أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - الترابط والموضوعية في مجموعة (تاتو) للقاصة تماضر كريم














المزيد.....

الترابط والموضوعية في مجموعة (تاتو) للقاصة تماضر كريم


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 8352 - 2025 / 5 / 24 - 16:22
المحور: الادب والفن
    


(1)
شهور عدة وأنا اتحين الفرص، وأسرق الأوقات، وأجري خلف اللحظة السانحة، وبلا جدوى، بسبب زحمة الحياة، وكذلك كثرة الكتب التي تأتيني كإهداءات، وأخرى أبتاعها من "المتنبي"؛ وكوني لا أعطي الأولوية الزمنية لقراءة الكتب، بل أقرأ أول كتاب يقع عليه نظري، وإن هذه قد تكون عادة غير محببة، ولا صحيحة في آداب القراءة والاطلاع، لكن هذا ما يجري ليّ. وفعلا جاءت الفرصة، وحان الوقت، واقتربت اللحظة، لتكون "تاتو" - وهي مجموعة قصصية للقاصة والكاتبة تماضر كريم - أمام ناظري وبين يديّ، فتلقفتها كما يتلقف حارس المرمى كرة القدم، وهو يشعر بالزهو، لكونه قد صدها ولم يجعلها تفلت منه لتُسجل هدفا ضد فريقه.
(2)
الذي فاجئني في قصص هذه المجموعة هو: لغتها الرصينة، وسردها الممتع، وانسيابيتها بلا كلل ولا ملل، والمفاجئة التي فوجئت بها هي كوني أول مرة اقرأ لهذه الكاتبة، إذ لم تكن من قبل وقعت بين يديّ قصص أخرى لها، وإن كان ثمة تقصيرا في الأمر، فالسبب يقع على عاتقي، كون لم أكن دقيقا ولا متابعا جيدا لما ينشر من روايات وقصص، ومجاميع شعرية أخرى، وايضا كون الساحة الثقافية، في الآونة الأخيرة، كانت حُبلى بإصدارات مكثفة وكثيرة، والأمر مفرح ومحزن في آن معًا...
(3)
هناك ثمة خاصية اتسمت في هذه المجموعة القصصية، هي السردية الجزيلة المكثفة، واختيار الانتقالات، بدراية وعناية فائقتين، وترابط الجُمل وفق سير الحدث داخل القصة، والمزج بين المعنى وبين الحفاظ على سلاسة الجُمل، بحيث يظلَّ القارئ مشدودا إلى تلقف الكلمات وهي تبان في نسقها بتلك الدّقة. هذا فضلا عن اللغة التي تمتلكها القاصة، وكيف تعالج بها الحوارات لأبطال قصصها؟، وهي قليلا ما تستعمل تلك الحوارات، لأنها تفضلّ السرد وتوضيح الحدث بتلك الخاصية.
(4)
"تاتو" التي جعلت القاصة منها عنوان المجموعة، هي قصة في التسلسل الثالث الأخير وفق المحتويات، ولا أدري لماذا فضلّت الكاتب هذه القصة، كعنوان للمجموعة وليس غيرها من القصص الأخرى؟. والجواب، باعتقادي، أن الأمر كان مدروسا ومحسوما سلفا، فالاختيار كان موفقا، ودقيقا في الوقت ذاته. القصة اجتماعية ولها تاريخ ضارب في القدم، وتعالج قضية ذوات البشرة الملونة في مجتمعنا العراقي، وكيف ينظر المجتمع بنظرة دونية إلى هذه الفئة من الناس، وهُم ما يسمون بـ "العبيد"، وتاريخ هذه الفئة المعينة من الناس لها تاريخ قديم، أي قبل الإسلام بفترة طويلة جدا، وحتى من جاء الاسلام لم يستطع أن يقضي على العبيد، بل أبقى الأمر على ما هو عليه، فكان الصحابة ومن جاء من بعدهم، من الخلفاء والأمراء والولاة، يمتلكون مئات وربما آلاف من العبيد، حتى أنهم قاموا بثورة عارمة، بهدف تحريرهم من ربق العبودية، إلّا أنهم خسروا المعركة، وأعطوا آلاف القتلى والجرحى المعاقين، وتسمى هذه المعركة "معركة الزنوج". وظلَّ هذا الأمر إلى ما هو عليه، إلّا أن حررتهم أمريكا. القاصة وقد عالجت المضوع بحنكة ودراية، وبالتزام أخلاقي وانساني وفني، وأوضحت في قصتها هذه جوانب عديدة، وتساؤلات وضعتها القاصة على لسان البطلة، حين تسأل والدها عن سبب عشقها لأمها السوداء، ولماذا أنجبت له ثلاث فتيات شقراوات و واحدة ذات بشرة سمراء داكنة؛ وهي تساؤلات فلسفية.
الحقيقة، أن طرح في غاية الموضوعية، والانسانية، وربما فيه تحكيم للتاريخ، وللذين جنوا على تلك الفئة التي ليس لها دخل في اختيار لون بشرتها، وانما ذلك يعود للبيئة التي وُلدت فيها وترعرعت، لأنّ الانسان هو ابن بيئته، وينصاع لها.
(5)
