أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد خليل - تحولات النظامين السوري واللبناني في هندسة إقليمية مضادة للمقاومة: تفكيك الفصائل كمدخل لوظيفة أمنية جديدة














المزيد.....

تحولات النظامين السوري واللبناني في هندسة إقليمية مضادة للمقاومة: تفكيك الفصائل كمدخل لوظيفة أمنية جديدة


خالد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8332 - 2025 / 5 / 4 - 10:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمة:

في خضم ما يشبه إعادة تشييد الإقليم على أنقاض سنوات من الحروب والثورات والحصارات، يُعاد ترتيب أولويات الفاعلين الرسميين في المشرق. الأنظمة التي استنزفتها الفوضى لم تُستعد كجزء من تسوية عادلة، بل كأدوات ضمن ترتيبات ما بعد الحرب، ليس فقط في غزة، بل على امتداد الجغرافيا المتاخمة لفلسطين. وفي هذا السياق، تتقدم خطة يبدو أنها ناضجة الآن: تصفية التواجد الفصائلي المقاوم، ليس بوصفه خللًا، بل بوصفه العائق الأخير أمام تحويل المنطقة إلى مجال أمني مغلق تحت السيطرة، تتلاشى فيه كل المبادرات الحرة المستقلة.

أولًا: نحو دور وظيفي جديد — استعادة الأنظمة بوصفها وكلاء أمنيين لا شركاء سياسيين

لا تُمنح الأنظمة اليوم فرصة العودة إلى المسرح الإقليمي بوصفها كيانات ذات سيادة كاملة، بل بوصفها مشغّلين محلّيين لملفّات تتعلّق بـ”ضبط الفائض المقاوم”. هذه الاستعادة مشروطة، مربوطة بإشارات ولاء جديدة، تأتي هذه المرّة من بوابة قمع الفصائل أو تحييدها، بما يخدم تصفية المشهد المقاوم التاريخي في سوريا ولبنان.

في لبنان، لا يمكن فصل الضغط المتصاعد على فصائل المقاومة الفلسطينية عن تحولات أوسع في علاقة النظام اللبناني بالمجتمع الدولي. الدولة، المثقلة بأزماتها، تُطلب منها اليوم مهمة دقيقة: أن تتحول إلى ميدان لتجفيف المنابع المعنوية والعسكرية لأي فصائل لا تندرج تحت لواء “السيادة الرسمية”، حتى ولو كانت هذه الفصائل تخوض، كما في غزة، معركة وجود أمام عدوّ محتل.

في سوريا، النظام الذي طالما استخدم ورقة الفصائل في خطاباته، بات الآن مضطرًا لتقديم رأسها على طبق، ضمن تسوية كبرى غير معلنة، تتجاوز حدود الدولة لتلتحق بمنطق السوق الجيوسياسي: من يدفع أكثر، يقرر أكثر.

ثانيًا: المؤشرات الأولية — من التحذير إلى القمع
1. في لبنان: التحذير الذي وُجّه إلى حركة حماس إثر إطلاق صواريخ من جنوب لبنان، ليس إجراءً أمنيًا عابرًا، بل مؤشر على نضج قرار أعلى، مدعوم دوليًا وإقليميًا، بمنع تحويل لبنان إلى ساحة ردع موازية. اللافت هنا ليس فقط التحذير، بل طبيعة الخطاب الذي رافقه، حيث جرى تصوير الفعل المقاوم كـ”مغامرة غير مسؤولة”، بما يعكس انقلابًا رمزيًا على مفردات كانت قبل عقد فقط محل إجماع شعبي ورسمي في لبنان.
2. في سوريا: اعتقال قيادات من “الجهاد الإسلامي” و”القيادة العامة” يشير إلى انخراط النظام السوري في مسار جديد، أكثر التصاقًا بلغة المصالح وأبعد ما يكون عن اللغة المبدئية. هذا الانخراط لا يُقرأ في معزل عن تكرار الحديث عن تطبيع محتمل، وعن إشارات حسن نية تُرسل عبر “التخلّص من عناصر غير منضبطين” كما يُصوّر في الإعلام الأمني.

ثالثًا: تفكيك الفصائل كإستراتيجية ممنهجة — من السيطرة إلى التجريف

المسألة لم تعد محصورة بمنع إطلاق صواريخ، بل تتجاوز ذلك نحو تفكيك كامل للمجال السياسي الذي أنتج الفصائل تاريخيًا. نحن أمام عملية تجريف، لا فقط للسلاح، بل للذاكرة، للرواية، للرمز. الهدف ليس فقط ضبط الجغرافيا، بل ضبط المعنى.

في هذا السياق، لا يجري استهداف الفصائل لأنها مصدر فوضى، بل لأنها تمثل بؤر مقاومة عصية على الإدماج في النظام الإقليمي الجديد، الذي يقوم على تحويل القضية الفلسطينية إلى ملف إداري يُدار عبر صناديق التمويل والوعود الدولية، لا عبر الكفاح والتحرر.

