صباح حزمي الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 8338 - 2025 / 5 / 10 - 18:52
المحور:
الادب والفن
مقامة ضياع الزمن :
(( لقطة : الاضاءة المستمرة كما العتمة المستمرة قد يفقدان الانسان الاحساس بالزمن )) .
يا له من اقتباس , فعندما يتوقف الزمن , أثر الضوء والعتمة الأبديين , الإضاءة المستمرة والعتمة المستمرة وفقدان الإحساس بالزمن , لننطلق للتفكير في طبيعة الزمن وتجربتنا له , فما هو الزمن حقًا ؟ كيف ندركه ونشعر بمروره؟ ما الذي يحدث لإدراكنا للزمن عندما تتلاشى العلامات الطبيعية التي نستدل بها عليه؟ وكيف أن التغيرات والتباينات في محيطنا , مثل تعاقب الليل والنهار, والفصول , والتغيرات في الإضاءة , تلعب دورًا حاسمًا في وعينا بالزمن ,فلملاحظة تأثير الإضاءة المستمرة , تخيل سيناريو يعيش فيه الإنسان في بيئة مضاءة باستمرار دون أي دورة ليلية , كيف سيؤثر ذلك على ساعته البيولوجية ؟ وكيف أن أجسامنا مهيأة لدورة النوم والاستيقاظ , وأن الإضاءة المستمرة قد تعطل هذه الدورة وتؤدي إلى اضطرابات في النوم والمزاج والصحة العامة , ولا نستبعد فكرة فقدان العلامات التي تميز مرور اليوم , مثل شروق الشمس وغروبها , وكيف يمكن أن يؤدي ذلك إلى شعور بالضياع وعدم اليقين بشأن الوقت , وكذلك تأثير العتمة المستمرة , تخيل العيش في ظلام دائم , كيف سيؤثر ذلك على الحواس الأخرى ؟ هل ستتطور بشكل مختلف لتعويض نقص البصر؟ وما هو التأثير النفسي للعتمة المستمرة , مثل الشعور بالعزلة والخوف والاكتئاب , وكيف أن غياب الضوء يحرمنا من العديد من الإشارات البصرية التي نعتمد عليها في فهم العالم من حولنا وتحديد موقعنا في الزمان والمكان.
فقدان (( الإحساس بالزمن )) , أو مايسمى (( ضياع الزمن )) , أو (( العمى الزمني )) ,ظاهرة لافتة , انتشرت مؤخرًا في كثير من المجتمعات على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تعبر عن شعور العديد من الأشخاص بفقدان الإحساس بالزمن , وأشاروا إلى أن العزلة بسبب التغيرات الكبيرة في الروتين اليومي , قد أسهمت في هذا الشعور الضائع بالزمن , ووصف الخبراء هذه الظاهرة بأنها (( العمى الزمني )) , وهي حالة معرفية تتسبب في صعوبة إدراك وإدارة الوقت , مما يؤدي إلى إحساس بأن الأيام والأسابيع تمر بسرعة كبيرة , مؤكدين أن هذا الشعور تفاقم مع الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي , حيث يجد الشخص نفسه غارقًا في التطبيقات لفترات طويلة دون أن يلاحظ مرور الوقت , وأضافوا أن (( العمى الزمني )) , قد يؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية , ويعيق الالتزام بالمواعيد , ويؤدي إلى السهر المفرط , وأضافت أن الحل لهذه المشكلة يكمن في وضع خطة لحياة منظمة , مع ممارسة الهوايات والتركيز على إعادة الشعور بالزمن وتقدير اللحظات التي يعيشها الفرد.
تقود حالات (الإضاءة المستمرة والعتمة المستمرة) الى فكرة فقدان الإحساس بالزمن , وأن غياب التباين والتغيير يمكن أن يجعل الوقت يبدو ثابتًا أو غير محسوس , مثل الأشخاص الذين يعيشون في بيئات معزولة أو يعملون في نوبات عمل طويلة دون التعرض للضوء الطبيعي , وكيف يصفون تجربتهم مع إدراك الوقت , وكيف أن الإحساس بالزمن متجذر في إدراكنا للتغيير والحركة , وعندما يتوقف هذا التغيير, يبدأ إدراكنا للزمن في التلاشي , ولو تأملنا في المعنى الأعمق للزمن في حياتنا , هل هو مجرد قياس فلكي , أم أنه تجربة إنسانية ذاتي ؟ سنجد كيف أن إحساسنا بالزمن يرتبط بالذاكرة والتوقع والأمل , وكيف يمكن أن يؤثر فقدان هذا الإحساس على هذه الجوانب من تجربتنا ؟ لنستكشف فكرة أن التباين هو جوهر الإدراك , وبدون الاختلافات , يصبح كل شيء باهتًا وغير مميز, بما في ذلك مرور الوقت , وأهمية التغير والتنوع في محيطنا للحفاظ على إلأحساس بالزمن والواقع .
