أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الأسكافي .














المزيد.....

مقامة الأسكافي .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8360 - 2025 / 6 / 1 - 21:31
المحور: الادب والفن
    


قال زهير بن أبي سُلمى في معلقته بيتا يُعدّ من أشهر أبيات الحكمة في الشعر العربي , ويتناسب مع معنى المثل أدناه : (( ومن يَكُ ذا فضلٍ فيبخل بفضله على قومه يُستَغْنَ عنه ويُذْمَمِ )) .

(( أيها الاسكافي , لا تتجاوز حدود النعل )) , عبارة قديمة منسوبة إلى رسام يوناني شهير يُدعى أبيلّيس , وتَختزل القصة أن أبيلّيس كان يعرض لوحاته في الأماكن العامة , وقد فوجئ يوماً بإسكافي يُنبهه إلى خطأ في رسم الحذاء في إحدى لوحاته , فقام بتصحيحه أمام الجمهور شاكراً للإسكافي ملاحظته , لكن هذا الأخير, وأمام إعجاب الناس بملاحظته , تمادى في تقديم المزيد من الملاحظات حول أخطاء أخرى رآها في اللوحة , فكان ردّ الرسام عليه بمقولته الشهيرة : أيها الإسكافي , لا تتجاوز حدود النعل , هذه العبارة تعني , لا تتجاوز مجال خبرتك أو تتدخل في أمور لا تفهمها أو لا تملك المعرفة الكافية بها, هي تحذير لمن يحاول أن يكون ناقدًا أو معترضًا في أمور خارج نطاق تخصصه.

يُعدّ هذا المثل الشعبي من الأمثال الحكيمة التي تنطبق على الأجيال في العراق , ويحمل في طياته دلالات عميقة تتجاوز معناه الحرفي لتلامس جوانب عديدة من حياة الفرد والمجتمع , وهو دعوة صريحة إلى الالتزام بالحدود , وعدم التطفل على ما لا يخص المرء, وإدراك المرء لقدراته ومسؤولياته , وفي جوهره , يدعو المثل إلى التخصص واحترام الأدوار, فكما أن الإسكافي يبرع في صنع الأحذية وإصلاحها , فإن لكل مهنة اختصاصها ولكل فرد موهبته , إن محاولة تجاوز هذه الحدود تؤدي غالباً إلى الفوضى , وتدهور جودة العمل , وضياع الجهود , وفي السياق العراقي , حيث تتنوع المهن والحرف , يبرز هذا المثل كقاعدة أساسية لضمان سير الحياة بسلاسة , وتشجيع الأفراد على إتقان ما يقومون به بدلاً من تشتيت أنفسهم في مجالات لا يملكون فيها الخبرة الكافية.

تتجلى العبرة من هذا المثل في حياة العراقيين اليومية على مستويات عدة , ففي المجال المهني يُطبّق المثل في العمل , حيث يُنصح الموظف بعدم التدخل في صلاحيات زملائه أو رؤسائه , فالطبيب يجب أن يلتزم بمهنته , والمعلم بدوره التربوي , والمهندس بمجال تخصصه , تجاوز هذه الحدود يمكن أن يؤدي إلى أخطاء فادحة , وإعاقة لسير العمل , وتوتر في العلاقات المهنية , وفي العلاقات الاجتماعية يدعو المثل إلى احترام خصوصية الآخرين وعدم التدخل في شؤونهم الشخصية , فالتطفل على حياة الجيران , أو التدخل في خلافات الأقارب دون طلب , غالباً ما يؤدي إلى مشاكل أكبر وسوء فهم , العراقيون , بحكم طبيعتهم الاجتماعية , يقدّرون الروابط الأسرية والعشائرية , لكنهم في الوقت نفسه يدركون أهمية الحفاظ على مساحة شخصية لكل فرد.

يمكن توسيع مفهوم المثل ليشمل ضرورة التزام كل جهة أو مؤسسة بحدود مسؤولياتها وصلاحياتها , فعندما تتجاوز الأحزاب السياسية أدوارها , أو تتدخل المؤسسات الدينية في شؤون الدولة بشكل مبالغ فيه , أو تتعدى السلطات التنفيذية على سلطات أخرى , فإن ذلك يؤدي إلى اختلال التوازن المجتمعي ويزعزع الاستقرار, وفي التواضع واحترام الخبرات يعلمنا المثل أيضاً التواضع وعدم ادعاء المعرفة في كل شيء , فالحكمة تقتضي الاعتراف بالجهل في بعض الأمور, وطلب المساعدة من أهل الاختصاص , هذا الاعتراف يفتح الأبواب أمام التعلم والتطور, ويعزز من ثقافة تبادل الخبرات والمعرفة .

