أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد الكريم يوسف - كيف حارب تشرشل وروزفلت وستالين هتلر – ثم حاربوا بعضهم البعض















المزيد.....


كيف حارب تشرشل وروزفلت وستالين هتلر – ثم حاربوا بعضهم البعض


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8378 - 2025 / 6 / 19 - 18:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


شهدت الحرب العالمية الثانية تحالفًا غير مسبوق بين قوى متباينة الأيديولوجيات والأهداف، توحدت تحت راية هزيمة عدو مشترك هو أدولف هتلر وألمانيا النازية. كان هذا التحالف الثلاثي، الذي ضم ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا، وفرانكلين روزفلت رئيس الولايات المتحدة، وجوزيف ستالين زعيم الاتحاد السوفيتي، بمثابة قوة دافعة أساسية نحو النصر. ومع ذلك، لم تكن العلاقة بينهم خالية من التوترات والصراعات، فقد حمل كل منهم رؤيته الخاصة للعالم بعد الحرب، مما أدى إلى احتكاكات متكررة إلى جانب جهودهم المشتركة ضد هتلر.
الحرب ضد هتلر: استراتيجيات متقاطعة
كان الهدف الأساسي لتشرشل وروزفلت وستالين هو القضاء على تهديد هتلر الوجودي. تباينت استراتيجياتهم وتوقعاتهم، لكنها تضافرت في النهاية لتحقيق النصر.
• ونستون تشرشل: البقاء والمقاومة: منذ بداية الحرب، أدرك تشرشل خطورة هتلر وأصر على المقاومة الشرسة حتى في أحلك الظروف. تمثلت استراتيجيته في الحفاظ على بريطانيا كقاعدة للمقاومة، والضغط على الولايات المتحدة للدخول في الحرب، ودعم الحركات السرية في أوروبا. كان تشرشل يؤمن بأهمية الحفاظ على الإمبراطورية البريطانية بعد الحرب، وكان حذرًا من النفوذ السوفيتي المتزايد.
• فرانكلين روزفلت: ترسانة الديمقراطية والتدخل التدريجي: سعى روزفلت في البداية للحفاظ على حياد الولايات المتحدة، لكنه قدم دعمًا ماديًا كبيرًا للحلفاء من خلال قانون الإعارة والتأجير. بعد الهجوم على بيرل هاربر عام 1941، انخرطت الولايات المتحدة بالكامل في الحرب. كانت استراتيجية روزفلت تركز على تدمير الآلة الحربية الألمانية، وبناء نظام عالمي جديد يقوم على التعاون الدولي، ووضع الأساس للأمم المتحدة. كان أقل قلقًا بشأن التوسعية السوفيتية من تشرشل، وربما كان أكثر تفاؤلاً بشأن إمكانية التعاون بعد الحرب.
• جوزيف ستالين: التضحية الهائلة ودفع الثمن: تحمل الاتحاد السوفيتي العبء الأكبر للقتال ضد ألمانيا النازية على الجبهة الشرقية، حيث شهدت معارك ضارية وخسائر بشرية لا تقدر بثمن. كانت استراتيجية ستالين تتمحور حول الدفاع عن الوطن، ودحر الغزو الألماني، والضغط على الحلفاء الغربيين لفتح جبهة ثانية في أوروبا لتخفيف الضغط على قواته. كان ستالين عازمًا على توسيع نفوذ الاتحاد السوفيتي في شرق أوروبا بعد الحرب لضمان الأمن الاستراتيجي.
لقد تلاقت هذه الاستراتيجيات في نقاط حاسمة، مثل مؤتمر طهران (1943) ويالطا (1945) وبوتسدام (1945)، حيث تم التخطيط للعمليات العسكرية المشتركة وتقسيم أوروبا بعد الحرب. كان إنزال نورماندي في عام 1944 تتويجًا للتعاون الاستراتيجي بين الغرب والاتحاد السوفيتي، حيث أضعف ألمانيا على جبهتين.
