أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الشاعرة .














المزيد.....

مقامة الشاعرة .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 18:36
المحور: الادب والفن
    


مقامة الشاعرة :

يتشكى صاحبي الثمانيني الذي كان مثل كثيرين من أهل جيله يسارياً في شبابه , ومنتقداً لليسار بعد سن الكهولة, من ملوعته الشاعرة , ويقول أنها لم ترد على معايدته , يردد بيت أبي الطيب : (( وَكَمْ ذَنْبٍ مُولِّدُهُ دَلَالٌ ....وَكَمْ بُعْدٍ مُولِّدُهُ اقتِرَابُ )) , وهكذا هو الوهم عندما يتغلب على وعي البشر , يمتلكه ويسخره لغاياته القاسية المروعة , ولكل وهم أدواته , وصاحب الوهم قد يكون مجرما , أو عاشقا مفتونا بأوهامه الملونة والمتلآلئة في فضاءات ما يرى ويحس , بحكم أن الأوهام بأنواعها لذيذة , وتستلب الألباب , وتسخر المبتلين بها للعمل بموجبها , وعندما نسأله لم هو مغمض العينين يقول : حتى تراني , فياهذه أمنحيه بركة القدوم وسيرتمي حيث عطرك يملكه ويتيح له رؤية النجوم .

يقولون حين تغيب الفراشات, أنثر أثرك على المكان , كي تعود ثملة بك , ولئن سألوك عن اسمك , قبل أن تحلق في أقاصيها , فقل أنك قد نسيته , ماذا تفعلُ الشاعرةُ بالعيد ؟ تُلبسُ القصيدةَ فستانًا من نقطتين , وفاصلة , وتعلّقُ في أُذنِها قافيةً رنّانة , ربما لهذا لم تسمع معايدتك , وقد تكون منشغلة تُحاولُ أن تخبزَ كعكًا من المجاز , لكنّ الفرنَ يُحرقُ الصورَ التشبيهية , فتأنى وتعلم قواعد التعامل : كَانَ عمرُ بنُ الخطَّابِ , يولِي عبدَ الله بنَ عباس اهتماماً ويُقَرِّبُه لعلمِه , فقَالَ الْعَبَّاسُ لابنِه ناصِحاً : (( يَا بُني إِنِّي أرى هَذَا الرجلَ يُدنيك وَإِنِّي مُوصِيكَ بخلالٍ : لَا تفشينَّ لَهُ سرّاً , ولا تخوننَّ لَهُ عهدًا , وَلَا تغتابَنَّ عِنْده أحداً , وَلَا تطوِي عَنهُ نصيحةً )) , أهدَى العباسُ ابنَه قواعدَ التَّعاملِ مع القرب من دون تجاوزِ حدٍّ يُوَلِّد من القربِ بُعداً , فهلا تعلمت ؟

تتهيب منها الحروف , وتتجمل لها اللغة , ويزهو بها البيان , وأنت نذرت عمرك لفكّ أسرارها وتجلية جمالها , في لحظات لا تُنسى , فهي تخوض بحرٍعلم لا ساحل له , ولا توقفه سوى علّامة البيان , لحظات تفيضك فخرًا , وتُخلَّد في الذاكرة , كيف لا وقد عشقت من قالت : (( ألبيان روح اللغة , ومن أراد إدراك جمالها فليغص في أسرارها )) , لله درّها , وما أبهى الحرف حين ينطقه أهلُه , يقول جوزيه ساراماغو : (( لا ينضج المرء بالنصائح , لاينضج بالمواعظ , لاينضج بتجارب الأخرين , ينضج المرء حين يقطع الفقدان جزءًا من قلبه , وينحني ظهره من خذلان أحبائه , وتتسيد التجاعيد ملامحه من قسوة التفكير , وتتهاوى طاقته ويصبح هش بجسد هزيل من الركض في الطرق الخاطئة , ينضج المرء حين تقتطفه الحياة من جذوره )) , فمتى تنضج ؟

