أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد خليل - نحو قراءة استراتيجية للحظة الشرق الأوسط: جدلية الانفجار الجيوسياسي والتفكك الأخلاقي في النظام الدولي














المزيد.....

نحو قراءة استراتيجية للحظة الشرق الأوسط: جدلية الانفجار الجيوسياسي والتفكك الأخلاقي في النظام الدولي


خالد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8378 - 2025 / 6 / 19 - 12:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في اللحظة الراهنة، لا يكفي أن نستنكر الحروب أو أن نرصد أرقام الضحايا؛ ثمة حاجة إلى تجاوز المرويات الخطية المعتادة، والانخراط في قراءة عميقة لبنية الأحداث التي تتشكّل من داخلها صورة جديدة للعالم. ما نشهده اليوم في الشرق الأوسط ليس مجرد تصعيد عسكري بين قوة نووية إقليمية وقوة نووية محتملة، ولا مجرد مجزرة في قطاع محاصر، بل هو منعطف تاريخي حاد، يتكثف فيه فشل النظام الدولي، وانكشاف تناقضاته، وانزلاقه العلني نحو قانون الغلبة.

أولًا: الشرق الأوسط في هندسة الاضطراب الدولي

لم يعد الشرق الأوسط هامشًا للعبة الأمم، بل تحول إلى مختبر علني لإعادة ضبط التوازنات بين القوة والنفوذ والمعنى. ما يجري في المنطقة ليس وليد مواجهة بين دول، بل تفاعل معقّد بين أنظمة أمنية تتآكل، ورهانات قومية متضخمة، وتحالفات خارجية تعيد صياغة قواعد الصراع بما يتجاوز حتى مصالح شعوبها.

ليس سلاح إيران هو المشكلة، ولا ترسانات إسرائيل هي الحل. إن البنية العميقة للأزمة تكمن في غياب مشروع عادل يعيد الحياة في الإقليم، واحتكار رواية “التهديد” من طرف واحد، وتغييب الصوت العربي عن المعادلة، إما بفعل الوهن أو بفعل التواطؤ.

ثانيًا: موت الضمير العالمي وتفكك المشترك الإنساني

إذا كانت الحروب تقيسها الدول بالقوة التدميرية والدقة التقنية، فإن الشعوب تقيسها بعمق الجرح وامتداد اليُتم. لكن ما يحدث اليوم يذهب أبعد من ذلك. العالم لا يكتفي بالصمت، بل يمارس تصنيفًا للمآسي وفقًا للهوية الدينية، والعرق، والتحالفات. ثمة دماء لها أصداء في الإعلام، ودماء لا يتجاوز صداها جدران المنازل المحترقة.

إن أخطر ما يحدث ليس فقط قتل الإنسان، بل قتل فكرة “الإنسان”. تحويل المأساة إلى مجرد “خسائر جانبية” هو تبرير لنظام ما بعد-أخلاقي، يعيش فيه الغرب قطيعة تامة مع المبادئ التي روّج لها منذ قرون، حيث سقطت مفاهيم مثل “الكرامة” و”حقوق الإنسان” في فخ البراغماتية العارية.

ثالثًا: المأساة المزدوجة لغزة والفراغ الاستراتيجي

غزة ليست جغرافيا صغيرة تئن تحت الحصار فحسب، بل صرخة دائمة في وجه عالم يتقن لغة الأرقام ويتجاهل لغة الأوجاع. لكن الأسوأ من كل ذلك أن غزة باتت أيضًا مرآة تعكس الغياب العربي الإسلامي المريع؛ أنظمة تملك الجيوش ولا تملك القرار، تملك الموارد ولا تملك الإرادة، تُتقن لغة الإدانة ولا تعرف لغة الردع.

هذا الفراغ الاستراتيجي هو الذي يسمح بتحوّل المذابح إلى روتين دولي، وبتكرار الإبادة تحت غطاء “مكافحة الإرهاب”، دون أن يُطرح سؤال: من يعرّف الإرهاب؟ ومن يمنحه مشروعية الإبادة الجماعية؟

رابعًا: إيران خارج الصورة النمطية

إن اختزال إيران في بعدها النووي هو جزء من هندسة التشويه الاستراتيجي. إيران ليست مجرد طموح عسكري، بل تعبير عن مشروع ثقافي وهوياتي وسياسي يجد امتداده في عمق العالم الإسلامي. ليس دفاعًا عن سياساتها بالضرورة، ولكن تحذيرًا من الغفلة التحليلية: من يعادي إيران فقط لأنها تتحدى المعايير المزدوجة، سيكتشف أن العدو التالي قد يكون دولة أخرى، وربما مجرّد جماعة تؤمن بكرامتها.

المسألة هنا لا تتعلق بقبول أو رفض إيران ككيان سياسي، بل في كشف الآلية التي يتم فيها شيطنة الآخر وتحويله إلى مادة قابلة للضرب، لأن “شيطنته” مهّدت الأرضية لتبرير العدوان عليه.