التوترات والصراعات: تحالف الضرورة
على الرغم من الهدف المشترك، لم تخلُ العلاقة بين القادة الثلاثة من التوترات والصراعات الجوهرية التي عكست خلافاتهم الأيديولوجية والمصالح الوطنية المتضاربة.
• الجبهة الثانية: كان أحد أهم مصادر التوتر هو إلحاح ستالين المتكرر على تشرشل وروزفلت لفتح جبهة ثانية في أوروبا الغربية في وقت أبكر. رأى ستالين أن تأخر الحلفاء في هذا الأمر هو محاولة لإضعاف الاتحاد السوفيتي وتركهم يتحملون العبء الأكبر للقتال. بينما كان الحلفاء الغربيون مترددين لأسباب لوجستية وعسكرية.
• مستقبل بولندا وأوروبا الشرقية: كانت هذه القضية نقطة خلاف رئيسية، خاصة بين تشرشل وستالين. أصر ستالين على سيطرة الاتحاد السوفيتي على بولندا وبلدان أوروبا الشرقية الأخرى لإنشاء "منطقة عازلة" ضد أي تهديد غربي مستقبلي. عارض تشرشل ذلك بشدة، خوفًا من انتشار الشيوعية وفقدان هذه الدول لسيادتها، بينما كان روزفلت يسعى إلى حل وسط يحافظ على بعض من مبادئ تقرير المصير.
• التوقعات بعد الحرب: كانت رؤى القادة لمستقبل العالم متباينة للغاية. أراد روزفلت نظامًا عالميًا قائمًا على الديمقراطية والتعاون الدولي من خلال الأمم المتحدة. سعى تشرشل للحفاظ على توازن القوى التقليدي والدفاع عن المصالح البريطانية، بينما كان ستالين عازمًا على توسيع نفوذ الاتحاد السوفيتي وتعزيز الشيوعية. هذه الاختلافات وضعت الأساس للحرب الباردة التي ستلي الحرب العالمية الثانية مباشرة.
• السرية وعدم الثقة: كان هناك مستوى معين من عدم الثقة بين القادة، خاصة بين ستالين وتشرشل. احتفظ كل جانب ببعض المعلومات لنفسه، لا سيما فيما يتعلق بالتطورات العسكرية والتكنولوجية (مثل مشروع مانهاتن الأمريكي).

في النهاية، كان الانتصار على ألمانيا النازية هو المحصلة النهائية لتعاون هؤلاء القادة الثلاثة، على الرغم من خلافاتهم العميقة. أظهرت هذه الفترة من التاريخ كيف يمكن للمصالح المشتركة أن توحد قوى متباينة، لكنها أيضًا كشفت عن البذور التي نمت منها صراعات المستقبل. لقد قاتلوا هتلر بضراوة، وفي الوقت نفسه، حاربوا بعضهم البعض دبلوماسيًا وسياسيًا، مما أثر بشكل كبير على شكل العالم بعد الحرب.
وكيف حارب الحلفاء بعضهم بعضا ولماذا؟ما الأسباب؟
بالتأكيد، على الرغم من أن الحلفاء (بريطانيا، الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي) كانوا متحالفين ضد عدو مشترك في الحرب العالمية الثانية، إلا أن علاقاتهم لم تكن خالية من التوترات والخلافات، والتي أدت في بعض الأحيان إلى "محاربة" بعضهم البعض دبلوماسيًا وسياسيًا، بل ووضعت بذور صراعات أكبر بعد الحرب. يمكن تلخيص الأسباب الرئيسية لهذه الخلافات فيما يلي:
1. الاختلافات الأيديولوجية العميقة:
كان هذا هو السبب الجذري لمعظم التوترات.
• الولايات المتحدة وبريطانيا (الديمقراطية والرأسمالية): كان تشرشل وروزفلت يؤمنان بنظام سياسي واقتصادي يعتمد على الديمقراطية البرلمانية، حرية السوق، وحماية الملكية الفردية. كانت رؤيتهم لمستقبل العالم قائمة على التعاون الدولي ضمن إطار الأمم المتحدة ولكن مع الحفاظ على هذه المبادئ.
