|
البناء النصي في مجموعة (تحت صواري ديسمبر) لزينب التميمي
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 8331 - 2025 / 5 / 3 - 10:01
المحور:
الادب والفن
النصوص الموغلة بالرمزية العالية، قد لا تعني شيئا، فأحيانا يتهرّب الشاعر ويلوذ بأفياء الرمز بغرض الهروب، (حتى وإن كان بعض الهروب لا يعني الهزيمة) أي الهروب بهدف الهروب- لا غير، لكي ينأى بنفسه عن المسؤولية؛ لكن ومن المفترض أن الشاعر أكثر إقداما وشجاعة من سواه، لأنّه افضل مَن يحمل على عاتقه شرف الكلمة، لأنّه يموسقها قبل الإقدام على نشرها. كما إن السلاسة وتدفق المعاني بلا تكلفة، كل هذا يدل على نضوج الشاعر – الابداعي والمعرفي - وثقته بنفسه، وهو يطرح نصه كخطاب يراد منه اثبات وجود، أي وجوده هو كإنسان يشكّل محورا في ديمومة الحياة؛ "أنا أفكر إذن أنا موجود" كما يقول رينيه ديكارت الفيلسوف الفرنسي. والحال، قلت أكثر من مرة، سواء من خلال كتاباتي، أو من خلال مداخلاتي هنا وهناك: أنني أبحث عن الطابع المعرفي، في أي نص: روائي، قصصي، شعري، مسرحي، وغير ذلك؛ وأضفت أن أي نص من هذه النصوص لا يخلو من الجانب المعرفي، مطلقا، وإلّا فأنّ النص المذكور ليس نصا إبداعيا، وإنما كلام عابر، لا يخضع لمعايير الابداع. أقول كلامي هذا، والآن بين يديّ مجموعة شعرية، للشاعرة زينب عبد الكريم التميمي، وهي تحت عنوان "تحت صواري ديسمبر" والمطبوعة في "دار السرد" في بغداد، والمجموعة من القطع المتوسط، وتحتوي على ثمانية واربعين نصا. توزعت النصوص بين: الشجن والحزن، الأفراح والاتراح، البُعد والغياب، العشق والحب، السمو والاعتزاز بالنفس، حب الوطن وفراقه، وجانب الحياة عموما. كأنما الشاعرة تريد، وهي تبوح بخلجاتها، أن تنفث هما يتجلجل في آفاق صدرها، فتزيح شجن متراكما منذ عقود طويلة، وهذا هو ديدن الشاعر، لأنّه ينصدم بالمعاناة فينزف ما يحلو له من نزف ليس كالآخرين، فالكلمة التي يطلقها الشاعر هي ليس كالكلمة التي يسطرها الكاتب، لهذا يسمى الشاعر: شاعرا، والشاعر هو من صنع المعاناة، وهو بالتالي يعبّر عن هموم اجيال. والشعر عند التميمي، هو قضية لا ترفا يعبّر عن مرح مفعم باللهو، كما في قصيدة لها تحت عنوان "للنساء فقط" فهي هنا تأخذ دور المدافع عن المرأة، وتروم الرفع من شأنها، وأخذ دورها الحقيقي في المجتمع، بعد أن تعرّضت ومازالت تتعرّض لغمط حقوقها، ومحاولة تهميشها من قبل الرجل، الرجل الذي يحاول دائما سلب حقها الطبيعي في الحياة، المشكلة التي ماتزال تعاني المرأة منها منذُ قرون طويلة من الزمن. والنص الذي كتبته التميمي جاء كصرخة "تمهل وسأتلو كل اتهاماتك/ فأنا امرأة/ كأي امرأة شرقية/ تهوى الطيران" (راجع: ص 46 من المجموعة) فالنص هو أشبه بالثورة قبالة الرجل الساعي لطمس هوية المرأة، وتجريدها من مواقفها الانسانية، وبقية الحقوق الأخرى. تحليل: ثمة ضربات شعرية في هذه المجموعة، تستحق الوقوف، يمكن لنا أن نبينها، قدر المستطاع، لنتم بذلك ما نحن بصدده من تحليل، هو جزء صيرورة التحليل المعرفي. كما أن هناك بناء نصي، امتازت به الشاعرة التميمي. من نص بعنوان "آخر المطاف" تقول: حبيبتي لا تجارين زمن الموت/ مبتورة هي الاصوات"(ص 94) والموت هي النهاية الحتمية للإنسان، بعدها يخيّم على الحياة شبح العدم، حيث لم يبق للإنسان سوى ما تركه من أثر: فكري، مادي، معنويّ. والبتر للأصوات هو الرمزية التي عبّرت فيها الشاعرة، عن وجع الانسان في معترك الحياة، وما يلاقيه من خطوب ومتاعب. مع ذلك، لا يجب أن نيأس، ونكسو الحياة ظلام التشاؤم، طالما ثمة فسحة من أمل، تُعيد لنا ماكنا نرجوه: "برضابك المُهديء كالأفيون/ تعالَ نزيل الكاف من قواميسنا" (ص 75، من نص تحت عنوان: كاف كافرة) ففي علم النفس، أن قلب الرجل إذا عانق – عناق عاطفي – قلب المرأة سيهدأ قلب كلاهما، وسيشعران بالتالي بالأمان وقيمة الحياة. ومن نص آخر بعنوان "اقرار": "وهل يُعقل/ أن النورس يهجُرُ شطآن للمنفى/ أو أنَ رضيعًا/ يهجُر صدرا ويختار الجوع"، والصورة هذه يراد منها نفي الأشياء غير الموازية لطبيعة الحياة، فهي عسيرة الحضور والمرام، وتريد الشاعرة من هذا، أنّه من المحال