أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة العباءة .














المزيد.....

مقامة العباءة .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8365 - 2025 / 6 / 6 - 11:48
المحور: الادب والفن
    


مقامة العباءة :

مطلع عقد العشرينات من القرن الماضي , خالف الشاعر الراحل جميل صدقي الزهاوي ماورد في الاغنية الشعبية (ياأم العباية حلوة عباتج ) , حيث دعا النساء الى التخلي عن العباءة , وقال في قصيدته الشهيرة مخاطبا المرأة البغدادية : (( اسفري فالسفور للناس صبح زاهر... والحجاب ليل بهيم )) , وبمرور فاصل زمني طويل على اطلاق دعوة الشاعر الراحل , انحسر استخدام العباءة لدى اغلب البغداديات , وعندما التحقنا بالدراسة في جامعة بغداد مطلع السبعينات , كانت هي المرة الأولى التي نعيش فيها تجربة الأختلاط بين الجنسين , كان السفور هو السائد بين مجايلاتنا من بنات بغداد اللائي زاملننا في الدراسة , وكان قسم منهن يأتين الكلية وهن يرتدين العباءة البغدادية الا ان العرف الذي كان سائدا تلكم الأيام هو أن يخلعن العباءة ويضعنها في مكان مخصص في الأستعلامات , ويدلفن الصفوف وهن سافرات , يحملن بهجة كل ذلك الزمن الجميل , وكان البعض منا يتندر على مرتديات العباءة عندما يصادفوهن خارج الكلية ويطلقون عليهن لقب (( أم الباراشوت )) .

كانت جدّاتي وأمّي وخالاتي وعمّاتي , وجاراتنا , يرتدين العباءة البغدادية , من دون قرارٍ حكومي ولا إعلانٍ رسمي , لم يكن ارتداء العباءة يومًا قضية سياسية أو وسيلة لفرض نمط مجتمعي , بل كان خيارًا شخصيًا نابعًا من الذوق والحياء والبيئة الثقافية المحافظة على الرغم من أن حقبة الثلاثينيات والأربعينيات شهدتا دعوة صريحة من بعض الأدباء والمفكرين الى السفور, وتصدرت الواجهة اغاني تقول للنساء (( ذبي العباية )) فما ازدادت أمهاتنا إلا تمسكا بها , لكن ما نشهده اليوم هو محاولات متكررة من بعض القوى السياسية لتحويل الرموز الاجتماعية إلى أدوات إيديولوجية , تفرضها تارة باسم الأصالة , وأخرى باسم الهوية , دون أن تدرك أن القيم الراسخة لا تحتاج إلى قرارات تُنزل من فوق, بل إلى قدوة يحترمها الناس .

يقولون أن عباءة الرأس النسائية العراقية سومرية الأصل , وامتد لبسها حتى العصر البابلي في العراق , اما في العصر الاشوري فقد كان الحجاب واجباً ويُحاسب عليه القانون , وتوضح الرسوم الجدارية نساء بابليات يلبسن العباءة وهن راكبات عربة , الا انه من المؤكد ان أصل العباءة العراقية يعود إلى ما قبل سقوط بغداد 1258 للميلاد وانهيار الدولة العباسية على يد المغول , حيث عاث الجنود المغول ببغداد السوء بمشهد لا يختلف عما فعله الأميركيون قبل سنوات قليلة , وعرفت النساء البغداديات بالعباءة كملابس للفخر وعلامة على حسن الحالة المادية , وكانت بيضاء مطرزة , وهكذا درج عليها الناس , إلا أنها تحولت إلى اللون الأسود بعد سقوط بغداد على يد المغول , حزناً من نساء بغداد على مدينتهم التي أحرقت , وبقي السواد ملازما للعباءة حتى يومنا هذا , ولعل سر بقائها بهذا اللون هو انحباس الفرح عن الناس هناك مذ ذلك الحين , وعنها كتب الشعراء , وتغنى بها المطربون بأغان شعبية , منها (( يم العباية حلوة عباتج )) , فالعباءة العراقية بلونها الأسود , وشكلها المميز اللذين يمنحانها هيبة وجماليّة خاصة , يجعلانها تختلف عن باقي العباءات , وهي ما زالت تقاوم الحداثة , وتحافظ على شكلها وتاريخها وتثبت وجودها في بعض مدن الجنوب والمناطق الشعبية والريفية.