• الاتحاد السوفيتي (الشيوعية): كان ستالين يؤمن بنظام شمولي شيوعي، يركز على ملكية الدولة لوسائل الإنتاج، ويسعى لنشر الشيوعية عالميًا. كان ينظر إلى الديمقراطيات الغربية بشك كبير، ويعتبرها قوى رأسمالية معادية تسعى لاحتواء نفوذه.
هذه الاختلافات الأساسية جعلت الثقة بين الطرفين صعبة، وكانت كل خطوة يتخذها أحد الأطراف تُفسر من منظور أيديولوجي متضارب.
2. المصالح الجيوسياسية المتضاربة:
كل دولة من الدول الكبرى كان لديها مصالحها الاستراتيجية الخاصة التي سعت لتحقيقها، حتى أثناء الحرب.
• أوروبا الشرقية وبولندا: كانت هذه النقطة من أكثر نقاط الخلاف حساسية. بعد أن حرر الجيش الأحمر معظم دول أوروبا الشرقية من الاحتلال النازي، أصر ستالين على إقامة حكومات موالية للاتحاد السوفيتي فيها، خاصة في بولندا، التي كانت بمثابة "طريق للغزو" لألمانيا تاريخيًا. رأى الغرب في ذلك محاولة للتوسع السوفيتي والسيطرة على هذه الدول، ومخالفة لمبادئ حق تقرير المصير.
• مصير ألمانيا: كان هناك خلاف كبير حول كيفية التعامل مع ألمانيا بعد هزيمتها. أراد السوفيت فرض تعويضات قاسية وتفكيك الصناعة الألمانية لمنع أي تهديد مستقبلي. بينما كان الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، يرى ضرورة إعادة بناء ألمانيا كجزء من استقرار أوروبا، ولتكون حاجزًا ضد التوسع السوفيتي. أدى هذا الخلاف في النهاية إلى تقسيم ألمانيا إلى شرق وغرب.
• مناطق النفوذ: حتى قبل نهاية الحرب، كان هناك سباق خفي لترسيخ مناطق نفوذ. فبينما كانت القوات السوفيتية تتقدم في الشرق، كانت قوات الحلفاء الغربيين تتقدم في الغرب. وكان هناك قلق من أن تتقدم إحدى القوتين أكثر من اللازم في أراضي الطرف الآخر، مما يؤدي إلى صراعات مستقبلية.
3. التوقعات والخطط ما بعد الحرب:
كانت رؤية كل قائد للعالم بعد الحرب مختلفة تمامًا.
• الأمم المتحدة مقابل مناطق النفوذ: بينما كان روزفلت يروج لفكرة منظمة عالمية قوية (الأمم المتحدة) لضمان السلام والأمن الدوليين، كان ستالين أكثر اهتمامًا بتأمين مناطق نفوذ محددة لضمان أمن الاتحاد السوفيتي. تشرشل كان يقف في المنتصف، قلقًا بشأن الإمبراطورية البريطانية وميزان القوى الأوروبي.
• التعويضات وإعادة الإعمار: اختلف الحلفاء حول حجم وطبيعة التعويضات التي يجب أن تدفعها ألمانيا، وكيفية إعادة بناء أوروبا. كان السوفيت قد تكبدوا خسائر بشرية ومادية هائلة، وكانوا يرون أن من حقهم الحصول على تعويضات ضخمة.
4. التكتيكات العسكرية والتنسيق:
حتى في الجانب العسكري، كانت هناك بعض الاحتكاكات.
• الجبهة الثانية: كما ذكرت سابقًا، كان إصرار ستالين على فتح "جبهة ثانية" في أوروبا الغربية مبكرًا أحد أهم مصادر التوتر. شعر ستالين أن الحلفاء الغربيين كانوا يتعمدون تأخير الإنزال في فرنسا (عملية أوفرلورد) لترك الاتحاد السوفيتي يستنزف وحده في مواجهة القوات الألمانية الضخمة على الجبهة الشرقية.
• التنسيق العملياتي: على الرغم من وجود تنسيق كبير، كانت هناك لحظات من التوتر حول كيفية توزيع الموارد والجهود العسكرية، ومن يحصل على الفضل في الانتصارات، خاصة مع اقتراب نهاية الحرب.
