أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - النزعة الوجودية عند دوستويفسكي














المزيد.....

النزعة الوجودية عند دوستويفسكي


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 8337 - 2025 / 5 / 9 - 22:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


معظم أعمال دوستويفسكي الروائية، هي أفكار فلسفية - فكرية مُعمقة يصيغها بطرح أدبي سردي، ليعزز بها موقفه الفكري من لك الفلسفات، ويوضّح فيها رأيه من خلال أبطال رواياته، بطرح غير مباشر، وأحيانا مباشر، فمثلا في رائعته "الأخوة كارامازوف" حين يتكلم على لسان رجل دين، تجده وكأنّه واحدا منهم، وذلك بقوة حجته وجزالة تعبيره، ولباقة لسانه وسحر بيانه؛ وحين يتكلم على لسان رجل ملحد تجده في الموقف ذاته؛ وكأنّه ملحدا، وإن دلَّ هذا على شيء، فإنما يدلَّ على قوة أفكاره، وعمقه المعرفي في الطرح.
والأسلوب هذا الذي استعمله دوستويفسكي، قد نهجه الكثير من الروائيين العالميين، ومنهم بلزاك، وسارتر، و كافكا، وكامو، وسراماغو، وغيرهم الكثير. ومن هذا المنطلق نريد القول بأن دوستويفسكي هو فيلسوفا قبل أن يكون روائيا. كما أنه عالم نفس وأنثروبولوجي، استطاع الغور في عمق النفس البشرية، وحللها تحليلا موضوعيا ربما لم يسبقه أحد من قبله في هذا المضمار، مما جعل فرويد يقتبس الكثير من أفكاره وتحليلاته، ليبدع فيما بعد علم التحليل النفسي. واليوم هو علم قائم بذاته.
في الحوار الذي عقده لي أتحاد الأدباء والكتاب في العراق، قبل اسابيع، بمناسبة صدور كتابي "ثمار الفلسفة" جادلني صديقي المحاور الدكتور كريم صبح، معترضا على جعلي دوستويفسكي فيلسوفا، قائلا بأنه أديب وروائي وعالم نفس، وليس فيلسوفا، وفي وقتها أخذني بعض العجب، حتى أوضحت له الأمر. وفي هذا المقال أحببت أن أثبت لصديقي صبح، ولغيره ممن لا يرى بأن دوستويفسكي فيلسوفا.
لذا نرى إنّ قضية الوجود عند دوستويفسكي كانت قضية محورية في معظم رواياته، فهو يطرحها في كل مرة، تسنح له الفرصة، من خلال حوارات أبطال اعماله، وفي كل مرة يختلف الطرح من مكان إلى آخر.
وبناءً على ما تقدّم نودّ أن نبيّن، إنّ دوستويفسكي في رواية "الأبله" يذكر إنّه عندما حوكم وجماعته الذين قبضوا عليهم بتممة الخيانة العظمى، وبالتالي اصدار الحكم عليهم بالإعدام إذ كان هو رقم ستة بالتسلسل، يعني أن حياته لم يبق منها سوى خمس دقائق، فقال يجب أن لا أضيعها هدرا، هذه الحقائق الأخيرة، فقسمها: دقيقتان يودع فيها الأصدقاء، ودقيقة يتأمل فيها الوجود، والدقيقتان الأخيرتان، سيطرح فيها ما معنى الوجود، ثم يجيب فيها عن السؤال ذاته. والوجود هو السؤال الأبدي المطروح في تاريخ الفلسفة، وإلى يومنا هذا مازال يتكرر، يعني أن هذا المفهوم قد حيّر هذا الأديب الكبير والفيلسوف النبيه، وهو في الوقت ذاته السؤال الذي يحتاج إلى اجابات تتغير من زمان إلى زمان آخر.
ومفهوم الوجود، بحسب، نيقولا حدّاد: "الوجود مادَّة متحركة في حيِّز «مكان». المكان عرض أوَّلي عيَّنته المادة. والزمان عرض ثانوي، هو مقايسة المكان بالحركة. فكأن الوجود مبني من ثلاثة عناصر: المادة، والحركة، «الزمان»، والمكان. هذه العناصر مُختلفة الطبع كل الاختلاف، واختلافها يهيئ تنظيم البناء وتنويعه.(1)
وفي مقالً ليّ تحت عنوان "دوستويفسكي وجوديا" ذكرت بأنّ دوستويفسكي كان رائد الوجودية، حيث سبق كيركيجارد في المعنى، وإن كانا الرجلين عاشا في عصر واحد، وباعتقادي أن دوستويفسكي أكثر عمقا من زميله كيركيجارد، وأنا لست وحدي من يميل إلى هذا الرأي، فربما يتفق معي كثير من الأدباء والكتاب على هذا الرأي.
"و دوستويفسكي ينفذ إلى تلك الأغوار للمتناقضات الانسانية والتي تبدو عند فنانين من نمط آخر – متنكرة عند قناع الحياة الاجتماعية واكتشاف هذه الاغوار السحيقة يفضي الانسان – حتما – إلى الكارثة، إذ يكون قد تجاوز القواعد القديمة التي استقرت من اجل انسجام العالم. وهكذا نشاهد في "الموسوس" تفكك شخصية انسانية عظيمة لأنها استهلكت قوتها في تطلعات لا حد لها بحيث لم يبق لها أية ملكة تستطيع أن تقدم بها على الاختيار أو التضحية".(1)
وقريب من هذا كان قد عالجه جان بول سارتر في ثلاثيته "دروب الحرية" حيث عالج سارتر موضوعة الوجودية، بأسلوب أدبي شيّق ربما فيه روحية من روح دوستويفسكي في هذا المضمار. لكن الفرق كبير ما بين دوستويفسكي وسارتر، من نواحي خيالية وتصويرية، وعمق واسع لتحليل النفسية الانسانية من الداخل، وسوى ذلك.
"الاداة التي تسمح لدوستويفسكي بالتغلغل بمثل ذلك العمق في الانسان هي كلمة. يصف بها جوتة كل شيء بواسطة النظر، فهو حسب مقولة فانغر رجُلُ عيونه: أما دوستويفسكي فرًجل آذانه. عليه أن يسمع، وأن يجعل شخصياته تتحدث حتى نحس بوجودها".(3)


