أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - رواية العمى: فلسفة انهيار المبادئ والقيّم














المزيد.....

رواية العمى: فلسفة انهيار المبادئ والقيّم


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 8353 - 2025 / 5 / 25 - 14:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


حين تنهار المبادئ والقيّم، وتتبعها الأخلاق، ستسقط كل جميع المجتمعات، وسيصبح الانحلال هو سيد الموقف، ويبدأ كل جليل وجميل ومفيد بالاضمحلال، لتعم الفوضى بكل تجلياتها، ويصبح الجهل متفشيا في كل بقعة في تلك المجتمعات، وبالتالي ستتحول الحياة إلى جحيم. وهذا ما حصل ويحصل بالفعل في كثير من المجتمعات، لاسيما مجتمعاتنا العربية والاسلامية، على حدّ سواه؛ فضلا عن بعض المجتمعات الغربية، من التي لا تعير أي اهتمام للقيّم، والمبادئ الحقّة، وسبب كل هذا هو الجهل المطبق على هذه المجتمعات، فهناك من يُغديّ هذه المجتمعات، بغذاء الجهل، ويحقنهم بُحقن التخلف، والميوع الفكري، بهدف السيطرة على الجماهير والتحكّم في وعيها، وسلب خيراتهم ومستقبلهم، وهو ما أنتج عن ظاهر "القطيع"، لأنّ صناعة القطيع تعتمد، بالدرجة الأولى، على الجهل، "الجهل المقدّس"، فكلما أزداد الجهل وقلَّ الوعي، كلما ازدادت أعداد القطيع، وأغلب مجتمعاتنا اليوم غارقة من رأسها حتى قدميها بالجهل، وماتزال تحن إلى الماضي، وترغب بعودته، والسبب أنها ترى: إن الماضي مقدّس ولا يمكن المساس به!، وكأنّ شخصيات تلك العصور أفضل منّا، بحسب قولهم، وهذه المجتمعات التي تودّ عودة الماضي، كأنّ فبالنسبة لهم كأنه عودة قيّم وأخلاق ومبادئ غائبة عن مجتمعاتنا الحاضرة، وهنا تكمن الكارثة العظمة.
هذا ما أراد قوله، بل وأكد عليه، الروائي البرتغالي جوزيه ساراماغو في أحداث روايته "العمى" ذات الطابع الفلسفي، وهو يسرد لنا أحداث هذه الرواية العظيمة، بتفاصيل مهمة وغاية في الدراماتيكية، والبُعد الماورائي، بأسلوب رمزي، حيث السّرد من بداية الرواية إلى نهايتها يشير الى رمزية سامقة، كأسلوب يتحمل التفسير الذاتي.
والحال، إن الجهل كثيرا ما يكمن في القضايا الميتافيزيقية، والعجب، ثمة كبار الفلاسفة والمفكرين يؤمنون بالقضايا الميتافيزيقية من جهة، ويستهجنونها من جهة أخرى، مثل ايمانويل كانت، وهيجل، فالأول نقد الميتافيزيقيا وعاد مرة أحرى ومدحها، كذلك أشاد بالعقل وانتقد تارة أخرى، بل وحتى ديكارت صاحب "أنا أكر أنا إذن موجود" حيث استدل بوجوده ذاته كنتيجة تفكيره، وأدرك الوجود كما يدعي، والحقيقة ليس كل فكر أو تفكير يصل بالإنسان إلى حقائق ومبان لها صلة بالحقيقة المبتغاة، فثمة كثير من العاملين في الفكر، وفكرهم لم يصل بهم إلى نتائج تخدم العلم والمعرفة، أو الوصول إلى حقائق ليس عليها أي غبار. وإما ايمانويل كانت بنقده للعقل قلل من شأنه وهو بذلك كأنه اراد أن يثبت القضايا الميتافيزيقية، وحتى هيجل، وهو الفيلسوف المثالي في فلسفته، لم ينقد الميتافيزيقا بنقد ذا عمق فلسفي؛ ومن هذا المنطلق تصدى له كارل ماركس وفيورباخ، وهما من أذكى تلامذته، حتى ثارا على الميتافيزيقا، وفسرا كُلّ شيء على أنّه نتاج المادة.