5. الشك وعدم الثقة المتبادلة:
كانت هناك علاقات شخصية معقدة بين القادة، ولكن الثقة كانت دائمًا محدودة.
• نقص الشفافية: احتفظ كل طرف ببعض المعلومات لنفسه، خاصة فيما يتعلق بالتطورات العسكرية الحساسة (مثل مشروع القنبلة الذرية الأمريكي). هذا النقص في الشفافية عزز الشك المتبادل.
• الخوف من التوسع: كان الغرب يخشى من التوسع الشيوعي السوفيتي، بينما كان ستالين يخشى من عودة التدخل الغربي في شؤون الاتحاد السوفيتي كما حدث بعد الثورة البلشفية.
تفاقمت هذه الخلافات بشكل كبير بعد هزيمة هتلر، ومع زوال العدو المشترك، لم يعد هناك ما يجمع بين هذه القوى المتباينة. أدى ذلك مباشرة إلى ما يعرف باسم "الحرب الباردة"، حيث تحول الحلفاء السابقون إلى أعداء أيديولوجيين وعسكريين، وانقسم العالم إلى معسكرين متنافسين لعقود طويلة.
الخلاف بين تشرشل وستالين
كانت العلاقة بين ونستون تشرشل وجوزيف ستالين خلال الحرب العالمية الثانية معقدة للغاية، تتراوح بين الضرورة البراغماتية للتحالف ضد عدو مشترك (هتلر) والشكوك العميقة والخلافات الأيديولوجية التي مهدت للحرب الباردة.
إليك أبرز نقاط الخلاف بينهما:
1. الجبهة الثانية:
o مطالب ستالين: أصر ستالين مرارًا وتكرارًا على فتح جبهة ثانية في أوروبا الغربية (غزو واسع النطاق لفرنسا المحتلة) في أقرب وقت ممكن. كان الجيش السوفيتي يتحمل العبء الأكبر للقتال ضد ألمانيا على الجبهة الشرقية، ويعاني خسائر بشرية ومادية فادحة، ورأى ستالين أن فتح جبهة ثانية سيخفف الضغط على قواته ويشتت القوات الألمانية.
o تردد تشرشل: كان تشرشل أكثر حذرًا بشأن توقيت ومدى عملية إنزال واسعة النطاق في أوروبا. كان يفضل استراتيجية "المحيط" (Peripheral Strategy) التي تركز على إضعاف ألمانيا من أطرافها (مثل غزو شمال إفريقيا ثم إيطاليا)، ويعتقد أن إطلاق عملية كبرى مثل إنزال نورماندي في وقت مبكر جدًا قد يؤدي إلى كارثة. هذا التردد أثار غضب ستالين وشكوكه في نوايا الغرب، معتبرًا أنهم يحاولون إضعاف الاتحاد السوفيتي.
2. مستقبل بولندا وأوروبا الشرقية:
o رؤية ستالين: كان ستالين مصممًا على إقامة حكومات موالية للاتحاد السوفيتي في دول أوروبا الشرقية التي حررها الجيش الأحمر، وخاصة بولندا. كان يرى في هذه الدول "منطقة عازلة" ضرورية لأمن الاتحاد السوفيتي ضد أي غزو غربي محتمل في المستقبل. لهذا السبب، دعم الحكومة الشيوعية في لوبلين (اللجنة البولندية للتحرير الوطني) بدلاً من الحكومة البولندية في المنفى بلندن.
o قلق تشرشل: عارض تشرشل بشدة سيطرة السوفيت الكاملة على بولندا ودول البلقان. كان يؤمن بمبدأ حق تقرير المصير للشعوب، وكان قلقًا جدًا من انتشار الشيوعية في أوروبا. أدت هذه المخاوف إلى "اتفاقية النسب المئوية" (Percentages Agreement) سيئة السمعة في عام 1944، حيث حاول تشرشل وستالين تقسيم مناطق النفوذ في بعض دول البلقان على ورقة، لكن هذه الاتفاقية لم تنهِ التوترات وظلت قضية بولندا نقطة خلاف حادة حتى نهاية الحرب.
