أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - مزايا الانكسار في نص (لا تقتلوا الأحلام) للشاعرة اللبنانية سامية خليفة















المزيد.....

مزايا الانكسار في نص (لا تقتلوا الأحلام) للشاعرة اللبنانية سامية خليفة


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 8381 - 2025 / 6 / 22 - 22:15
المحور: الادب والفن
    


أولًا:
وأنا اتابع، بشغف، ما تكتبه الشاعرة اللبنانية سامية خليفة، من نصوص شعرية، وتنشرها على الصفحات الثقافية لبعض الصف المحلية، وكذلك المواقع الإلكترونية، من نصوص كثيرة، كنت اتابع هذا عن قرب، وقد راق لي هذا النص الشعري، من بين نصوص كثيرة، والذي عنونته الشاعرة خليفة، تحت عنوان "لا تقتلوا الأحلام" فارتأيت أن أحلله بهذا الكلمات البسيطة، والجُمل الأكثر بساطة، وهي وجهة نظر متواضعة، لعلها لا ترق للبعض وقد تروق لآخرين.
ثانيًا:
النص الذي بين يديّ يفيض بالشجن ويخاطب عمق الوجدان الإنساني من خلال صور رمزية كثيفة تنقل مشهدًا من الألم الجمعي والخذلان القاسي الذي تتعرض له الأرواح الحالمة في بيئة قمعية خانقة. يبدأ النص بصور المطر والرعد، لكنه سرعان ما يكشف أن ما نزل لم يكن سوى دمع من عيون ذابلة، وما سُمِع لم يكن صوت الطبيعة بل ارتطام الخذلان المتكرر في صدر من بقي يحلم. تتهاوى الطيور في هذا المشهد، لا ككائنات مجنحة فحسب، بل كرموز لكل من حاول أن يحلق بعيدًا فكسرت أجنحته قبل أن يبلغ الحرية، وكل من لامس الحنان يومًا ثم أدرك أنه لا يكفي لمداواة جراح الطيران المحطم. يبكي القمر، ويمنح منديلاً من الغيمة، وكأن الكون ذاته يواسي الفقد، لكن الحزن لا يبرح المكان، والطيور تتساقط، ولا تجد إلا جثثًا متفحمة، والحرية غائبة، بل مختنقة، وكأن الحلم نفسه لم يعد يجد هواء يتنفسه. "إلا دفق هطول دمع" حين يختفي القمر ويذوب، لا يترك سوى دمعة سوداء على منديل غيمة بيضاء، مشهد بديع في تشكيله البصري لكنه مرير في دلالته الرمزية، فهو يوحي بأن حتى الضوء، حين يغادر، لا يترك خلفه إلا أثرًا من سواد.
وتستمر الصور في التأرجح بين الحزن والرمز، لتتحدث عن الصور المبللة، الآيلة للأفول، وكأنها ذاكرة الشعوب المنهكة التي بدأت تتلاشى، تلك الشعوب التي صارت مجرّد ظلال، لا أجساد لها، مهمشة، لا صوت لها، مهزوزة، لكنها ما تزال تنام على رجاء أن يمتد الحلم يومًا ليعيد إليها نبض الحياة. وبين اهتزازات الأيادي المرتعشة ونبض القلق، ثمة بطانة من أمان زائف، يحاول الإنسان بها أن يتشبث بأمل قديم. وفي النهاية، وعلى الرغم من هذا المدّ القاتم من الصور، يطل النص بنداء بسيط عميق: لا تقتلوا الأحلام. هو ليس مجرد رجاء، بل مقاومة ناعمة، ترفض مصادرة الحلم، لأنه آخر ما تبقى في بلادي من حياة. الجملة الأخيرة تمثل ذروة المعنى في النص كله، فالحلم هنا لا يعني التمني فقط، بل هو الحرية، والكرامة، والهوية، والقدرة على أن نكون. بتوضيح أكثر، النص شديد الكثافة، لغويًا ووجدانيًا، يعتمد على لغة تصويرية مفعمة بالإيحاء والرمز، تجعله أقرب إلى قصيدة نثرية ذات بعد سياسي واجتماعي، دون أن يفقد تماسّه بالبعد الإنساني العميق.
ويُعدّ النص في عمقه دعوة للمقاومة المستمرة، للتشبث بالحرية والحلم رغم كل القهر، رغم كل الانكسارات. هو اعتراف بالواقع المرير، لكنه في الوقت ذاته تأكيد على أن الأمل لا يموت ما دامت الأحلام حية. هذا المزيج من الألم والأمل يجعل النص قويًا ومؤثرًا، ينقل للقارئ تجربة إنسانية عميقة ومؤلمة لكنها في النهاية تحمل بصيص نور في الظلام.
وفضلًا عما ذكرنا، النص يتنفس حالة من الحزن الكثيف الذي يمتزج بالخذلان، لكنه في الوقت ذاته يحمل رغبة خفية في الانتصار. الأمطار التي لا تمطر إلا دموعًا ليست مجرد حالة طبيعية، بل هي استعارة لطبيعة الواقع الذي لا يغذي ولا يثمر، بل يغمر بالوجع. هذا الحزن الذي ينهمر من "عيون ذابلة" يشير إلى حالة من الجفاف الروحي والإنساني، حيث تتلاشى الحياة تدريجيًا مع كل دمعة. "إلا صوت الخذلان/ يترنّح في نشيج".
وبالتالي، الرعد، الذي عادة ما يكون صوت قوة الطبيعة وانفجارها، هنا يصبح صوت الخذلان، كما لو أن كل طاقة وانفجار متوقعة تحولت إلى خيبة وانكسار. النشيج المتناثر في الطيور التي تكسرت أجنحتها يعبّر عن فشل الأحلام في الانطلاق، عن رغبات مقيدة لم تجد سبيلها إلى الحرية.
