أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الطيور .














المزيد.....

مقامة الطيور .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8356 - 2025 / 5 / 28 - 11:52
المحور: الادب والفن
    


قرأت في كتاب البصائر و الذخائر ان العرب تقول في أمثالها : (( الطيور على أشكالها تقع )) , وقد روى الأصمعي قائلًا: (( كنت أسمع هذا المثل يُقال : (( وعلى أُلّافها الطير تقع )) , فلم أكن أفهم معناه على وجه الدقة , حتى شاهدت مجموعة من الغربان , فإذا بها تتجمع على هيئة لافتة للنظر: فالسوداء مع السوداء , والمبقعة مع المبقعة , فاستغربت هذا التآلف , ثم رأيت رجلًا أعرج قد سقط , فجاءه رجل آخر مكسور الجناح , فجلس إلى جانبه , فعندها أدركت حقيقة المثل , وعلمت أن القول لم يذهب سدى )) , والحكمة من هذا المثل : هي أن الناس تميل إلى من يشبهها في الطباع , والسلوك , والميول , والأخلاق , فكل إنسان ينجذب إلى من يشاركه نفس الصفات أو التجارب أو الاهتمامات.

ان هذا المثل العربي القديم ينقل الينا حكمة متوارثة عبر الأجيال , تحمل في طياتها دلالات عميقة حول التوافق والتجانس بين الأفراد , إنها تشير إلى أن كل كائن يميل إلى الانضمام إلى من يشبهه في الطباع , الأهداف , أو حتى المصالح , وفي سياق لا يخلو من الألم , يمكننا اليوم أن نرى هذا المثل يتجسد بوضوح قاسٍ في واقع بلادنا , ليصبح مرآة تعكس حجم الفساد المستشري وتكشف عن آلياته المعقدة , ففي العراق , حيث أصبحت ظاهرة الفساد كابوسًا يطارد أحلام المواطنين ويقوض أسس الدولة , نجد أن (( الطيور على أشكالها تقع )) , ليست مجرد مقولة بل هي واقع معاش , إن المتأمل في المشهد السياسي والاقتصادي العراقي يرى بوضوح كيف يتجمع الفاسدون على اختلاف مواقعهم وتنوع أشكالهم , فمن المسؤول الكبير الذي يختلس أموال الشعب , إلى الموظف الصغير الذي يرتشي لتمرير معاملة , مرورًا بالمتعهد الذي ينفذ مشاريع وهمية أو رديئة , جميعهم يقعون في فئة واحدة , يربطهم خيط رفيع من المصالح المشتركة والانتفاع غير المشروع.

لقد خلق الفساد في العراق شبكات متداخلة ومتشابكة , تعمل بمنطق (( الطيور على أشكالها تقع )) , فكل من يشارك في حلقة الفساد , سواء كان داعمًا أو مستفيدًا , يجد نفسه جزءًا من منظومة تتوافق مع مبادئه المنحرفة , إنها ليست مصادفة أن نرى شخصيات متورطة في قضايا فساد تظهر مجددًا في مناصب عليا , أو أن تتغاضى جهات رقابية عن ممارسات غير قانونية , ففي كثير من الأحيان , يكون هؤلاء جزءًا من نفس (( الطيور)) التي تتجمع لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب الصالح العام , هذا التوافق الفاسد لا يقتصر على المستوى الفردي , بل يمتد ليشمل كيانات وأحزابًا وجماعات , فنجد تكتلات سياسية تتشكل على أساس المصالح الضيقة , وتتقاسم المناصب والامتيازات , وكأنها (( طيور)) من نفس النوع تتجمع لتنهب خيرات الوطن , إن هذه التجمعات الفاسدة لا يهمها سوى استمرار نفوذها وتقاسم الكعكة , غير آبهة بما يترتب على أفعالها من تدمير للاقتصاد الوطني , وتراجع للخدمات , وتفاقم لمعاناة الشعب.

