|
هل الكتابة ابتكار؟
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 8344 - 2025 / 5 / 16 - 08:24
المحور:
الادب والفن
عندما يكون الإنسان مبدعًا، مبتكرًا، وببساطة، هذا يعني إنّه مختلف عن باقي البشر، بمعنى آخر أن مسؤوليته ازدادت، في خضم الواقع المُعاش، لأنَّ الكلمة مسؤولية، وعلى المُبدع المبتكر، لا بدًّ أن يعي كيف يضع كلمته، لاسيما إن كانت "الكلمة" شعرًا، لأنّه وقع الشعر في وجدان الناس، أكثر من وقع أي كلمة الأخرى، وطالما دفع الشاعر حياته مقابل تلك الكلمة، لأنها بمثابة الصاعقة، أليس المتنبي العظيم دفع حياته ثمنا بكلمة قالها؛ وذلك حين هدرت دمه بعض القبائل التي نصبت له العداء، بعد أن هجاهم "بكلمة" قالها شعرًا، - وهو الشاعر الضيغم - فوقعت على رؤوسهم كالصاعقة، فتربصوا به، تربص المنون، ونصبوا له كمينا، حتى قضوا عليه؛ ومن الحق أن يُقال عليه شهيد الشّعر، أو شهيد قول الحق، كما قيل بحق سقراط شهيد الفلسفة، لأنّه أيضًا قال قول الحق، فُعدم بالسُّم حيث كان الاعدام بهذه الطريقة عند حكام اليونان. فذهب أولئك الحكام، وانطوت صفحاتهم، وظلَّ سقراط شامخا أبد الدهر بموقفه، وبما تركته من ارث في الاخلاق والتربية، والفلسفة التي اراد بها أن تعي الشعوب، ولا تنطلي عليها سفاسف الطغاة الذين حكموا شعوبهم بالسيف واراقة الدماء. لذا يحق لنا أن نقول: للنصوص الأدبية نكهتها الخاصة بها، وللكتابة طرق متعددة ومتنوّعة، وليست طريقا واحدا فحسب، وما يميّز هذا عن ذلك هو: الأسلوب في لون الكتابة، ومعرفة كيفية الحبكة والتلاعب بإيقاعه الفني، لأنّ الكتابة فن، وفن صعب، و واهم من يرى بأن الكتابة، سهلة المراس ويستطيع كل إنسان اختراق حواجزها السميكة. وقد سقط الكثير بضربة قاضية، حين توهم ذلك – أي سهولة الخوض بغمارها – ففي العقدين الأخيرين من عمر الزمن، ظهرت أعمال روائية وأخرى شعرية، وثالثة مسرحية، وبالتالي كانت أشبه بالبالونات، حيث انفجرت بمجرد احتكاكها بذرات الهواء – إن كان للهواء ذرات – وقد يشاطرني القارئ الكريم بما أدعي، وكذلك المتابع الجيد لما ينشر هنا وهناك. والسؤال المطروح في خضم الحديث: على مَن تقع المسئولية؟ أي مسؤولية هذا النكوص، ومَن هو المساهم فيه؟، وقد يقول قائل: إنّ المسؤول، الأول والأخير، هو الكاتب نفسه، لأنّه أسقط نفسه في بئر متلاطم الابعاد، ولم يستطع الخروج منه؛ حتى لوكان الناقد ومدعيّ النقد له ظهير. وهذا الجواب لا يخلو من مصداقية، فهو وجهة نظر سليمة، وربما صائبة أيضا. ونحن، بدورنا، نرى أنّ مَن يتحمّل المسؤولية الجسيمة، هو الناقد، الناقد الحقيقي الفذّ، الذي أعلن للملأ بأنه متبني قضية النقد(عملية النقد عندنا في العراق أخذت متبنيات مغايرة، وشقّت لها طريق غير لاحْب) ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن النقد مسؤولية كبيرة، وكبيرة جدا، فمن تقع على عاتقه هذه المسؤولية، يجب أن يكون أهلا لها، وإلّا فعليه أن ينسحب قبل أن يضيق به الطريق، وتثقل خطاه، وتتوسع فجوة العبور للضفة الأخرة. ومن باب آخر نحب أن نطرح تساؤل: ماذا يعني أن تكون مختلفا؟