3. مصير ألمانيا بعد الحرب:
o ستالين يطالب بتعويضات صارمة وتفكيك: عانى الاتحاد السوفيتي دمارًا هائلاً على يد ألمانيا النازية، وطالب ستالين بتعويضات كبيرة وتفكيك الصناعة الألمانية لمنعها من أن تشكل تهديدًا مرة أخرى.
o تشرشل يسعى لاستقرار أوروبا: كان تشرشل (وبعده روزفلت وترومان) يرى أن تدمير ألمانيا بالكامل سيؤدي إلى فراغ في السلطة وعدم استقرار في أوروبا، وربما يدفعها نحو الشيوعية. كان يفضل إعادة إعمار ألمانيا بدرجة معينة لتكون جزءًا من أوروبا مستقرة.
4. الخلافات الأيديولوجية الأساسية:
o الديمقراطية الغربية مقابل الشيوعية السوفيتية: كان تشرشل مناهضًا للشيوعية طوال حياته. على الرغم من تحالف الضرورة مع ستالين ضد هتلر، لم يفقد تشرشل أبدًا شكه في الأهداف طويلة المدى للاتحاد السوفيتي. كان يرى في ستالين ديكتاتورًا يهدد القيم الديمقراطية.
o نظرة ستالين للغرب: بالمثل، كان ستالين ينظر إلى بريطانيا (والولايات المتحدة) كقوى رأسمالية معادية، تسعى للحفاظ على هيمنتها العالمية وتقويض الشيوعية.
5. عدم الثقة المتبادل:
o السرية والمعلومات الاستخباراتية: كان هناك شكوك متبادلة حول نوايا كل طرف. تجاهل ستالين في البداية تحذيرات تشرشل بشأن الهجوم الألماني الوشيك على الاتحاد السوفيتي عام 1941، واعتبرها محاولة من تشرشل لإثارة حرب بين السوفيت والألمان. في المقابل، احتفظ الحلفاء الغربيون بسر القنبلة الذرية عن ستالين، مما زاد من عدم ثقته.
o قضية كاتين: أدت مذبحة كاتين، حيث أعدمت الشرطة السرية السوفيتية آلاف الضباط البولنديين، إلى توترات حادة. اتهم السوفيت الألمان بارتكابها في البداية، لكن الحقيقة كشفت لاحقًا تورط السوفيت، مما أضر بالعلاقات بشكل كبير.
6. الدور البريطاني المتضاءل: مع تقدم الحرب ودخول الولايات المتحدة بقوتها الهائلة، بدأ دور بريطانيا في التحالف الكبير يتضاءل نسبيًا. شعر تشرشل بالإحباط من أن روزفلت كان في بعض الأحيان أكثر ميلًا لاسترضاء ستالين أو بناء علاقة معه، مما ترك تشرشل يشعر بالعزلة في مواجهة المطالب السوفيتية.
كل هذه العوامل، على الرغم من التعاون العسكري الضروري لهزيمة هتلر، غذّت نار الشك وعدم الثقة بين تشرشل وستالين، ووضعت الأساس للصراع الأيديولوجي والجيوسياسي الذي عرف فيما بعد باسم "الحرب الباردة".

الخلاف بين ستالين وروزفيلت
بينما كان ونستون تشرشل يمثل الخط المتشدد والمناهض للشيوعية بوضوح، كانت علاقة فرانكلين روزفلت بجوزيف ستالين أكثر تعقيدًا وتفاؤلاً، على الأقل في البداية. كان روزفلت يعتقد بإمكانه "إدارة" ستالين وإقناعه بالتعاون في نظام عالمي بعد الحرب يقوم على السلام والأمن الجماعي من خلال الأمم المتحدة. ومع ذلك، ظهرت خلافات جوهرية بينهما أدت إلى توترات كبيرة:
1. الأيديولوجية والرؤية لمستقبل العالم:
• رؤية روزفلت: كان روزفلت يؤمن بقوة الديمقراطية وحق تقرير المصير للشعوب. كان حلمه بعد الحرب يتمثل في نظام عالمي جديد يقوم على التعاون الدولي، وتحديداً من خلال منظمة الأمم المتحدة التي تضمن السلام وتمنع الصراعات المستقبلية. كان يرى في ستالين شريكًا ممكنًا في هذا المشروع، رغم علمه بخلفيته الشيوعية.
