أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - الأسى وسطوة الفقد في نص (قشعريرة نبض) للشاعرة سوسن يحيى














المزيد.....

الأسى وسطوة الفقد في نص (قشعريرة نبض) للشاعرة سوسن يحيى


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 8368 - 2025 / 6 / 9 - 14:01
المحور: الادب والفن
    


(1)
النص يدور حول رثاء الأم والتعبير عن ألم الفقد والاغتراب الوجودي بعد رحيلها. تتجلى مشاعر الشوق، والانكسار، ويبدأ الاحساس بالضياع، والتساؤل الوجودي في نبرة النص. الشاعرة تستحضر الأم كرمز للحنان والأمان، ولذلك الحضن الدافئ، ومع غيابها، تتهشم المعاني، وتفقد الحياة توازنها، وينطفئ رونقها.
(2)
والنص عموما، يشكل ظاهرة مستديمة في عالم الأدب الحديث، كنص نثري، حيث قصيدة النثر أصبحت لها عالمها الخاص، فهي كقيمة أدبية، عوالم قائمة بذاتها، ولها من يؤيدها ويكتبها برمزيتها.
وعندما سُئل الناقد الكبير عبد الله القذامي، عن قصيدة النثر، قال بالحرف الواحد :"قصيدة النثر أصعب أنوان الشعر، واتذوقها وأفرح بنصوصها. لكنني لأم أنتقدها حتى الآن احتراما لهيبة النص، وخوفا من ظلم التجربة".
(3)
في كتابي النقدي "نكهة المعنى" بينتُ: إن الشاعر دائمًا ما يتعامل بالخيال، فالذي يمتلك خيالاً واسعًا، وحسا مرهفا، وغير ذلك مما هو معروف عن الشاعر، قديما وحديثا، لذلك تجده اكثر ابداعًا من سواه، اعني ممن يتعامل بالتأمل والخيال وبالعاطفة، ونستطيع أن نقول: هو عكس العالم والفيلسوف، وعكس الانسان المنتج، كالعامل والصانع، وبمعنى غير هذا المعنى، إنّ الشّاعر ادواته الخيال، ودائمًا ما تجده محدقا بالنجوم، ويعشق الليل، لأن الليل يصفّي ذهن الشاعر، مما تتكدس في مخيلته الهموم والاشجان وكذلل الحنين، ومن هتين الحالتين يبدأ ببث ولواعجه وشكواه، وعتبه على الزمن الذي فرقه عن الأحباب والأهل والأصدقاء، كإن، مثلا، يعيش في غربة، في مدن نائية، تجد الشاعر ديدنه وسلوته الشعر- غالبا، فالشعر هنا يكون هو الصديق الاقرب للشاعر، يجلس معه ويحاوره، واحيانا يتناول معه كأس الطلا، فهو بمعنى نديمه الذي لا يمله ولا يسأم من جلسته واحاديثه.
(4)
نلاحظ، نبرة الحزن طاغية على الجو العام، النص يبدأ بلغة مغموسة في الأسى والمرارة، "علقمٌ حرفي" - تشبيه مباشر يجسد كيف أصبح الحرف مرًا، دليلًا على شدة الألم، وقسوة التجربة. النداء واليأس: "أتسمعين يا أمي؟" - نداء مستحيل، ينم عن رغبة جامحة في التواصل مع الغائب، أي الأم - الكيان الذي هو سمة من سمات الروح.
فالنص يفيض بصور فقدان البوصلة، الضياع الوجودي، وشح الأمان، وهو ما يتكرر عبر الصور المجازية مثل: "تيه الأبجدية"، "شرود المعاني"، "ضاعت بوصلة الدرب".
وهنا، صور مركبة ومكثفة: "يسقيه النسيان" – النسيان يُشبه بمشروب مُر، مما يضيف بعدًا حسيًا للحزن. "اقشعرّ نبض البحر" – تجسيد البحر وكأنه كائن حي يتفاعل مع مشاعر الشاعرة، مما يضخم حجم الأسى. "شرود الألحان"، "زمهرير حرماني" – كل صورة تحمل مفردات شعورية قوية، تربط بين الموسيقى والبرد، في استعارة عن قسوة الفقد. لغة انسيابية لكنها متقطعة بالشجن: تعتمد على التوازي أحيانًا "عزاءٌ وانتحابٌ"، "شرود المعاني وتيه الأبجدية" مما يكرّس التكرار الدرامي للوجع.
"يا سجدة السنا" و"عودة الصبح لدجنة الأحضان" -استعارات روحية توظف رمزية النور/ الصبح كخلاص، والأم كصلاة/ رجاء، مما يضفي بُعدًا صوفيًا للتجربة. أيضًا "ومن يغفر لقصيداتي" يوحي بتأنيب ذاتي، كأن الحزن ذاته خطيئة يبحث عن غفرانها.
و دلالات المكان تكمن في: "المدن"، "الأوطان"، "الفلاة" – تتحول الأم إلى مركز وجودي، وغيابها يؤثر في الأشياء من حول الشاعرة: الأماكن تفقد معناها، والوطن يصبح بلا اسم، دلالة على عمق الفراغ الذي خلّفه الفقد.
(5)
إلى أن تختتم الشاعرة سوسن يحيى نصها بصورة ملحمية عن تفاعل الطبيعة مع الألم الإنساني: "ذابت أمواجه بين براكين لوعتي وزمهرير حرماني" - البحر يتماهى مع الذات الحزينة، ليمثل أقصى درجات التأثر. وهي بذلك تختصر الشجن بها النص الذي عبّر عن حزن مكبوت، ازاء الأم – الفقيدة، بهدف تخفيف وطأة الفراق الذي حز بنفسها.
(6)
النص:
علقمٌ حرفي
كصمتٍ
يطعم الفلاة مر الصبر
وينادي الهزيع
بأنين نخبٍ
يسقيه النسيان
وعيدي عزاءٌ وانتحابٌ
تنعيه قوافي الهجر
وتبكيه شرود الألحان
وصدى مريبٌ
بغتالني
أ تسمعين ياأمي
هدير الشوق المضمخ
بهذيان الشعر والأشجان؟!
أَ فراقٌ هذا
ام خرائبٌ للمنايا
في دمي
يرعبُ وحشتي كإملاقٍ
في عزلةٌ الأمان
كم بليت برزايا الفقدِ
دهورا
ورحيلكِ أدهى
مابلاني به الزمان
يا سجدة السنا
ارجو بها عودة الصبح
لدجنة الأحضانِ
ومن يغفر لقصيداتي
النائحات نشيجها
وبوح سرها المدانِ
يالجمودِ الصبر
في لغتي
وتيه الأبجدية
وشرود المعانِ
يالغربة عمري الاتي
فقد ضاعت بعد عينيك
بوصلة الدرب والأمان
وشاخت ملامح المدن
واغتيلت أسماء الأوطان
وغاصت في دياجبر السهد
اشرعتي وسلمتُ
مقود الروحِ
لربّان الاحزانِ
حتى اقشعرّ نبضُ
البحرِ من دفق أدمعي
وذابت أمواجه
بين براكين
لوعتي
وزمهرير حرماني
*سوسن يحيى



