أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صباح حزمي الزهيري - مقامة التفاوض .















المزيد.....

مقامة التفاوض .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8383 - 2025 / 6 / 24 - 03:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقامة التفاوض :

عام 1994 اثناء فترة الحصار على العراق تم نقلي الى قسم ألأميركيتين في الوزارة , وهو من أنشط ألأقسام الفاعلة آنئذ بحكم ماكنا نواجهه من مصاعب خارقة من أخوة يوسف وبني صهيون والأمبريالية المتوحشة , كان التوجيه هو السعي لأيجاد قنوات تواصل ممكنة لتبادل وجهات النظر على الأقل , وفعلا كنا ننجح بالأتصال بشخصيات أميركية نافذة ومتعاطفة مع وضع شعبنا , وحين تتخذ العلاقة شكلا مهنيا لتشكل بداية قناة حوار جادة , كنا نقوم بالكتابة الى رئاسة الجمهورية لأطلاعهم على تفاصيل خطواتنا وأستحصال الموافقة على الأستمرار , لنفاجيء بكتاب توبيخ شديد وأعتبار ماقمنا به تصرف خارج حدود سياسة الدولة العليا , وليصدر على أثرها توجيه من مدرائنا بترك هذه التحركات والأتصالات , ألا اننا نتفاجيء بعد حين بكتاب من صانع القرار يسألنا عما توصلنا اليه في اتصالاتنا بالمقربين من الأدارة الأميركية , ولماذا نحن خاملون ؟ فنقوم بعدها بتحريك مصادرنا مرة اخرى , وسرعان ماننجح كما بالسابق , ولنعاود نفس الدورة من صد كل المحاولات وطرد موفدي قنوات الأتصال , وتوبيخنا لدرجة ان قسم من المسؤلين اتهمونا بالعمل مع المخابرات ألأميركية , وكأننا لم نكلف بذلك من قبل اعلى سلطة .

يمكنني الآن وبعد مرور كل هذه السنوات أن أعدد عشرات القنوات التي تم تأسيسها والتي أجهضت من قبل من تأسست القناة لحفظه وأنقاذه مع بلده , وأنني الآن أوعز كل تلك الكراهية والحقد ورفض التعامل مع القوى التي كانت تحكم العالم التي يحملها جيلنا الى ذلك التثقيف الذي قررته علينا أحزابنا الوطنية اليسارية والقومية , بحيث أصبحنا نرى اي علاقة معهم خيانة للبلد , قادني ذلك لأتسائل الآن عن مستقبل الحوار ألأسرائيلي ألأميركي الأيراني المسدود الآفاق كما يبدو , والناتج عن نفس التجارب التي مر العراق بها , أضافة الى حقيقة التساؤل : كيف سيكون شكل التفاوض بين (( اليهود الصهاينة )) وبين (( الايرانيين )) ؟ اليهود الذين فاوضوا الله في بقرة , والايرانيين بصبرهم التاريخي المبني على الانتظار والتقية وسياسات حياكة السجاد الطويلة , وكما كتب احد الأصدقاء (( فاليهود الصهاينة سيبزّعون الايرانيين بالأسئلة والايرانيون سيفاوضون على الزمن , سيبتسمون في نهاية كل جلسة ويؤجلون في كل مرة ثم بالأخير سيكتبون معاهدة من ألف صفحة وبمدة تنفيذ لمئة عام , فهما قد إستمتعا بالتفاوض أكثر من الوصول الى نتيجة ...هاي إذا تفاوضوا )) .