للضوء الطبيعي دور كبير في تنظيم حياتنا اليومية , وفي إمداد أجسامنا بالطاقة التي تساعدنا على الاستيقاظ بحيوية , وممارسة أعمالنا بنشاط , كما يعتبر الضوء أحد العناصر المهمة لاستمرار الحياة , وبدونه يختل توازن الإنسان ويفقد الحياة , لكن مع التقدم والتطور الهائل الذي ساهم في إدخال الكهرباء إلى حياتنا , تعددت مصادر ووسائل الإضاءة , وأصبح استهلاكها يفوق الحد الطبيعي , وأصبحت الإضاءة الصناعية أكثر استخداماً وفي جميع الأوقات , ما جعلها تؤثر وبشكل كبير في صحة الإنسان من خلال إحداث خلل بساعته البيولوجية والتسبب بأمراض نفسية وجسدية , حيث كشفت الأبحاث العلمية الصادرة حديثاً أن الإضاءة الصناعية مسؤولة عن مجموعة من هذه الأمراض , بل إن بعض الدراسات وجدت أن التعرض المفرط للضوء الصناعي في الليل يزيد مخاطر الإصابة بالسرطان .
يقول ابو المحاسن الكربلائي : (( أشرقت منك في الوجود ذكاء فجلا حالك الظلام الضياء , درة عن سنائها قد تشظى صدف الفيض فاستضاء السناء )) , ويقول ابن الجوزي : (( فبعد العَتمَةِ الظَّلماءِ نورٌ وطولُ الليلِ يعقبهُ الضياءُ أمانينا لها ربٌ كريمٌ إذا أعطی سيُدهِشُنا العطاءُ )) , حين نقرأ لشعراء الضفاف المشمسة للمتوسط , يستوقفنا تواتر جدلية الظل والضياء أو العتمة والنور أو الليل والنهار, ولعله من المهم الوقوف عند الأسباب التي تقرب أو تباعد بين هذين المتناقضين , المتنابذين في الظاهر , وإن القاريء ليستشعر أواصر قربي تصله ببعض أولئك الشعراء , لذا يتلمس الدروب التي طرقوها ويدعو إلى السعي فيها , وكان رونيه شار قد قال في هذا السياق : (( ليس بإمكاننا العيش إلا في ما هو موارب , وتحديداً, على الخط الكتيم الذي يفصل الظلمة عن الضياء , غير أننا نكون دوما , ودون إرادة منا , مدفوعين إلى الأمام )) , وكثيرا ماكان أدونيس يردد بأنه يسير مسترشداً بالضياء , أذ يقول (( بأن شعاعا من نور هو الذي دله على الطريق )) , كما ان أوديسوس إيليتيس كتب يقول : (( ليكن ممجدا هذا الضياء , ومباركة هذه الصلاة الأولى التي سجلها الإنسان على الحجر, مباركة هي سطوة الحيوان الذي يفتح طريقا إلى الشمس , ومبارك هو النبات الذي غرد , فكان النهار)) , وفي إحدى قصائده يقول الشاعر السريالي فيليب سوبو معرفا نفسه , فيرى أنه : (( بالكاد ظل ومضة تتعقب الضياء )) , فدرب النفس أن تبحث عن ضوء في نهاية النفق , و أن تشعل شمعة في جنح الظلام , و إياك أن تعتقد أن العالم ضدك , وأنك ولدت مع سحابة رمادية فوق رأسك , لست بحاجة أن تكون ضحية لجذور اليأس أو الافتراض بأنك تعاني خيبة الأمل , يبدو جميعآ أننا نفقر ذواتنا من حيث لا فقر , و نسقط أوراق جمال أنفسنا من حيث لا ربيع يفصل بين بهجة الحياة و حزنها .
صباح الزهيري .
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