فوجئنا بقرار مجلس محافظة بغداد, اعتماد (( العباءة الزينبية )) لباساً رسمياً في العاصمة العراقية , وأن ذلك يأتي لتعزيز الاحترام والوقار والحشمة , خاصة داخل القاعات الامتحانية , وحالا خرجت عدة تأويلات لدى المدونين في مواقع التواصل , حول فرض الحجاب والزي الديني على جميع النساء في العاصمة بغداد, وعلى من يزور العاصمة , مثل ما يحدث في المحافظات والمناطق الدينية المقدسة , لكن القضية أكبر من ذلك , هي قضية منهج فكري يراد تعميمه واجبار الناس على تبنيه باستخدام سطوة السلطة وقوانينها , وفرضها على المختلفين مع هذا المنهج , وهو الاسلوب الذي أستخدمه وطبقه الظلاميون في مناطق سطوتهم عندما كان السلاح بأيديهم والارض تحت اقدامهم , ألا انه عندما يكون العذر أقبح من الذنب , لاحظ التبرير الذي ساقته عضوة المجلس وهو الأصل في القرار, بأن القرار (( يأتي لتعزيز الاحترام والوقار والحشمة )) , مايعنى انه في خارج حدود العباءة الزينبية فكل نساء بغداد بل والعراق لايتمتعن بالاحترام والوقار والحشمة .

الحقيقة هي العقلية التي تقود البلاد , التي انتجت لنا قبل اسابيع قانونا للأحوال الشخصية يعمق الخلافات داخل المجتمع ويطيح بحقوق المرأة والطفل , واليوم العباءة باعتبارها معيارا للشرف , والسؤال :ماذا تخبيء الادراج غداً من قرارات لاتؤدي الا الى قندهار اخرى في المنطقة ؟ هناك من يحاول أن ينزل العتمة على بغداد خصوصا , والعراق عموما , ويصادر هوية بغداد المتحضرة المدنيه , ان الاهتمام المفرط بالمظاهر الشكلية هو في الغالب تعبير عن خواء داخلي أو غياب للجوهر, فحينما يفرغ الخطاب من القيم الحقيقية , كالعدل والحرية والكرامة والمواطنة , يتم اللجوء إلى القشرة في اللباس , والمظهر, واللافتات , والشعارات , وأن بغداد , المدينة التي تعايشت فيها المدارس الفقهية , واختلط فيها الحبر بالعطر, والتكايا بالمقاهي , لن تكون يومًا نسخة من قندهار , ولا ظلاً لقم , لأنها كانت وما تزال مدينة تنبع قيمها من تنوّعها , وتستمد قوتها من الاعتدال لا من الفرض , كما ان تطرف النخب السياسية , في أي اتجاه كان , سيقابله دومًا تطرف مجتمعي مضاد, فكلما تم تضييق الخناق باسم (( الالتزام )) , تزايدت ردود الفعل باسم (( التحرر)) , والمحصلة أن المجتمع ينشطر بين من يبالغ في التشدّد , ومن يبالغ في النقيض , فيما تضيع المساحة الوسط التي كانت تميز بغداد , وتحفظ توازنها الفريد بين الحداثة والتقاليد .

صباح الزهيري .







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة جبر الخواطر .
- مقامة فتوى الجلد .
- مقامة صرخة وطن .
- مقامة العتاب .
- مقامة الأسكافي .
- مقامة البصرة .
- مقامة تكريم كريم .
- مقامة الطيور .
- مقامة المصطلم .
- مقامة النداوة .
- مقامة دين ابن عربي .
- مقامة الجزع .
- مقامة المطارف و الحشايا .
- مقامة يا أمة ضحكت .
- مقامة إلا الزلق .
- مقامة توقيت الأنسحاب .
- مقامة القوة الناعمة .
- مقامة حمار بوريدان .
- مقامة صبر النائبات .
- مقامة الموتات الأربعة .


المزيد.....




- فنانة لبنانية شهيرة ترد على منتقديها بعد رسالتها إلى أفيخاي ...
- شاما والجو فنانان يعيدان إحياء الثرات المغاربي بلمستهما الخا ...
- فنانة شهيرة توجه رسالة إلى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي حول ...
- فنانة شهيرة توجه رسالة إلى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي حول ...
- مكتبة الحجر: كيف تروي محمية الدبابية المصرية قصة مناخ الأرض ...
- ظهور سينمائي مفاجئ.. تركي آل الشيخ ينشر فيديو -مسرب- لزيزو ب ...
- نقابة الفنانين تنعى الفنانة غزوة الخالدي
- ” اضبطها وشوف أفلام العيد” تردد قناة روتانا سينما الجديد 202 ...
- توم كروز يدخل -غينيس- بمشهد مرعب في فيلم -المهمة المستحيلة - ...
- أوبرا دمشق تنتظر تغيير اسمها الرسمي وعودة نشاطاتها الدورية


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة العباءة .