عند الحديث عن احتمالية التفاوض بين )) اليهود الصهاينة (( و)) الإيرانيين (( ندخل في منطقة شديدة التعقيد والتفرد , حيث تتشابك الروايات التاريخية العميقة مع العقائد الدينية الراسخة والتوجهات السياسية طويلة الأمد , هذا ليس مجرد لقاء بين طرفين سياسيين , بل هو صدام ثقافات وتواريخ يرى كل طرف فيه نفسه ممثلًا لحقائق أزلية , ويمتلك الطرفان خصائص تميزهما في أي عملية تفاوضية , فاليهود , وبخاصة من منظورهم الديني والتاريخي , يُعرفون بتمسكهم الشديد بما يعتبرونه حقوقًا ثابتة , وبقدرتهم على التفاوض الدقيق والمطالبة بكل تفصيل , تشير الرواية الدينية عن تفاوض بني إسرائيل مع الله بشأن البقرة إلى طبيعة تميل إلى التدقيق والمطالبة بالوضوح والتفاصيل الدقيقة , حتى في الأمور التي تبدو بسيطة , هذا يمكن أن ينعكس في المفاوضات السياسية على شكل إصرار على كل بند وتفصيل , وعدم التنازل بسهولة عن أي نقطة يعتبرونها جوهرية لحقوقهم أو أمنهم , قد يبدون حازمين وربما غير مرنين في بعض الأحيان , مستندين إلى ما يرونه إرثًا تاريخيًا ودينيًا لا يمكن التفريط فيه.

في المقابل , يتميز الإيرانيون بصبرهم التاريخي الطويل , وهو صبر مبني على عقيدة (( الانتظار )) (مثل انتظار المهدي) وممارسة (( التقية )) كاستراتيجية للحفاظ على الذات والاستمرار , هذا الصبر لا يعني الضعف , بل هو قدرة على التخطيط طويل الأمد , وتحمل الضغوط , والمراوغة بذكاء , هم ليسوا عجولين في الوصول إلى حلول , وقد يكونون مستعدين لسنوات طويلة من المفاوضات , مع تغيير التكتيكات بمرونة دون التخلي عن الأهداف الاستراتيجية , وقد تسمح (( التقية )) لهم بتقديم تنازلات ظاهرية في سبيل تحقيق مكاسب أكبر على المدى البعيد , مما يجعلهم خصومًا تفاوضيين غير متوقعين وقد يصعب قراءة نواياهم الحقيقية.

إذًا , كيف يمكن أن يكون شكل هذا التفاوض؟ معركة إرادات وصبر: سيكون التفاوض معركة إرادات بين إصرار الصهاينة على (( حقوقهم )) وتأكيداتهم الأمنية , وبين صبر الإيرانيين وقدرتهم على المناورة الطويلة , وسيركز الصهاينة غالبًا على التفاصيل الدقيقة والضمانات الفورية والقابلة للتحقق , بينما سينظر الإيرانيون إلى الصورة الأكبر والأهداف الاستراتيجية التي يمكن أن تتحقق على مدى عقود , وقد تكون المفاوضات الإيرانية مليئة بالإشارات والرسائل الضمنية , في حين سيسعى الطرف الصهيوني إلى الوضوح والصراحة في كل بند , هذا التباين قد يؤدي إلى سوء فهم أو شعور أحد الطرفين بأن الآخر غير جاد , ولن تكون هذه المفاوضات مجرد عملية سياسية بحتة , بل ستتأثر بشدة بالروايات الدينية والتاريخية لكل طرف , مما يجعلها أكثر تعقيدًا وحساسية , كما ستلعب القوى الإقليمية والدولية دورًا حاسمًا في توجيه هذه المفاوضات , وقد تكون هي المحرك للتوصل إلى أي تفاهمات , نظرًا للصعوبة الجوهرية في التقريب بين وجهات النظر المتباينة جذريًا.