لا ترد عليك بالطبع , فهي مشغولة تُرسلُ بطاقاتِ تهنئةٍ ممهورةً ببصمةِ إصبعِ حلمٍ كان ساهرًا معها ليلةَ العيد , وتُعطي العيديةَ للقصائدِ الصغيرة : وتنصحهم (( خُذوا وزنًا خفيفًا , واحذروا الزحافَ في الأزقّة )) , وانت تعرف ان أهل مكة أدرى بشعابها , وأهل الصحراء عيونهم أكثر صفاء , فهم قوم يميّزون دوماً بين السراب والماء , ويدركون ان الربيع الذي لم تبلِلهم قبله رطوبة الشتاء , ليس ربيعهم , و الأرواح حين تحب لا تملك حق الإختيار , فدعك من اللوم , فشاعرتنا تُفكّرُ : هل تضعُ الشَعرَ على وزنِ الرمل؟ أم تُطرّزُه على البحرِ الكامل؟
تمامًا كما تُوَجِّهُ الوردةُ نفسَهَا نحوَ الشّمس , وَجِّه روحَكَ نحوَ خالقها , ومثلما النخلةُ لا تُثمر إلا إذا عانقتِ الشمسَ , كذلك القلبُ لا يُورق إلا إذا مسّته خُضرةُ السلام وأكسجينُ الحبّ , ألا انها تتحسس من الرجل لأنها تراه واجهة لـ(( مشروع هوياتي مناوئ )) , وقد يكون هذا حقها , فألتمس العذر لها , ففي لحظةِ العصفِ الذّهني , تشتبكُ الجُمَلُ كالجُنودِ , كلُّ كلمةٍ تريدُ أن تقودَ قصيدَتها , وخذ بالك , فاليأس أحدى الراحتين , والراحة الأخرى الموت , والشيطان يكمن في كيفية توظيف المعلومات لقصيدتها , وليس في مدى صحتها , فدعها تُزيّنُ مرآةَ اللغةِ بأشرطةِ ضحكٍ استعاري , وتُقلّبُ فنجانَ قهوتها : (( هُنا حرفٌ عاشق , وهُناكَ نقطةٌ تهربُ من آخرِ السطر)) .

كتب بيكيت : (( النور الساطع ليس ضروريا , شمعة صغيرة هي كل ما يحتاجه الإنسان ليعيش في غربة , إذا أحترقت بإخلاص )) , وهي مطمئنة , عندما تكون اَلْكَلِمَاتُ مَادَّةٌ لَيِّنَةٌ فِي يَدِها , تعِيدُ تَشْكِيلَهَا حَتَّى تَنْبِضَ بِالْحَيَاة , وكَمَا يَعْكِسُ الْمَاءُ وَجْهَ الشَّاعِرة تَعْكِسُ الْقَصِيدَةُ رُوحَها , وحُروف ملهمتك سنابلُ , بماءِ الدَّهشةِ تعجنُها , فتصنعُ منها قصائدَ قصائد , تُشْبعُ الجياعَ إلى الكلمةِ العذبة , لقد كتب ليوناردو دافنشي عبقري الفنون الكلاسيكية ذات مرة : (( الجسد الجميل يفنى , لكن العمل الفني الجميل لا يموت )) , وفي المساءِ, دعها تُهدهدُ العيدَ نفسهُ , وتهمسُ له : (( كُن خفيفَ الوطءِ على القصيدة , فهي تتدلّى من بلّورةِ وزنٍ قد تنكسرُ من كثرةِ الأماني )) .

صباح الزهيري .







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الثايات .
- مقامة العباءة .
- مقامة جبر الخواطر .
- مقامة فتوى الجلد .
- مقامة صرخة وطن .
- مقامة العتاب .
- مقامة الأسكافي .
- مقامة البصرة .
- مقامة تكريم كريم .
- مقامة الطيور .
- مقامة المصطلم .
- مقامة النداوة .
- مقامة دين ابن عربي .
- مقامة الجزع .
- مقامة المطارف و الحشايا .
- مقامة يا أمة ضحكت .
- مقامة إلا الزلق .
- مقامة توقيت الأنسحاب .
- مقامة القوة الناعمة .
- مقامة حمار بوريدان .


المزيد.....




- كراسي ماري أنطوانيت.. كنوز ملكية تبيّن أنها مزيفة!
- قراءة شاملة لجذور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من منظور المؤر ...
- فنان عالمي شهير يواجه اتهامات بسلوك غير لائق ومغازلة فتيات ق ...
- فنانة أمريكية مثيرة تطلق صابونا من ماء الاستحمام الخاص بها.. ...
- مقدم كوميدي أمريكي شهير يعلّق على خلاف ترامب وماسك ويثير ضحك ...
- فنانة أمريكية مثيرة تطلق صابونا من ماء الاستحمام الخاص بها.. ...
- فيلم -فلو- يتجاوز 57 مليون دولار في إنجاز غير مسبوق للرسوم ا ...
- -سوذبيز- تطرح سترة سينمائية شهيرة من الثمانينيات بمزاد علني. ...
- رحيل الفنانة العراقية غزوة الخالدي بعد مسيرة حافلة على خشبة ...
- هيئة محلفين أمريكية تفشل في إصدار حكم ضد المنتج السينمائي ها ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الشاعرة .