إن ما يزيد الطين بلة هو أن هذه (( الطيور الفاسدة )) , تتقن فن التخفي والتلاعب , وتستخدم كافة الوسائل للحفاظ على وجودها , تتستر خلف الشعارات الرنانة , وتتظاهر بالحرص على المصلحة الوطنية , بينما هي في الحقيقة تعمل على هدمها من الداخل , إنها تستغل ضعف القانون , وتستغل الثغرات الإدارية , وتستخدم نفوذها السياسي لحماية بعضها البعض , ضامنة بذلك استمرارية هذه الدائرة المفرغة من الفساد , لكن , يبقى الأمل معلقًا على وعي الشعب العراقي بضرورة كسر هذه الحلقة المفرغة , فإدراك أن (( الطيور على أشكالها تقع )) يمكن أن يكون بداية لإحداث التغيير, فعندما يرفض المواطن أن يكون جزءًا من هذه المنظومة الفاسدة , وعندما يصر على محاسبة (( الطيور)) التي تنهب ثرواته , وعندما يطالب بتطبيق القانون بصرامة على الجميع دون استثناء , حينها فقط يمكن أن يبدأ العراق في التعافي من هذا الوباء الذي نخر عظامه.

الفاسد لا يقول أنا فاسد , والذي يتهمه بالفساد يحسب من الحاسدين , والعدوانيين على معشر الأشاوس الأبرار المؤمنين , وتلك مآسي المجتمعات التي أفرغت رؤوس الأجيال من المعارف العلمية المعاصرة , وحشتها بدين الفقهاء المتاجرين بالبشر بإسم الدين , حتى تحول الناس إلى قطيع في حظائر الراتعين في ثراء وخيم , والمنفذين لإرادات الآخرين , فأربابهم وأسيادهم وأولياء أمورهم ونعمهم يحللون لهم ما يشاؤون , بشرط أن يفعلوا ما يطلبونه منهم , وكذا ناعور الخيبات على رؤوس المقهورين يدور,هل عمرك يا صاحبي سمعت بدولة تُباع وزاراتها في المزاد السياسي , وتكون الوزارة الفلانية ملكاً لوزيرها وحزبه وعائلته.. وهكذا دواليك ؟ في البحث الحرفي عن الفساد , أنواعه , درجاته واسبابه ,علينا أن لا ننظر إلى الأمور من خلال عين الود أو عين الكراهية لأننا عند ذلك نُضَيِّع المعنى ونُضَيِّع أنفسنا معه , إن المعركة ضد الفساد في العراق هي معركة طويلة وشاقة , ولكنها معركة تستحق أن نخوضها , فالمثل القديم , وإن كان يعكس واقعًا مريرًا , يحمل في طياته أيضًا دعوة لنا لنفهم طبيعة المشكلة , ولنعمل على بناء مجتمع تكون فيه ((ألطيورالصالحة )) هي التي تتجمع وتنهض بالبلاد , بعيدًا عن مستنقع الفساد الذي أغرقها , هل يمكن للعراق أن يكسر قيود هذه (( الطيور الفاسدة )) ويحلق نحو مستقبل أفضل؟ .







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة المصطلم .
- مقامة النداوة .
- مقامة دين ابن عربي .
- مقامة الجزع .
- مقامة المطارف و الحشايا .
- مقامة يا أمة ضحكت .
- مقامة إلا الزلق .
- مقامة توقيت الأنسحاب .
- مقامة القوة الناعمة .
- مقامة حمار بوريدان .
- مقامة صبر النائبات .
- مقامة الموتات الأربعة .
- مقامة الديموقراطية .
- مقامة مطعم الجامعة .
- مقامة المثقف .
- مقامة مشوار .
- مقامة الأغوات .
- مقامة ضياع الزمن .
- مقامة ألأستفهام .
- مقامة الزعل .


المزيد.....




- اكتشاف أثري تحت الركام.. ما مصير القرى الأثرية بعد سقوط نظام ...
- -القسطنطينية- يفتتح الدورة السابعة لمهرجان -بايلوت- الروسي ( ...
- بيان رسمي بعد نزاع بين ملحن مصري وحسين الجسمي
- من غرناطة إلى تستور.. كيف أعاد الموريسكيون بناء حياتهم في شم ...
- مايك تايسون يتلقى عرضا مغريا للعودة إلى الحلبة ومواجهة أحد أ ...
- من غرناطة إلى تستور.. كيف أعاد الموريسكيون بناء حياتهم في شم ...
- فنانة وإعلامية مصرية شهيرة تعلن الصلح مع طبيب تجميل شوه وجهه ...
- الكتابة في زمن الحرب.. هكذا يقاوم مبدعو غزة الموت والجوع
- أداة غوغل الجديدة للذكاء الاصطناعي: هل تهدد مستقبل المهن الإ ...
- نغوغي وا ثيونغو.. أديب أفريقيا الذي خلع الحداثة الاستعمارية ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الطيور .