أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة العشعشة .














المزيد.....

مقامة العشعشة .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8369 - 2025 / 6 / 10 - 15:02
المحور: الادب والفن
    


مقامة العشعشة :

كتب صديقنا الأستاذ حسين جواد المحترم : (( ان هناك خفايا في التاريخ الاسلامي لو تكشّفت للغافلين والمغفّلين لاهتزّت الكثير من القناعات الموهومة التي كانت وما زالت تعشعش في رؤوسهم )) , الا انه ينبهنا بعدها ان كلمة تعشّش (يعني في موسم واحد) , امّا تعشعش ففي كلّ موسم تعود العشّ السابق نفسه , وفي تعريف و معنى عشعش في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي وجدنا عَشعَش: اسم والجمع : عَشَاعِشُ والعَشْعَشُ : العُشُّ المتراكبُ بعضُه فوقَ بعض , وعشعَشَ: فعل : عشش , اِتَّخَذَ عُشّاً , وعَشعَشَ : سكن وتمكن , وهكذا قولهم: عَشَّشَ الشيطان في قلبه , أو "عَشْعَشَ (( للمبالغة والتكثر في الوصف بحكم التركيب والمجاز كناية , والمراد ملأه بالغَيّ الذي هو الضلال والفساد )) , ومثله فَرَّخ الشيطان في رأسه , والمعنى الأصلي كما في المعاجم اللغويَّة , اتّخَذَه عِشّا يبيض فيه وكلمة ((عَشَّشَ )) خاصة بالطير, يقال كما في المعجم الوسيط: عَشَّشَ الطائر: اتَّخّذَ .

لكنَّ التعبير آنف الذكر صار تعبيرا اصطلاحيا , فخرج من معناه الأصلي إلى ذلك المعنى البلاغي , وجرى مجرى المثل , وشاع استعماله بهذا المعنى فالمراد : ملأه بالغَيّ وهو الضلال والفساد , وأصبحت كلمة العشعشة تثير فينا مواجع وحسرات عندما تذكرنا كيف نخر الفساد جسد العراق بعد 2003 , وكيف شهد العراق تحولًا جذريًا لم يكن مقتصرًا على الجانب السياسي فحسب , بل امتد ليشمل نسيج المجتمع والدولة , تاركًا وراءه تركة ثقيلة من التحديات , لعل أبرز هذه التحديات , إن لم يكن أخطرها , هو الفساد الذي (( تعشعش )) في كل مفاصل الدولة , وتحوّل من ظاهرة فردية إلى منظومة معقدة نخرت جسد العراق من الداخل , ويمكننا استخدام كلمة (( العشعشة )) هنا ليس فقط لوصف التغلغل العميق للفساد , بل لتصوير كيفية بناء هذه المنظومة الفاسدة لنفسها (( أعشاشًا )) محصنة في كل زاوية وركن من مؤسسات الدولة , فكما تبني الطيور أعشاشها لتأوي فيها فراخها وتحميها , بنى الفاسدون شبكاتهم لضمان استمرارية سرقاتهم وحماية أنفسهم من المحاسبة.

قبل عام 2003 , كان الفساد موجودًا في العراق , ولكن طبيعته وأبعاده تغيرت بشكل كبير بعد ذلك التاريخ , فمع انهيار الدولة المركزية وبروز قوى سياسية جديدة , أصبحت العملية السياسية مرتعًا خصبًا للمحسوبية والزبائنية , تحولت المناصب الحكومية , من أدناها إلى أعلاها , غنائم تُقسّم بين الكتل والأحزاب , لا على أساس الكفاءة والنزاهة , بل على أساس الولاء والمصلحة , وهكذا (( عشعش )) الفساد في وزارة الكهرباء , فبقيت أزمة الكهرباء مستعصية رغم المليارات التي صُرفت , وعشعش في وزارة النفط , فتحوّلت ثروة العراق النفطية إلى مصادر إثراء غير مشروع لجيوب المتنفذين , وعشعش في مشاريع الإعمار, فباتت الجسور والطرقات مجرد هياكل متصدعة تبتلع أموالاً طائلة دون إنجاز يذكر, بل عشعش حتى في أبسط الخدمات المقدمة للمواطن , كالصحة والتعليم , مما أثر بشكل مباشر على جودة حياة العراقيين.

