٌ جديدٌ للفيزياء ,
لا يفسر إلا بالدهشة , لقد كانت هي الحافة , 
حافة الشيء الذي لا اسم له , 
كأنها لحظة ما قبل الانفجار العظيم ,
حيث لا وقت , ولا مكان , ولا احتمال ,
مجرد فكرةٍ تسبح في العدم ,
ومجرد عدمٍ يتشبث بالفكرة .

في رواية الجريمة و العقاب , يقول فيودور دوستويفسكي على لسان بطله : (( أتدري ما هو الحنين ؟ الحنين هو حين لا يستطيع الجسد أن يذهب إلى حيث تذهب الروح )) , فكيف لها أن تكون كل هذا ؟ (( عمي ؟ ))
, كيف تحولت من حلمٍ هشٍّ , إلى يقينٍ صلب , 
ثم تعود رمادًا ناعمًا يتسلل بين الأصابع ؟
علها تبقى كذلك , سرابًا لا يُدرك ,
ولكنه يروي عطش الروح ,
لغزًا لا يُحل , 
لكن وجوده وحده يبرر السؤال .

أتعرفين ماذا تعني كلمة (( عمي )) ؟ أنه التفريغ المؤدب , حين تُكتب نهاية العلاقة بلغة الامتنان لا بالاعتراف , هو ظاهرة نفسية يتبعها بعض الأشخاص , خصوصًا من يملكون نمط التعلّق المتجنّب (Avoidant Attachment) , حيث لا ينهون العلاقة بصدام أو صمت مفاجئ , بل عبر رسالة دافئة ظاهرها الامتنان وباطنها الوداع , هذه الرسائل غالبًا ما تتضمن : (( أقدّر وجودك الدائم في حياتي , ساعدتني في مراحل لم أكن أفهم فيها نفسي , لا أعرف لماذا أكتب هذا الآن , لكنني شعرت أن عليّ أن أفعل , عمي , أخي )) , كلمات تبدو بريئة , لكنها في الحقيقة تُغلق الباب بهدوء , دون أن تعلن ذلك بصراحة.

صباح الزهيري .







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة أياك .
- مقامة الطنطنة و القول الصريح .
- مقامة همسة الثمانين .
- مقامة القلب المتبتل .
- مقامة الشيطنة .
- مقامة نهيض حرة و غراس شريف .
- مقامة التفاهة .
- مقامة العرّافة .
- مقامة السُّهَا .
- مقامة القلب الكسير .
- مقامة اللوكي .
- مقامة البازار .
- مقامة الشيطان يكمن في التفاصيل .
- مقامة الفن للفن ؟
- مقامة ما طار طير .
- مقامة الأستيلاد .
- مقامة البلاد البلاد .
- مقامة المربك و المرتبك .
- مقامة اطاعة المسؤول .
- مقامة حُراس التناحة .


المزيد.....




- الجزيرة 360 تشارك في مهرجان شفيلد للفيلم الوثائقي بـ-غزة.. ص ...
- النيابة تطالب بمضاعفة عقوبة الكاتب بوعلام صنصال إلى عشر سنوا ...
- دعوات من فنانين عرب لأمن قطر واستقرار المنطقة
- -الهجوم الإيراني على قاعدة العُديد مسرحية استعراضية- - مقال ...
- ميادة الحناوي وأصالة في مهرجان -جرش للثقافة والفنون-.. الإعل ...
- صدر حديثا : كتاب إبداعات منداوية 13
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...
- ميسلون فاخر.. روائية عراقية تُنقّب عن الهوية في عوالم الغربة ...
- مركز الاتصال الحكومي: وزارة الثقافة تُعزّز الهوية الوطنية وت ...
- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة عمي .