لعلّ في التاريخ اليهودي ما يعكس هذا الإصرار, فقدرتهم على الصمود والبقاء عبر القرون , رغم الشتات والاضطهاد , ليست سوى دليل على تمسكهم بالهوية والحقوق , التفاوض لديهم ليس مجرد أداة سياسية , بل هو امتداد لرحلة طويلة من المطالبة بالوجود والحفاظ على الذات , هم يبنون حججهم على نصوص وموروثات عميقة , مما يضفي على موقفهم ثقلًا تاريخيًا ودينيًا , وكذلك فلسفة الصبر في الثقافة الفارسية هذا الصبر الإيراني ليس وليد اللحظة , بل هو متجذر في عمق الثقافة الفارسية التي طالما واجهت الغزاة والشدائد , فخرجت منها أقوى , إنهم يدركون أن (( الأيام دول )) , وأن الزمن كفيل بكشف الحقائق وتغيير الموازين , في هذا السياق , يمكن أن نتذكر قول الشاعر الفارسي الكبير حافظ الشيرازي الذي يجسد هذه الروح : (( يا قلبُ صَبراً عَلى ما كانَ مِن قَدَرٍ فَلا يُدْرِكُ الوَطَرَ مَن لم يُدْرِكِ الصَّبْرَ)) ,هذه الأبيات تعكس فلسفة عميقة مفادها أن الصبر هو مفتاح تحقيق الأهداف , وأن العجلة قد تودي إلى الفساد , هذه العقلية ستظهر بوضوح في أي مفاوضات , حيث لن يسارع الإيرانيون إلى إغلاق الصفقات دون التأكد من تحقيق مصالحهم الاستراتيجية على المدى البعيد.

قد يجد كلا الطرفين أنفسهما في موقف حرج , حيث يتعارض التمسك الأعمى بالعقيدة والروايات التاريخية مع ضرورات الواقعية السياسية , فاليهود الصهاينة , رغم إصرارهم يدركون أن العالم يتغير وأن القوة وحدها لا تكفي , والإيرانيون , رغم صبرهم وتقيتهم , يواجهون تحديات اقتصادية وسياسية داخلية وخارجية قد تدفعهم نحو بعض المرونة , السؤال هنا ليس من سيكسر إرادة الآخر, بل من سيتعلم كيفية قراءة الآخر والتكيف معه بطريقة تحقق الحد الأدنى من المصالح لكلا الطرفين , وفي النهاية , أي تفاوض بين هذين الطرفين سيكون اختبارًا حقيقيًا للدبلوماسية العالمية , ومدى قدرتها على التوفيق بين تطلعات دينية وسياسية متجذرة بعمق في التاريخ والثقافة, هل يمكن للمفاوضات أن تتجاوز هذه الحواجز, أم أنها ستظل محصورة في صراع الهويات؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي ستكشفه الأيام.

صباح الزهيري .



#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة المرارة .
- مقامة الأقنعة .
- مقامة نبوءة القبانجي .
- مقامة القنبرة .
- مقامة الملك الفيلسوف .
- مقامة ترانيم ساجدة الموسوي .
- مقامة المهزلة .
- مقامة تقدير الموقف .
- مقامة البخلاء .
- مقامة البزرنكوش .
- مقامة الأعتذار .
- مقامة الفاصوليا .
- مقامة الوسوسة .
- مقامة العشعشة .
- مقامة الساكن و المتحرك .
- مقامة الشاعرة .
- مقامة الثايات .
- مقامة العباءة .
- مقامة جبر الخواطر .
- مقامة فتوى الجلد .


المزيد.....




- 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب في إيران -تحيّر غروسي-
- -حرب القمامة- في كولومبيا.. عقاب قاس من جامعي النفايات
- فرق الإطفاء تواصل محاولات إخماد الحرائق في جزيرة خيوس اليونا ...
- ترامب يسعى لإغلاق ملف الحرب الإيرانية بنهاية درامية.. هل ينج ...
- نتنياهو وبزشكيان يشيدان بإنجازات بلديهما -التاريخية- في الحر ...
- القسام تعلن استهداف دبابة بعد تنفيذها كمينا آخر مركّبا في خا ...
- إيران تحتشد في ساحة الثورة وتؤكد صمودها في وجه التحديات الإس ...
- إسرائيليون يعتبرون نتنياهو -ملك إسرائيل- وآخرون يرونه خطرا ع ...
- هكذا خططت إسرائيل لقتل الفلسطينيين في نقاط توزيع المساعدات
- ما بعد الحرب.. إيران في مواجهة اختبار الداخل وإعادة التموضع ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صباح حزمي الزهيري - مقامة التفاوض .