الهوامش:
(1) نيقولا حداد، فلسفة الوجود، ص 9، منشورات دار تبارك في مصر تاريخ الطبع 2019.
(2) نيقولا برديائف، رؤية دوستويفسكي للعالم، ص 37، منشورات دار الشؤون الثقافية، سلسلة المائة كتاب، الطبعة الأولى لسنة 1986، ترجمة فؤاد كامل.
(3) ستيفان زفايج، دوستويفسكي والحديث عن قلم ظاهرة، ص 95، سنة الطبع 2021 بمصر ترجمة اسكندر حمدان.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البناء النصي في مجموعة (تحت صواري ديسمبر) لزينب التميمي
- ماركس.. مؤسس المدينة الاقتصادية
- تولستوي.. اعترافات أم تخبط فكري؟
- ما هي الشيوعية؟
- سلطان العارفين.. الرومي جلال الدين
- بيكون.. الفيلسوف الذي حقق حلم أفلاطون
- الإيمان والألحاد- رؤية فلسفية 3/ 3
- الإيمان والألحاد- رؤية فلسفية2/ 3
- الإيمان والألحاد- رؤية فلسفية1/ 3
- نيتشة.. الانسان السوبرمان
- القلق الإنصياعي في نص(زيف حلم) ل جابر السوداني
- عدنان الفضلي الشاعر الذي أغوته الساعات
- المنحى الصوفي في قصيدة (خمرةُ اليقين) للشاعر كريم القيسي
- ذاتية المعنى.. قراءة في مجموعة (أأقيم على حافة هاوية) للشاعر ...
- زمكانية النص الشعري.. قراءة في (منذُ زمنِ الانتظار) لـ عبد ا ...
- الشعر بوصفه لعبة الابداع قراءة في نص (كَسَاحِرٍ يُرَوِّضُ عَ ...
- الخيال في (أحزانٌ بلا مراكب) للشاعر حسين السياب
- تعويذة الشجن في نص (وداعا) للشاعرة ميسون المتولي
- اغتصاب الجدال
- انتصار الفكر الحُرّ على التاريخ في سردية (القبر الأبيض المتو ...


المزيد.....




- بيل غيتس لـCNN: تخفيضات إيلون ماسك في ميزانية الحكومة الأمري ...
- -البنيان المرصوص-.. باكستان تطلق عملية انتقامية واسعة ردا عل ...
- لماذا لم يختر الكرادلة بابا من أفريقيا؟
- الجيش الباكستاني يبدأ عملية عسكرية ضد الهند، رداً على استهدا ...
- السلطات الأمريكية تمنع سيدة أعمال -جذابة- من دخول البلاد لمد ...
- كوريا الشمالية تهنئ روسيا بعيد النصر وتؤكد أن تحرير كورسك مث ...
- تصعيد في حراك الطلاب المستمر منذ عدة أيام في موريتانيا
- قبيل المباحثات مع بكين ترامب يقترح خفض الرسوم على الصين بنسب ...
- عملية -البنيان المرصوص-.. الجيش الباكستاني يكشف تفاصيل -الرد ...
- باكستان تعلن -بدء الرد- على الضربات الهندية


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - النزعة الوجودية عند دوستويفسكي