، بالفن أو بالأدب، أو حتى في فنون الإبداع الأخرى، كالفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع، وما شاكل ذلك؛ وأحيانا يكون الاختلاف بالمظهر والملبس الخارجي. وببساطة، المختلف: هو الذي لا يشابه طرحه - في الخوض بتلك السّجالات الإبداعية والكلامية الآخرين – بمعنى أكثر، هو إنّ ابداعاته تخرج مغايرة، تماما، لما ينتجه الغير، أي فيه لمسة وميزة في الطرح، وصورة تجسّم ما يكمن في ذهنه إبداعا محضا، خالٍ من تعابير أقرانه، فيمثل نفسه بحيث إذا دققت البصر وامعنت النظر، في جُل ما كتب أو رسم، أو شيد من بنيان ذهني فكري، ستجده يشبه بعضه البعض، ومنه ستجده مختلفا حقا، ومنه أيضا ستدرك، كذلك، أن اعماله مميّزة لا تنتمي إلّا إليه. عندها ستلمس صيغة عمله الذي تطلع عليه لأول مرة، إنّه يعود إلى ذلك الشخص المبدع بعينه، بما لا يتسرب الشك إلى قلبك، وتدور حوله الريبة. والحاقا بكلامنا هذا ترى إن جميع الاطر والأفكار، وكذلك النصوص الأدبية والسّردية، وحتى الفلسفية والعلمية، تخضع للنقد، ويكون النقد على وجهين: ايجابي وسلبي، فالإيجابي يراد منه توضيح الأفكار التي جاءت فيه، وتفسير الغامض منها، إن كان ثمة غموض، أو الملتبس على القارئ المتتبع، بشرط أن لا يتقوّل على الكاتب أو الشاعر أو المؤلف، لأنّ هذا سيخلّ بالمصداقية، التي هي شرط من شروط فلسفة الناقد أو الشارح أو المحلل. أما النقد السلبي فيراد منه – في أغلب الأحيان – الاساءة الى الفكر أو النص أو الكاتب المعني بالأمر، لا غير كما اعتقد. وفي مجمل الكلام؛ النصوص السابحة بالمعنى العميق لا تخشى مخاطر الغرق، طالما كانت وما تزال موقنة من نفسها، وتتحدى معاول الحطام المدجج بالنكوص، فهي تأبى التقهقر والخذلان معًا، فتتقدم للأمام وتشيح ببصرها عن طرق التخاذل، إذ تبقى صامدة صمود الجبال الشاهقة، لا تنحني ولا تلوذ بالخسران، أو حتى تطأطئ رأسها أمام الأعاصير التي توعد بالموت الرخيص. هكذا هو ديدن تلك النصوص، وتلك طباعها وسجيتها، فليس من الغريب بمكان أنْ تصمد تلك النصوص أمام الكم الهائل من الخراب، والدمار المكثّف ازاء الجمال بغرض دك صرحه، وتهديد وجوده، لأنّ وجود هذا الجمال يعني ازاحة القبح، بعد أن تغزوه بعقر داره، وقلعه من جذوره، وبه يتسنى للجمال أن يرتقي سماء التألق، فيشهق المعنى، ويسمو البوح مرتديا قبعة التحدي، حتى تمطر السماء بنصوص باذخة المعنى من لدن المبدع: وهو المطلوب. ونريد أن نتساءل ونجيب، هنا، بخصوص قصيدة النثر، ومما شك يحق لنا هذا، وهو: ما الشيء الذي يميز القصيدة النثرية عن غيرها من الأجناس الشعرية الأخرى؟. وبكل بساطة وبدون لف أو دوران، أو احتيال على واقع الحقائق الملموسة، وهو ما لا يخفى على القاصي والداني من المهتم بالشأن الثقافي العراقي، وسواهم من المتابعين ولهم دراية خاصة. نرى أن هناك ميزات كثيرة ومتعددة، لكن من بينها، ولعل أهمها هي: إن القصيدة النثرية لا تجامل، بمعنى أنّها تتخذ أسلوب الرمز، بعكس القصيدة العمودية، وقصيدة الشعر الحرّ الذي دقّ اساسه بدر شاعر السياب ونازك الملائكة، نقول هذا كالتفاتة عابرة في هذه المقدمة لكتابنا الذي اطلقنا عليه تسمية "الحرث في قاع البوح". وحتى نسد باب من يريد أن يتقوّل على ما نكتبه، نوضّح: بأن النقد الذي نسير على نهجه هو نقد معرفي – هذا الذي بين ايدينا - أي نشرّح النص تشريحًا وفقًا لمنهج معرفي؛ أي أننا نقوم بعملية وغول في استنطاق النص، ونستخرج منه للقضايا الجوانية من التي اشار إليها الكاتب - المبدع اشارة عابرة؛ وهذا النوع من النقد يحتاج إلى دراية