عندما تسقط الطيور جثثًا متفحمة، فهذا يعني أن الحرية قد ذهبت إلى موت حقيقي، ليس مجازيًا فقط. اختناق الطيور دليل على الحصار والخنق، على قمع الحريات التي لا تستطيع أن تتنفس أو تتحرك. هذا اختناق يتسرب إلى كل أركان الحياة، حتى القمر الذي يمثل الأمل يختفي ويذوب.
في جانب آخر، الصور المبللة التي يجففها النور وتحولها إلى صبر تعكس معركة داخلية بين الألم واليأس من جهة، والإرادة والتشبث بالحياة من جهة أخرى. الشعوب المهمشة التي أصبحت ظلالًا بلا أجساد تعبر عن فقدان الوجود، عن اختفاء الهوية والكرامة، عن تحول الإنسان إلى مجرد ظل في عالم صار قاسيًا لا يرحم " هي صور الشعوب المهمشة".
الاهتزازات والأيادي المرتعشة التي تغطي القلق بطبقة من الأمان المزيف تحكي عن خوف الناس من الواقع، ومحاولتهم المستميتة للحفاظ على بعض الاستقرار حتى لو كان زائفًا، خوفهم من مواجهة الحقيقة المرة.
النهاية التي تحمل نداءً صريحًا للحفاظ على الأحلام، وعدم قتلها أو سجنها أو مصادرتها، هي بمثابة صرخة تمرد ضد القهر، ودعوة للحفاظ على الروح الإنسانية التي لا يمكنها أن تعيش بلا أمل. الحلم هو نبض الحياة، وهو القوة التي يمكنها أن تعيد الحياة للطيور والقمر، أي للأمل والجمال " لا تجعلوا الأحلام في بلادي مصادرة".
ثالثًا: النص-
(لا تقتلوا الأحلام)
*سامية خليفة
ما أمطرت
ما ذاك الذي انهمر
إلا دفق هطول دمع
من عيون ذابلة
ما أرعدت
ما ذاك الذي انفجر
إلا صوت الخذلان
يترنّح في نشيج
الطيور التي
تكسرت فيها الأجنحة
منحت أصابع الحنان
تمسد الآلام
القمر الباكي
منح من الغيمة منديلا
الطيور تساقطت
وجدت جثثا متفحمة
هي لم تعثر على الحرية
فاختنقت
القمر اختفى
ذاب
ترك من بقاياه دمعا أسود
على منديل غيمة بيضاء
الصور المبللة
الآيلة للأفول
جففها النور
مدها بالصبر
هي صور الشعوب المهمشة
صارت ظلالا بلا أجساد
اهتزازات الأيادي المرتعشة
غطت القلق ببطانة الأمان
نام وهو يردد
الحلم سيحيي الطيور
سيحيي القمر
فلا تقتلوا الأحلام
لا تسجنوها
لا تجعلوا الأحلام في بلادي مصادرة.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأخلاق بين كانت وماركس: صراع المبادئ والمادة
- المشكلة ليست في الدين انما في رجال الدين
- الإرهاصات الدامية في قضية (حسبي من الشعر الشهيّ) للشاعر وليد ...
- البُعد العاطفي والنفسي في قصيدة (أوراق مُعادن) للشاعر علي ال ...
- الأسى وسطوة الفقد في نص (قشعريرة نبض) للشاعرة سوسن يحيى
- الذات والهوية في نص (ليسَ غريباً عني) للشاعرة رجاء الغانمي
- المُسحة الجمالية في (ارهاصات أنثى) للشاعرة ورود الدليمي
- الاغتراب النفسي في أغنية (مرينة بيكم حمد) للكبير ياس خضر
- رواية العمى: فلسفة انهيار المبادئ والقيّم
- الترابط والموضوعية في مجموعة (تاتو) للقاصة تماضر كريم
- النسق وبناء النص عند الشاعرة فراقد السعد
- عشرة كتب غيّرت قناعاتي الفكرية والمعرفية1/ 10
- الجزالة والبُعد الوجودي في (مرايا البحر) للشاعرة السورية هوي ...
- مفهوم الدين عند فويرباخ 1/ 2
- هل الكتابة ابتكار؟
- شعاع ابيضّ - نافذة سوداء تأسيس لسمو الإنسان للقاص حميد محمد ...
- الدهشة والمفارقة في (وجه أزرق) للقاص عبد الحسين العبيدي
- خالد القطان-إلى المنفى أو تقويم الأحزان
- النزعة الوجودية عند دوستويفسكي
- البناء النصي في مجموعة (تحت صواري ديسمبر) لزينب التميمي


المزيد.....




- فرقة موسيقية بريطانية تؤسس شبكة تضامن للفنانين الداعمين لغزة ...
- رحيل المفكر السوداني جعفر شيخ إدريس الذي بنى جسرًا بين الأصا ...
- -ميتا- تعتذر عن ترجمة آلية خاطئة أعلنت وفاة مسؤول هندي
- في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي ...
- -بعد 28 عاما-.. عودة سينمائية مختلفة إلى عالم الزومبي
- لنظام الخمس سنوات والثلاث سنوات .. أعرف الآن تنسيق الدبلومات ...
- قصص -جبل الجليد- تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخسارات
- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - مزايا الانكسار في نص (لا تقتلوا الأحلام) للشاعرة اللبنانية سامية خليفة