• رؤية ستالين: كان ستالين، كزعيم شيوعي، يؤمن بمبدأ الصراع الطبقي وتوسع الشيوعية. كانت رؤيته لمستقبل أوروبا والاتحاد السوفيتي تتمحور حول تأمين "منطقة عازلة" من الدول الموالية للسوفيت في أوروبا الشرقية لحماية الاتحاد السوفيتي من أي تهديد غربي مستقبلي. لم يكن يثق في النوايا الغربية، وكان يرى أن الديمقراطية الغربية هي مجرد غطاء للرأسمالية التي تعادي الاشتراكية.
2. الجبهة الثانية وتوزيع الجهد الحربي:
• مطالب ستالين الملحة: كانت الشكوى الرئيسية لستالين هي تأخر الحلفاء الغربيين في فتح "جبهة ثانية" في أوروبا الغربية (غزو فرنسا المحتلة). كان الجيش السوفيتي يتحمل العبء الأكبر والخسائر الفادحة على الجبهة الشرقية ضد ألمانيا. شعر ستالين أن الغرب يتعمد التأخير لإضعاف الاتحاد السوفيتي.
• موقف روزفلت: بينما كان روزفلت متعاطفًا مع الحاجة إلى جبهة ثانية، إلا أن القيود اللوجستية والعسكرية، بالإضافة إلى الأولويات الاستراتيجية الأخرى (مثل حملات شمال إفريقيا وإيطاليا)، جعلت الأمر يستغرق وقتًا. حاول روزفلت طمأنة ستالين بأن الإنزال سيحدث في الوقت المناسب، لكن هذا لم يقلل من شكوك ستالين.
3. مستقبل بولندا وأوروبا الشرقية:
• إصرار ستالين على النفوذ: كان ستالين مصرًا على أن تكون بولندا وأجزاء أخرى من أوروبا الشرقية ضمن دائرة النفوذ السوفيتي. كان هذا مدفوعًا بمخاوف أمنية عميقة بعد تعرض روسيا لغزو من الغرب عدة مرات في التاريخ (آخرها الغزو النازي).
• موقف روزفلت المتفائل: كان روزفلت، في مؤتمر يالطا (1945) على وجه الخصوص، يعتقد أنه يمكن التوصل إلى حل وسط بشأن بولندا من خلال "إعلان حول أوروبا المحررة" الذي ينص على إجراء انتخابات حرة. ومع ذلك، اتضح لاحقًا أن ستالين كان لديه تفسير مختلف تمامًا لمفهوم "الانتخابات الحرة" ولم يلتزم بالوعد، مما أثار غضبًا كبيرًا في الغرب بعد وفاة روزفلت. يعتقد بعض النقاد أن روزفلت كان ساذجًا في ثقته بستالين، بينما يرى آخرون أنه كان يرى أن الحلول الوسط ضرورية للحفاظ على التحالف.
4. مصير ألمانيا والتعويضات:
• مطالب ستالين بتعويضات صارمة: بعد الدمار الهائل الذي لحق بالاتحاد السوفيتي، طالب ستالين بتعويضات كبيرة من ألمانيا، ووافق روزفلت على مبدأ التعويضات، لكن التفاصيل وكيفية تنفيذها أصبحت مصدر خلاف لاحقًا (خاصة في مؤتمر بوتسدام بعد وفاة روزفلت).
• رؤية روزفلت لإعادة الإعمار: كان روزفلت يرى ضرورة إعادة بناء جزء من الاقتصاد الألماني لمنع الفوضى في أوروبا، وهو ما اختلف مع رؤية ستالين لتفكيك الصناعة الألمانية.
5. دور الأمم المتحدة:
• رؤية روزفلت للأمن الجماعي: كان روزفلت متحمسًا جدًا لفكرة الأمم المتحدة كأداة رئيسية للحفاظ على السلام العالمي. لقد كرس الكثير من جهده لضمان إنشاء هذه المنظمة.