إن معظم القصص في هذه المجموعة، عالجت فيها القاصة تماضر كريم، موضوعات آنية معاصرة، هي من صميم ما نعيشه اليوم، من ازدواجية وفئوية، وقضايا أخرى أكل عليها الدهر وشرب، لكن كثيرا منها مازال يعيش في نفسية مجتمعاتنا للأسف؛ وهذا بحد ذاته يعود إلى قصر الوازع الاخلاقي والثقافي والمعرفي، وعلى الغريزة النفسية الكامنة في شخصية الفرد، وعدم ادراكه للأمور وعاقبتها من التي أدرت بالمجتمعات إلى النكوص، وترتب عليها جهل مطبق اوصلها إلى الحضيض. القاصة ابدعت في تشخيص مثل كذا حالات، و وضعت يدها على مكامن الألم، لاسيما في قصة "لوحة دامية" ص: 94، وفيها رموز واحالات إلى قضايا ومواقف منها يدمي القلب، وآخر يحز بالنفس، وثالث يعطي أكثر من تساؤل وآخر. كذلك في قصة "الرصاص" ص: 90، ما يقارب من هذا المعنى. وقصة "المجنون" الذي كانت يتابع الفتاة البطلة، وكيف أنه كان يعاكسها ويقذفها بكلمات نابية و خادشة للحياء، والقصة بحد ذاتها ادانة لمجتمعاتنا، واسمته "مجنون" لأنه مريض نفسي وفكري، ومعاق من الداخل بنظرته القاصرة، وتخلفه عن المجتمعات المتطورة. ومنه في قصة "لعنة" ص: 64، التي عالجت الكاتبة قضية التشوهات الخلقية، ونظرة بعض البشر القاصر عن ادراك ذلك، وكيف للبعض حين ينتقص من الآخرين، بكبر أنفه أو بصغره، أو غير ذلك. وهي قضية قد يفهم معناها البعض، وآخر لا يقدر على فهمها، وقد عالجتها القاصة بصورة فنية وفيها رمز لأمور أخرى، بما لا يدركها القارئ للوهلة الأولى. وفي "رُباك" ص: 81 لا تقل شأنا في موضوعها عن هذه القصص وطرحها، وهي تتحدث عن النشيد الوطني، إن بطلة القصة تلاعبت في مفردات النشيد، وعكست المعنى، مما ادى إلى أدانها، واعُتبرت اساءة مقصودة منها، والقصة تعتبر نقد لاذع لمن يدعون الوطنية الزائفة، بينما هم يسيئون للوطن والمواطن، ويعيثون الفساد بهذا الوطن.
(6)
صدرت هذه المجموعة القصصية للقاصة تماضر كريم عن "دار السرد" في بغداد لعام 2024، وهي من القطع المتوسط وعدد صفحاتها 134، واحتوت على ست وعشرين قصة قصيرة.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النسق وبناء النص عند الشاعرة فراقد السعد
- عشرة كتب غيّرت قناعاتي الفكرية والمعرفية1/ 10
- الجزالة والبُعد الوجودي في (مرايا البحر) للشاعرة السورية هوي ...
- مفهوم الدين عند فويرباخ 1/ 2
- هل الكتابة ابتكار؟
- شعاع ابيضّ - نافذة سوداء تأسيس لسمو الإنسان للقاص حميد محمد ...
- الدهشة والمفارقة في (وجه أزرق) للقاص عبد الحسين العبيدي
- خالد القطان-إلى المنفى أو تقويم الأحزان
- النزعة الوجودية عند دوستويفسكي
- البناء النصي في مجموعة (تحت صواري ديسمبر) لزينب التميمي
- ماركس.. مؤسس المدينة الاقتصادية
- تولستوي.. اعترافات أم تخبط فكري؟
- ما هي الشيوعية؟
- سلطان العارفين.. الرومي جلال الدين
- بيكون.. الفيلسوف الذي حقق حلم أفلاطون
- الإيمان والألحاد- رؤية فلسفية 3/ 3
- الإيمان والألحاد- رؤية فلسفية2/ 3
- الإيمان والألحاد- رؤية فلسفية1/ 3
- نيتشة.. الانسان السوبرمان
- القلق الإنصياعي في نص(زيف حلم) ل جابر السوداني


المزيد.....




- وفاة االمخرج محمد لخضر حمينة.. صاحب-وقائع سنين الجمر- و-السع ...
- قبل ساعات من حفل الختام.. مهرجان كان السينمائي يتأثر بانقطاع ...
- منتدى حقوق الإنسان بالصويرة يناقش -الحركية البشرية- و-الدينا ...
- أول عربي يفوز بالسعفة الذهبية: رحيل المخرج الجزائري محمد لخض ...
- أول عربي يفوز بالسعفة الذهبية: رحيل المخرج الجزائي محمد لخضر ...
- بريتني سبيرز تخرق قواعد الطيران.. والسلطات تتدخل بتحذير رسمي ...
- مهرجان كان 2025: أي الأفلام سيفوز بالسعفة الذهبية؟
- الولايات المتحدة.. العثور على جثة نجم أفلام إباحية شهير بمنط ...
- تردد قناة ناشونال جيوغرافيك الجديد 2025 على النايل سات عشان ...
- الجزائر: وفاة المخرج محمد لخضر حمينة صاحب السعفة الذهبية بمه ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - الترابط والموضوعية في مجموعة (تاتو) للقاصة تماضر كريم