خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8346 - 2025 / 5 / 18 - 18:48
المحور:
الادب والفن
همست لي الريح وقالت: قل للبحر،
يا بحر…
جئتُك لا لأفهمك، بل لأنصت لما لا يُقال.
جئتُك لا لأُخيفك، بل لأذوب فيك دون مقاومة.
رجلاي فيك، لكنني كلّي في سؤالٍ لم يُولد بعد.
لا تهمس له ولا تنتظر همسه، بل كن أنت الموجة التي نسيها،
وافتح باب التخيّل حتى تصير ماءهُ وملحهُ وحنينهُ.
قل له:
أيها البحر، كم من سرٍّ أودعوه فيك لئلا يُقال؟
وكم من دمعةٍ صرتَ لا تفرّقها عن المدّ؟
هل أنتَ الزمان السائل، أم ذاكرة الله حين أراد أن يتذكّرنا؟
أطلِق العنان، فالواقفون أمام البحر لا يطلبون أجوبة،
بل يطلبون أن يمحي السؤال في حضرة السعة.
يا بحرُ،
جئتكَ لا سائلاً، بل موجًا نسيَ اسمه،
أقفُ أمامك لا ككائنٍ من تراب،
بل كحنينٍ تأخّر عن الرجوع.
رجلايَ في مائك،
لكن قلبي في سماواتك،
يرقبُ اتّساعك كمن ينتظرُ اعترافًا
من صمتٍ يعرف كلّ شيء،
ولا يقول شيئًا.
أأهمس لك؟
بل دعني أُبحر فيك دون سفينة،
أدعوكَ أن تهمس لي لا بكلمات،
بل بزبدٍ يحمل وجوهَ الذين نسيتُهم
وهم لم ينسوني.
يا صدقي، يا كذبي الجميل،
يا بحرَ الطفولة حين كنّا نرمي أحزاننا فيك
ونرجع أخفّ ممّا جئنا.
تخيّلتك مرآتي،
لكنّك الغياب المتلألئ،
الصورة التي لا تنعكس
إلا في العيون المغمضة.
فقل لي، أيها الأزرق الأبعد:
هل أنا أنا؟
أم ظلّي الذي نسيَ أن يعود؟
يا بحر، يا تجلّي السَتر
جئتك لا لأسألك، بل لأمحي فيك،
كقطرةٍ تاقت أن تنسى حدودها
في حضرة اللّامحدود.
رجلايَ على الرمل،
لكن روحي منذ قرونٍ تمشي إليك،
عاريةً من الإرادة،
مُحمّلةً بالشوق.
يا بحر، يا حضرة السَتر،
يا سِرَّ الله حين انسكب ماءً،
كم من وليٍّ عبرك باكيًا،
وكم من عاشقٍ ذاب فيك حتى عاد نورًا!
أأهمس لك؟
بل أنت الهمسُ حين يتطهّر،
أنت الذكرى التي تُقال بين التسبيح والتنهد،
أنت الرُوح حين تشتاق لصداها.
أبحر بي، يا واسعًا كالعلم المخبوء،
أبحر بي حتى أنسى اسمي،
وأصير كما كنتُ قبل أن أُخلق:
معنىً يُحبّ الله في صمته.
كل موجةٍ منك آية،
وكل زبدٍ نفَسٌ من تجلٍّ،
فهل تسمح لفقيرٍ مثلي
أن يطوف بك كمن يطوف حول النور؟
يا صدقي إذا كذبتُ على نفسي،
ويا عذري إذا سقطتُ في التيه،
أُشهدكَ أنني جئتُك لا شاعراً،
بل سائلَ غفرانٍ…
من ماءٍ إلى ماء.
فها أنا الآن،
لا واقفٌ على الضفّة،
ولا عابرٌ في الزمن،
بل قطرةٌ ذابت في أصلها،
نقطةٌ نُسيت في السطر الأول من الوحي.
ما عدتُ أسمّي نفسي،
ولا أبحث عن دليل،
فكل الجهات ضاعت،
حين دارت بي مراكب العرفان.
يا بحر،
ما عدتُ أخاطبك،
بل أخاطب فيك ما فيَّ،
وأسجد لِما سجد له موجك حين قال: كن.
هل تسمعني؟
بل أنا الصوت فيك،
وأنت الصدى فيّ،
وما بيننا اسمٌ لله
لم يُكتب بعد.
فافتح لي
بابك الذي لا يُرى،
واكسرني
كما يكسر الله مرآته ليُعيد صنعها من نور.
أنا الآن
لا شيء…
فخذني كلَّ شيء.
#خالد_خليل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