إن آثار هذه (( العشعشة )) المدمرة تتجاوز الأرقام الفلكية للأموال المنهوبة , فقد قوّضت الثقة بين المواطن والدولة , وأدت إلى تراجع الخدمات بشكل كارثي , وعرقلت التنمية الاقتصادية , وزادت من معاناة العراقيين الذين يرزحون تحت وطأة الفقر والبطالة , الأدهى من ذلك , أن الفساد أصبح محركًا أساسيًا للصراعات السياسية والاجتماعية , حيث تتنافس القوى على النفوذ لزيادة حصتها من الكعكة المنهوبة , مما يهدد استقرار البلاد برمته , لقد أصبح تحدي مكافحة الفساد في العراق أشبه بمعركة وجود , فمنظومة (( العشعشة )) ليست مجرد أفراد فاسدين , بل هي شبكات معقدة ومتغلغلة , تملك من القوة والنفوذ ما يجعل تفكيكها مهمة شاقة للغاية , ومع ذلك , فإن مستقبل العراق يعتمد بشكل كبير على قدرة أبنائه على اقتلاع هذه الأعشاش المدمرة , واستعادة مؤسسات الدولة من براثن الفاسدين .

بالمناسبة يعد (( التعشيش )) أمرا شائعا وغريزة لدى النساء الحوامل قبل الولادة , ويعرف بمتلازمة التعشيش , وهو انفجار الطاقة لدى معظم النساء في الأسابيع القليلة الأخيرة من الحمل التي تلهمهن تنظيف المنزل وتنظيمه استعدادا لوصول الطفل , ومن الشائع أن تقوم النساء بعمل مضاعف من خلال (( التنظيف العميق )) في تلك المرحلة , الذي يتضمن تنظيف الخزانات , وغسل السجاد وتجهيز الطعام وتنظيم الثلاجة وإعداد ملابس ومستلزمات الطفل الجديد , وحسب استشاري أمراض النساء والولادة , أن متلازمة التعشيش أمر منتشر في الثقافات العربية , بشكل أكثر وضوحا من الغربية , موضحا : (( يعد تنظيف البيت وإعداده جزءا أساسيا من اهتمامات المرأة العربية , وعندما تكون حاملا تدرك أن رعاية الطفل تستغرق الكثير من الوقت والطاقة , وتريد أن يكون كل شيء جاهزا قبل وصول الطفل , جزء من التعشيش من أجل الاطمئنان والاستعداد والسيطرة على بيئة المولود الجديد , وجزء آخر يرتبط بالترقب والسعادة في انتظاره )) .

كتب المدعو ابو شامخ فضل علي الدروبي في ملتقى قبايل اليمن : (( العشعشه وقت الشدايد ماتجوز, خيره عليك ياورع خف العشعشه , لا تربش افكاري وتلذع لي فيوزاحذر تصدق هرجهم والوشوشه , هم غيرو كلمة مروري والرموز واخفيت ضهورك عننا والدردشه , كبيرهم كذاب وعذراهم عجوز حق النكت ياصاحبي والخيوشه , ردودي اسرع من صواريخ الكروز اهز خصمي والصليات ترعشه , مناجمي غير المناجم والكنوز في نادي الترفيه افرفش فرفشه )) .

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الساكن و المتحرك .
- مقامة الشاعرة .
- مقامة الثايات .
- مقامة العباءة .
- مقامة جبر الخواطر .
- مقامة فتوى الجلد .
- مقامة صرخة وطن .
- مقامة العتاب .
- مقامة الأسكافي .
- مقامة البصرة .
- مقامة تكريم كريم .
- مقامة الطيور .
- مقامة المصطلم .
- مقامة النداوة .
- مقامة دين ابن عربي .
- مقامة الجزع .
- مقامة المطارف و الحشايا .
- مقامة يا أمة ضحكت .
- مقامة إلا الزلق .
- مقامة توقيت الأنسحاب .


المزيد.....




- أحمد الفيشاوي يعلن مشاركته بفيلم جديد بعد -سفاح التجمع-
- لماذا لا يفوز أدباء العرب بعد نجيب محفوظ بجائزة نوبل؟
- رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر تحتفي بإرث ثقافي يخاطب العالم
- رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر تحتفي بإرث ثقافي يخاطب العالم
- مشاهدة الأعمال الفنية في المعارض يساعد على تخفيف التوتر
- تل أبيب تنشر فيلم وثائقي عن أنقاض مبنى عسكري دمره صاروخ إيرا ...
- قراءة في نقد ساري حنفي لمفارقات الحرية المعاصرة
- ليبيريا.. -ساحل الفُلفل- وموسيقى الهيبكو
- بطل آسيا في فنون القتال المختلطة يوجه تحية عسکرية للقادة الش ...
- العلاج بالخوف: هل مشاهدة أفلام الرعب تخفف الإحساس بالقلق وال ...


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة العشعشة .