وتماشيا مع سرديات هذه الرواية، وبيان عبقرية كاتبها، أنّه لم يذكر المدينة التي وقع فيها عدوى العمى، هذا الوباء الخطير (ويقصد الكاتب بالعمى: التخلف والجهل، والعودة إلى الماضي، بينما العالم يتقدم من حولنا في كل يوم، قاطعا اميالا طويلة من العلم والتكنولوجيا، والمعارف الانسانية، والتقدم الحضاري والثقافي) فعدم ذكره المدينة تلك، فأنه يريد القول بأن كل مدينة من مدن العالم، لا مدينة بعينها، يمكن أن ينطبق عليها ما حصل لهذه المدينة.
واستنادا إلى ما سبق من تحليل، تبدأ أحداث الرواية بمشهد غير اعتيادي إذ يفقد أحد السائقين بصره على حين فجأة، ولا يرى سوى هالة بيضاء، لتبدأ سلسلة طويلة من الأحداث تنتهي بانتشار العمى، انتشار النار في الهشيم، في جميع أنحاء المدينة. كما يتخلل ذلك حوارات، وصدمات، ومفاجئات، تدل على قابليات الكاتب الفنية والتصويرية والفكرية، فضلا عن تطويع الحروف والقابلية على الصياغة، والبناء السردي للحدث.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الترابط والموضوعية في مجموعة (تاتو) للقاصة تماضر كريم
- النسق وبناء النص عند الشاعرة فراقد السعد
- عشرة كتب غيّرت قناعاتي الفكرية والمعرفية1/ 10
- الجزالة والبُعد الوجودي في (مرايا البحر) للشاعرة السورية هوي ...
- مفهوم الدين عند فويرباخ 1/ 2
- هل الكتابة ابتكار؟
- شعاع ابيضّ - نافذة سوداء تأسيس لسمو الإنسان للقاص حميد محمد ...
- الدهشة والمفارقة في (وجه أزرق) للقاص عبد الحسين العبيدي
- خالد القطان-إلى المنفى أو تقويم الأحزان
- النزعة الوجودية عند دوستويفسكي
- البناء النصي في مجموعة (تحت صواري ديسمبر) لزينب التميمي
- ماركس.. مؤسس المدينة الاقتصادية
- تولستوي.. اعترافات أم تخبط فكري؟
- ما هي الشيوعية؟
- سلطان العارفين.. الرومي جلال الدين
- بيكون.. الفيلسوف الذي حقق حلم أفلاطون
- الإيمان والألحاد- رؤية فلسفية 3/ 3
- الإيمان والألحاد- رؤية فلسفية2/ 3
- الإيمان والألحاد- رؤية فلسفية1/ 3
- نيتشة.. الانسان السوبرمان


المزيد.....




- صرخ -يحيا الشيطان-.. إيقاف معلم رياضيات أرعب طلابه بزي شيطان ...
- قصف إسرائيلي متواصل على غزة وسط وضع إنساني كارثي
- هل تمر العلاقة الأمريكية مع سوريا الجديدة عبر تركيا؟
- مصر.. الداخلية تكشف ملابسات مقتل حفيد الدكتورة نوال الدجوي ب ...
- مصر.. السيسي يوجه رسالة إلى القارة الإفريقية
- الجزائر تسترجع سفينة احتجزت في بلجيكا 3 سنوات
- السعودية.. القتل -تعزيرا- لمواطن مصري والكشف عن جريمته
- بوتين يروي تفاصيل أمره بوقف هجوم إحدى الفرق العسكرية بسبب ال ...
- ترامب يرسل وزيرة الأمن الداخلي إلى تل أبيب عقب مقتل الدبلوما ...
- مدفيديف: المنطقة العازلة ستكون على كامل الأراضي الأوكرانية ( ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - رواية العمى: فلسفة انهيار المبادئ والقيّم