معرفية، وعلى الناقد أن يكون مطلعًا على الفلسفة وعلم النفس والاجتماع، وعلم التصوّف، والقضايا الفكرية البحتة؛ وكذلك الكتب النقدية الاكاديمية كي يثري الدراسة التي يخوض في بحرها، بما يؤمّل إليه استيعاب الفكرة التي تكمن داخل النصوص، سواء كانت النصوص شعرية – قصصية أو غيرها، من جوانب الابداع المختلفة. يحلو ليّ أن أطلق على الشعر تسمية لعبة الابداع، كون الشعر ترف فكري يمارسه كلّ من يجد في نفسه هذه اللعبة – الشعر – فالشهر هو ليس كالفلسفة، أو النظريات والبحوث العلمية التي عادة ما تثمر عن نظريات تصب في خدمة الإنسان، وترفع من شأنه كي يواصل وجوده في هذا العالم المترامي الطراف، والمضطرب أحيانا نتيجة عوامل لا نفقه كنهها نحن البشر. عودنا الشعر أن نسبح في بحر الخيال، لنستخرج منه مفردات وجُمل رنّانة، تذهل اللب وتسحر العقل، مما تجعل – هذه الجُمل – من المتلقي أن يشعر بالدهشة، وربما بالذهول، أو بحالة من السرور، أو بالاسى؛ (يُسر المتلقي إن كانت القصيدة عاطفية، أو غزلية تتنعم الجمال، وتصف مفاتن الحبيب والمتعة بقربه. وتشعره الأسى والحزن، إن كانت القصيدة تتحدث عن الفراق، والهجر، والبعاد، والغياب، والفقد، إلخ).
#داود_السلمان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شعاع ابيضّ - نافذة سوداء تأسيس لسمو الإنسان للقاص حميد محمد
...
-
الدهشة والمفارقة في (وجه أزرق) للقاص عبد الحسين العبيدي
-
خالد القطان-إلى المنفى أو تقويم الأحزان
-
النزعة الوجودية عند دوستويفسكي
-
البناء النصي في مجموعة (تحت صواري ديسمبر) لزينب التميمي
-
ماركس.. مؤسس المدينة الاقتصادية
-
تولستوي.. اعترافات أم تخبط فكري؟
-
ما هي الشيوعية؟
-
سلطان العارفين.. الرومي جلال الدين
-
بيكون.. الفيلسوف الذي حقق حلم أفلاطون
-
الإيمان والألحاد- رؤية فلسفية 3/ 3
-
الإيمان والألحاد- رؤية فلسفية2/ 3
-
الإيمان والألحاد- رؤية فلسفية1/ 3
-
نيتشة.. الانسان السوبرمان
-
القلق الإنصياعي في نص(زيف حلم) ل جابر السوداني
-
عدنان الفضلي الشاعر الذي أغوته الساعات
-
المنحى الصوفي في قصيدة (خمرةُ اليقين) للشاعر كريم القيسي
-
ذاتية المعنى.. قراءة في مجموعة (أأقيم على حافة هاوية) للشاعر
...
-
زمكانية النص الشعري.. قراءة في (منذُ زمنِ الانتظار) لـ عبد ا
...
-
الشعر بوصفه لعبة الابداع قراءة في نص (كَسَاحِرٍ يُرَوِّضُ عَ
...
المزيد.....
-
بيبر يكشف حقيقة تعرضه لاعتداء جنسي من طرف ديدي حين كان مراهق
...
-
ضباط القوات المسلحة الإندونيسية سيتعلمون اللغة الروسية
-
-10 قصص عن الحب والموت-.. مسلسل تلفزيوني عن أحداث دونباس
-
بعد غياب 3 سنوات.. توم كروز يعود إلى مهرجان كان بفيلم -المهم
...
-
مهرجان كان السينمائي في دورته الـ78: خمسة أفلام عربية تنافس
...
-
فاز بجائزة -بوليتزر- الأميركية .. مصعب أبو توهة: نحلم بالعود
...
-
نواف سلام بمعرض بيروت الدولي للكتاب: مستقبل الأوطان يُبنى با
...
-
-باريس السوداء-.. عندما كانت مدينة الأنوار منارة للفنانين وا
...
-
رحيل الفنان أديب قدورة.. رائد الأداء الهادئ وصوت الدراما الس
...
-
معرض الدوحة الدولي للكتاب يناقش إشكاليات كتابة التاريخ الفلس
...
المزيد.....
-
اقنعة
/ خيرالله قاسم المالكي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
المزيد.....
|