• تحفظات ستالين: بينما وافق ستالين على الانضمام إلى الأمم المتحدة، إلا أنه أصر على حق الفيتو للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهو ما كان يراه ضروريًا لحماية المصالح السوفيتية. كان اهتمامه الرئيسي هو ضمان أن الأمم المتحدة لن تكون أداة ضد الاتحاد السوفيتي.
6. السرية وعدم الثقة (خاصة مع القنبلة الذرية):
• على الرغم من العلاقة الأكثر دفئًا بين روزفلت وستالين مقارنة بتشرشل وستالين، إلا أن الولايات المتحدة أبقت مشروع القنبلة الذرية سراً عن الاتحاد السوفيتي. عندما أبلغ ترومان (خلف روزفلت) ستالين عن القنبلة في مؤتمر بوتسدام، كان ستالين على علم بالفعل من خلال شبكته الاستخباراتية، مما زاد من شكوكه في نوايا الغرب.
باختصار، بينما كان روزفلت يتبنى نهجًا أكثر تصالحًا وتفاؤلاً تجاه ستالين، معتقدًا بإمكانية التعاون بعد الحرب، فإن الاختلافات الأيديولوجية العميقة، والمصالح الجيوسياسية المتضاربة، والشكوك المتبادلة حول النوايا الحقيقية، أدت في النهاية إلى ظهور خلافات حادة كانت أساسًا للحرب الباردة التي اندلعت بعد فترة وجيزة من وفاة روزفلت.

المصادر
وقائع تاريخية متفق عليها ورأي شخصي



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأراضي المتصدعة: حكاية عالم عربي مفكك
- من مصباح علاء الدين إلى عوالم الذكاء الاصطناعي: سحر يتجدد وت ...
- تأهيل المتطرفين دينياً ودمجهم: مقاربات من علم النفس التربوي، ...
- حلقة من حلقات الحرب
- أوكرانيا والغرب: تحالف بالوكالة
- أسطورة صغيرة عن الرقص
- الجمهورية الإسلامية على الحبال
- أغاني الغجر
- سحر الغجر
- كيف يمكن لحلف شمال الأطلسي الدفاع عن الأطلسي
- أسرار المخابرات البريطانية وإيران عام 1953
- عندما جاء الساموراي إلى أمريكا
- اعرف عدوك
- الحياة الخفية لنساء الساموراي
- العيون الخمس للمخابرات
- التحالف الأمريكي الياباني - ماضيه وحاضره ومستقبله الغامض
- العميل المزدوج الذي أدخل اليابان إلى الغرب
- عادل إمام: رائد السينما السياسية العربية
- عندما نبعثُ نحنُ الموتى
- لكلِّ شدةٍ... مدة


المزيد.....




- كريم محمود عبدالعزيز كما لم ترونه من قبل في -مملكة الحرير-
- متظاهرو البندقية يزعمون انتصارهم في تغيير مكان حفل زفاف جيف ...
- ترامب يرد على طرح أن إيران نقلت اليورانيوم المخصب قبل ضربة أ ...
- ترامب يُشبه ضربات إيران باستخدام النووي في هيروشيما وناغازاك ...
- دبلوماسي ومفاوض إيراني سابق يحذّر عبر CNN: إذا سعت واشنطن إل ...
- ترامب يُشبّه ضربة إيران بـ -هيروشيما- ويؤكد: أخبار جيدة عن غ ...
- الرئيس الإيراني يعلن -نهاية حرب الـ 12 يوما المفروضة على بلا ...
- بقرار إداري.. هبوط أولمبيك ليون بطل فرنسا سبع مرات إلى دوري ...
- افتتاح فندق إسرائيلي فاخر في حي فلسطيني مسلوب غربي القدس
- 10 أشخاص كانوا خلف تطور الذكاء الاصطناعي بشكله اليوم


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد الكريم يوسف - كيف حارب تشرشل وروزفلت وستالين هتلر – ثم حاربوا بعضهم البعض