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذات والهوية في نص (ليسَ غريباً عني) للشاعرة رجاء الغانمي
- المُسحة الجمالية في (ارهاصات أنثى) للشاعرة ورود الدليمي
- الاغتراب النفسي في أغنية (مرينة بيكم حمد) للكبير ياس خضر
- رواية العمى: فلسفة انهيار المبادئ والقيّم
- الترابط والموضوعية في مجموعة (تاتو) للقاصة تماضر كريم
- النسق وبناء النص عند الشاعرة فراقد السعد
- عشرة كتب غيّرت قناعاتي الفكرية والمعرفية1/ 10
- الجزالة والبُعد الوجودي في (مرايا البحر) للشاعرة السورية هوي ...
- مفهوم الدين عند فويرباخ 1/ 2
- هل الكتابة ابتكار؟
- شعاع ابيضّ - نافذة سوداء تأسيس لسمو الإنسان للقاص حميد محمد ...
- الدهشة والمفارقة في (وجه أزرق) للقاص عبد الحسين العبيدي
- خالد القطان-إلى المنفى أو تقويم الأحزان
- النزعة الوجودية عند دوستويفسكي
- البناء النصي في مجموعة (تحت صواري ديسمبر) لزينب التميمي
- ماركس.. مؤسس المدينة الاقتصادية
- تولستوي.. اعترافات أم تخبط فكري؟
- ما هي الشيوعية؟
- سلطان العارفين.. الرومي جلال الدين
- بيكون.. الفيلسوف الذي حقق حلم أفلاطون


المزيد.....




- شيرين عبد الوهاب وماجدة الرومي تختتمان مهرجان -موازين- 2025 ...
- عرض فيلم وثائقي عن جون لينون في موسكو الخريف المقبل (فيديو) ...
- انطلاق فعاليات مهرجان -أوراسيا - سينمافِست- الدولي الثاني في ...
- رحلة الفلبينية كويني باديلا من أضواء الشهرة إلى الإسلام
- علماء روس يجرون اختبارات محاكاة زلزالية لنموذج من قوس النصر ...
- مصر .. الفنان صبري عبد المنعم يتجاوز الخطر
- فنان سوري يثير الجدل بعد تعليقه على لقاء وزير الثقافة مع طفل ...
- إيران: المحكمة العليا تؤيد حكم الإعدام ضد مغني الراب تاتالو ...
- كراسي ماري أنطوانيت.. كنوز ملكية تبيّن أنها مزيفة!
- قراءة شاملة لجذور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من منظور المؤر ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - الأسى وسطوة الفقد في نص (قشعريرة نبض) للشاعرة سوسن يحيى