أن القضايا الطبيعية تخالف سيرها المعهود. كما أن الوطن عند الشاعرة يعني محيا الرجل وطلعته التي تغمر الحياة بالسعادة، لتكتمل صورة الحياة ويتم المعنى، وبخلاف ذلك تبقى الحياة منقوصة. "لا تُفضح/ ودع العيون تتحدث/ كي القى بين رمشيك وطني" (ص 67). والوطن هو رمز للاستقرار الروحي والنفسي للإنسان، لذلك نجد المهاجر الذي يُبعَد عن وطنه، يظل قلبه مشدودا نحو وطنه، فيحن في كل ساعة وكل يوم للوطن، وربما يُصاب بالهومسك (Homesickness). لذلك، تُعبّر الشاعرة في نص متقارب من هذا المعنى، وتحت عنوان "انفراج مع وقف التنفيذ"؛ "نبكي عصارة روحنا المرّة/ لم نكن نعي/ أنّ انصهار الأشياء/ لا يحتاج حرارة" (ص 65 – 66) وأرى أن هذه المقطوعة أجمل صورة قرأتها في كل المجموعة هذه، حيث فيها بُعد معرفي عميق، ودلالة شعرية واضحة، و صورة رمزية لمعنى واسع، معنى فضفاض يتسامى بنفسه. ثم تنتقل التميمي، من صورة إلى أخرى، ومن رمز إلى آخر، مع الاحتفاظ بالنفس الشعري، والخطوط العريضة التي تتحاشى الشاعرة أن تزوغ عنها، من دون شعور، لأنّ التدفق الشعري، لمرات كثيرة، لا يعطي الشاعر مساحة من التفكير وهو يرسم حروفه على الورق. "يتلبسني طوق الصمت/ شيءٌ مخيفٌ أن أصل اللاشعور/ فتتدلى من عقلي الأحلام/ وتموت الرغبة" (ص 57 من نص: رغبة). اللاشعور عند فرويد يسمه "العقل الباطن" وفي كتابه "تفسير الأحلام" يوعز فرويد جميع الأحلام للعقل الباطن، ويحيل تفسيرها إلى الكبت، وكذلك إلى معظم الأشياء التي حُرم الانسان منها في طفولته، فأنها تنعكس سلبا على حياته، ويبقى شبحها يطارده، لذلك يجد تلك الأشياء شاخصة أمامه، كما تظهر له بالأحلام على شكل رموز؛ فـ "تموت الرغبة" هي اضمحلال اللاشعور، فما عاد يجدي نفعا تحقيق ما فات الإنسان من أشيائه التي ضاعت أدراج الرياح. لكن يبقى الحب هو المشعل الذي يضيء العتمة، فتنكشف للإنسان أبواب الأمل، وتوارب طرق الرجاء؛ وهو ما عبّرت عنه التميمي من نص لها حمل عنوان "رفاهية الموتى" (ص 50) تقول في مقطع منه" الصمت في حضرة الأموات حياة/ والحياة.. / في حضرة العشاق منال".
#داود_السلمان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماركس.. مؤسس المدينة الاقتصادية
-
تولستوي.. اعترافات أم تخبط فكري؟
-
ما هي الشيوعية؟
-
سلطان العارفين.. الرومي جلال الدين
-
بيكون.. الفيلسوف الذي حقق حلم أفلاطون
-
الإيمان والألحاد- رؤية فلسفية 3/ 3
-
الإيمان والألحاد- رؤية فلسفية2/ 3
-
الإيمان والألحاد- رؤية فلسفية1/ 3
-
نيتشة.. الانسان السوبرمان
-
القلق الإنصياعي في نص(زيف حلم) ل جابر السوداني
-
عدنان الفضلي الشاعر الذي أغوته الساعات
-
المنحى الصوفي في قصيدة (خمرةُ اليقين) للشاعر كريم القيسي
-
ذاتية المعنى.. قراءة في مجموعة (أأقيم على حافة هاوية) للشاعر
...
-
زمكانية النص الشعري.. قراءة في (منذُ زمنِ الانتظار) لـ عبد ا
...
-
الشعر بوصفه لعبة الابداع قراءة في نص (كَسَاحِرٍ يُرَوِّضُ عَ
...
-
الخيال في (أحزانٌ بلا مراكب) للشاعر حسين السياب
-
تعويذة الشجن في نص (وداعا) للشاعرة ميسون المتولي
-
اغتصاب الجدال
-
انتصار الفكر الحُرّ على التاريخ في سردية (القبر الأبيض المتو
...
-
سياحة قصيرة في (كفُّ تلوَّح لكلماتٍ في الدّخان) لأمير الحلاج
المزيد.....
-
إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري!
...
-
ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع
...
-
كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا
...
-
شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش
...
-
-الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل
...
-
-أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر
...
-
-مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض
-
الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها
-
وفاة المنتج المصري وليد مصطفى زوج الفنانة اللبنانية كارول سم
...
-
الشاعرة ومغنية السوبرانوالرائعة :دسهيرادريس ضيفة صالون النجو
...
المزيد.....
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
المزيد.....
|