خامسًا: مشروع التفكيك والتمزيق: نهاية الجغرافيا وبداية الخرائط الوظيفية

ثمة مؤشرات متراكمة تدلّ على أننا دخلنا مرحلة “إعادة نحت الشرق الأوسط” لا بالحبر، بل بالدم. هناك تصور يُدار في كواليس مراكز القرار الكبرى مفاده أن الحدود القديمة التي رسمها الاستعمار البريطاني والفرنسي باتت عاجزة عن أداء وظائفها الجيوسياسية، وأن الوقت قد حان لإعادة تفتيت المفتت، وفق خرائط طائفية، عرقية، وأمنية.

لم تعد المسألة تتعلق بتغيير نظام هنا أو هناك، بل بخلق كيانات وظيفية تلعب أدوارًا محددة ضمن شبكة الهيمنة الدولية، وتخضع للمراقبة المباشرة سياسيًا واقتصاديًا ومعلوماتيًا. وفي هذا السياق، تصبح كل حرب، سواء في غزة أو طهران أو بغداد أو صنعاء، مجرد “حجر” في بناء نظام إقليمي جديد لا مكان فيه لسيادة حقيقية أو قرار مستقل.


خاتمة: ما العمل؟

ليس المطلوب اليوم أن نحزن أكثر، أو أن نستنكر بقوة أكبر، بل أن نفكّر. أن نعود إلى تأسيس خطاب استراتيجي عربي إسلامي لا يكتفي بالشكوى، بل يقترح تصورات واقعية ومتماسكة للرد، والمواجهة، والبناء. يجب أن يُستعاد العقل العربي والإسلامي من أسر الانفعال إلى منطق الفعل. وأن نعيد تعريف أمننا القومي، وهويتنا، ورسالتنا في العالم.

في هذا الزمن الذي تُمزق فيه الشعوب، وتُشوّه فيه الجغرافيا، وتُختطف فيه القيم، لا بد من عقل مقاوم، لا عقل شكّاء، ومن رؤية مؤسسة، لا مجرد ردود فعل.

فحين ينهار الضمير الدولي، لا يبقى إلا أن نحمي ضميرنا.
وحين تتفكك الجغرافيا، لا بد أن نعيد ترسيمها داخل وعينا أولًا.
وحين تُفرض علينا الهزيمة كواقع، لا بد أن نُبقي النصر ممكنًا كفكرة.



#خالد_خليل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أشعر…
- لماذا يتراجع ترامب؟ ولماذا بدأت إسرائيل بالانكفاء؟
- أريد…
- معمارية الرد السيادي المتعدد المحاور: تجسيد للرؤية الإيرانية ...
- الخوف من التطور والذكاء الاصطناعي: انكفاء في أدوات المعرفة أ ...
- بين جرأة إيلون ماسك وبلادة ترامب
- الوعي واللاوعي بين التحليل النفسي ونظرية تذبذب المعلومات (IO ...
- نظرية التذبذب المعلوماتي: الجمع بين ميكانيكا الكم والنسبية ف ...
- القصيدة التي حلمتُ بها
- عوالم لا حصر لها: رؤية علمية وإنسانية لموقعنا في الكون / مقا ...
- مرآة الرؤى المتكسّرة ( نوفيلا شعريّة رمزيّة )
- تراتيل جوفية
- سيكولوجية الخوف من المستقبل: الذكاء الاصطناعي نموذجًا
- اليمن… حين يكتب المنسيّ خرائط الردع الجديدة
- القبة الذهبية الأميركية: درعٌ أم شرارة؟ – قراءة تقنية واسترا ...
- زمن الدم المؤجل — صرخة من تحت الركام
- مناجاة البحر
- من الرماد إلى الوعي: في النكبة كحدث كوني والنهضة كفعل خارج ا ...
- الإمارات والولايات المتحدة: اتفاقية الذكاء الاصطناعي بين الط ...
- الغياب (قصيدةٌ تمشي في القلب حافية)


المزيد.....




- العراق.. السيستاني يشعل تفاعلا ببيان عن استمرار استهداف إيرا ...
- هل ما يحدث في طهران استهداف لتغيير أو تدمير النظام؟.. شاهد ر ...
- أضرار جسيمة داخل مستشفى سوروكا ببئر السبع إثر قصف إيراني واس ...
- إيران تمدد إغلاق مجالها الجوي حتى يوم غد
- جنرال العقوبات والقبضة الحديدية.. من هو محمد كرمي قائد القوا ...
- ياسين بونو.. أسطورة مغربية تتألق في أكبر البطولات العالمية
- الجيش الإسرائيلي يبث مشاهد لاستهدافه مفاعل آراك (فيديو)
- الخارجية الإيرانية: عراقجي سيترأس الوفد الإيراني إلى مفاوضات ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد باغتيال خامنئي (فيديو)
- روسيا تطالب إسرائيل بوقف ضرباتها للمواقع النووية الإيرانية ف ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد خليل - نحو قراءة استراتيجية للحظة الشرق الأوسط: جدلية الانفجار الجيوسياسي والتفكك الأخلاقي في النظام الدولي