ينظر لهذا المثل كبوصلة أخلاقية أكثر من مجرد مثل شعبي , يرشد الأفراد والمجتمعات نحو سلوكيات قويمة , ويحث على التأني قبل الإقدام , والتمعن في العواقب , وتقدير الذات دون غرور, وتقدير الآخرين دون حسد , وفي عراقٍ شهد تحديات كبيرة وتغيرات متسارعة , يظل هذا المثل صوتاً للحكمة , يدعو إلى الالتزام بالمبادئ الأساسية , والتوازن , واحترام أدوار الجميع لبناء مجتمع أكثر استقراراً وتقدماً .

لقد سئم العراقيون من حكومة تتقن فن التبرير أكثر مما تتقن التسيير, ومن مسؤولين لا يرون في المناصب سوى وسيلة للإثراء على حساب المواطن , غلاء الأسعار , تدهور الصحة والتعليم , البطالة التي تخنق الشباب , وٱنعدام أي بوادر للإصلاح , كلها مشاكل تعكس عجز هذه الحكومة عن تحمل مسؤولياتها , وفي خضم هذا الفشل المتراكم , لم يبقَ للعراقيين سوى التطلع إلى المخلص النزيه الوحيد الذي يراعي مصلحة الشعب في ظل حكومة غارقة في العشوائية والمصالح الشخصية , لقد بات العراقيون يحلمون وينتظرون قرارات حاسمة في مختلف القطاعات , لأنهم فقدوا كل ثقة في حكومة أثبتت أنها لا تملك سوى الخطابات الفارغة , قرارات تضع حدًا للغلاء الفاحش , وتنقذ التعليم والصحة من الإنهيار , وتحمي المواطن من جشع المضاربين والمنتفعين , فيا أيها الإسكافي , لا تتجاوز حدود النعل , فالسياسة ليست مضاربة , والبلاد ليست ضيعة خاصة , والشعب ليس قطيعا يُطلب منه الصبر بينما تُنهب خيراته , وإذا كانت الحكومة عاجزة عن أداء دورها , فالحل بيد من يضع مصلحة الوطن فوق كل ٱعتبار.

كتب عبد الرحمن منيف : (( جزء من الخسارة التى تلحق بالبلدان أنها تركن إلى الأوهام , وتعيش فى الماضى , وتخطىء فى قراءة الواقع واحتمالات المستقبل , فإذا لم يُحسن استيعاب التاريخ ولم يجر معرفة الجديد , فإن كل شىء سيتحول إلى ذكريات وأغانٍ حزينة )) , ويقول عبد المنعم حمندي : (( كم حسرةٍ في الرافدينْ كَبُرت معي , والحزنُ يَكبُرُ مرّتيَنْ حتى تشابكت الطفوفُ بمذبحَيَنْ , رأسُ العراق على القَنا , وأمامهُ رأس الحُسينْ )) وتقول لميعة عباس عمارة : (( مبرمجةٌ مصائبنا بحثقٍ لعذرٍ أو بلا عذرٍ تصيّبُ )) .







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة البصرة .
- مقامة تكريم كريم .
- مقامة الطيور .
- مقامة المصطلم .
- مقامة النداوة .
- مقامة دين ابن عربي .
- مقامة الجزع .
- مقامة المطارف و الحشايا .
- مقامة يا أمة ضحكت .
- مقامة إلا الزلق .
- مقامة توقيت الأنسحاب .
- مقامة القوة الناعمة .
- مقامة حمار بوريدان .
- مقامة صبر النائبات .
- مقامة الموتات الأربعة .
- مقامة الديموقراطية .
- مقامة مطعم الجامعة .
- مقامة المثقف .
- مقامة مشوار .
- مقامة الأغوات .


المزيد.....




- توماس مان.. الأديب الذي سكنته ألمانيا وقضايا شعبه حتى وهو في ...
- عمان.. -الأمل- يجمع الأردنيين والروس في مهرجان يحتفي باللغة ...
- جامعة -الدون- التقنية الروسية تعمل على إنشاء مركز للغة الروس ...
- الضفة الغربية: إسرائيل تمنع جولة وسائل إعلام دولية في قرية ا ...
- تاء تأنيث النقد الأدبي العراقي.. في أمسية ثقافية
- وفاة الممثل جوناثان جوس عن عمر يناهز 59 عامًا إثر إطلاق نار ...
- مصر.. قرار للنيابة في فضيحة قصر ثقافة الأقصر
- المبادرة المصرية تطالب بإخلاء سبيل المخرج -عبد الرحمن الأنصا ...
- رحيل الكاتب الفلسطيني علي بدوان أحد أبرز مؤرخي الشتات في سور ...
- مخطط متنزه إسرائيلي يطرد سكان سبسطية من قريتهم التاريخية


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الأسكافي .