رابعًا: صفقة النظام الإقليمي الجديد — التطبيع مقابل التفكيك

كل ما يجري يشير إلى صفقة غير مكتوبة: إعادة إدماج الأنظمة المعزولة (كسوريا)، ودعم الأنظمة المنهارة (كلبنان)، مقابل الالتزام الصارم بترتيب أمني جديد يجعل من المقاومة هدفًا مستترًا ضمن بند “محاربة الفوضى”.

في هذا الترتيب، تصبح الفصائل الفلسطينية عبئًا يجب التخلص منه، أو على الأقل تفكيكه وتحويله إلى أداة لا تهدد الحسابات الجيوسياسية الجديدة. المقاومة تُختزل في مجازفات غير محسوبة، ويُعاد تصويرها كمصدر تهديد للاستقرار، بدل أن تُفهم كسياق نضالي مشروع.

خامسًا: إعادة هندسة الفضاء السياسي — من السيادة إلى الاحتواء الأمني

ما يُصاغ اليوم هو ليس فقط مشهدًا جديدًا للسلطة، بل خريطة رمزية تعيد تعريف مفهوم “السيادة” في المشرق العربي. السيادة، كما تُعاد كتابتها الآن، لا تعني الدفاع عن الأرض أو دعم القضية الفلسطينية، بل تعني منع أي فعل لا يمكن التنبؤ به أو توجيهه من المركز.

وبذلك، تتحول الأنظمة إلى أدوات في مشروع إقليمي أكبر، يُمسك بخيوطه تحالف غير معلن يجمع واشنطن، الرياض، أبو ظبي، أنقرة، وتل أبيب، وكل ما هو خارج هذا المحور يُستهدف، سواء بالوصم أو بالتجويع أو بالضبط القسري.

خاتمة: مقاومة التصفية الرمزية

اللحظة التي نعيشها ليست فقط لحظة تصفية للسلاح، بل للرمز. الفصائل ليست مجرد مجموعات مسلحة، بل هي تعبير عن ذاكرة جماعية ومشروع تحرري لا يزال حيًّا رغم كل محاولات خنقه.

التواطؤ الإقليمي والدولي، الذي يجد في الأنظمة الهشة وكلاء طيعين، يراهن على أن تعب الشعوب سيمنح الضوء الأخضر لهذا التفكيك الصامت. لكن ما يتجاهله هذا المنطق هو أن ما يُكبت لا يموت، وأن جذوة المقاومة، وإن انطفأت تحت السطح، تبقى حية، تبحث فقط عن لحظة انفجار جديدة تعيد المعنى إلى الجغرافيا.



#خالد_خليل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القتل على الهوية في سوريا: جريمة مركّبة وخطاب مضلّل
- بعد صراع الحضارات: نحو تفكيك الخوارزميات وصعود السلطة اللامر ...
- كتاب بيان السيليكون العربي (النسخة الكاملة)
- بيان السيليكون العربي (ثورة الهوية الهجينة تحت الاستعمار الك ...
- أثر النور
- الهوية بين القومية والمدنية: قراءة عربية في المأزق الثقافي ا ...
- محمود عباس: حين يتحوّل -الصمت الرسمي- إلى شبهة تواطؤ
- بين المستعمِر والمستعمَر: في نقد إمكان التفاهم – تعليق على ط ...
- حينما وجدتني فيكِ
- نسيتني إلى ان تلقفني الله
- سماءٌ تمشي على قدمين
- نزع سلاح حماس وحزب الله: طرح إعلامي أم مشروع إستراتيجي؟
- صوامع الألم
- كتاب : “حين أنجبت الريح طفلًا”
- أنا الذي حلم بي القدر ثم نسيني قصيدة من خمسة فصول نثرية
- الجهاد بين فرض العينية ورؤية الدولة: قراءة فقهية في ضوء الفت ...
- حين يصير القلب وطنًا
- التعريفات الجمركية في عهد ترامب: بين سيادة الاقتصاد الأمريكي ...
- قيامة الطين والنور
- ضعي قلبي بين يديكِ


المزيد.....




- انقسام باختيار خليفة البابا فرنسيس.. ماذا يقف على المحك؟
- لأول مرة.. سقوط صاروخ أطلق من اليمن قرب مطار بن غوريون في إس ...
- الصحف الإيطالية تكشف كيف يلعب ماكرون بورقة البابا!
- شجرة تاريخية زرعت في لندن عام 1762 تدخل عصر الفن الرقمي
- شاب سوداني يتطوع لدفن قتلى الحرب في السودان
- هل شرب القهوة خلال تناول الطعام مُضر؟
- ترامب يتعرض لانتقادات بعد نشره صورة بالذكاء الاصطناعي باعتبا ...
- الكرملين: الرئيس الصيني سيزور روسيا في 7-10 مايو
- السيسي يتسلم دعوة رسمية من العراق لحضور القمة العربية
- -محملة بذخائر-.. الجيش السوداني يعلن استهدافه طائرة أجنبية ب ...


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد خليل - تحولات النظامين السوري واللبناني في هندسة إقليمية مضادة للمقاومة: تفكيك الفصائل كمدخل لوظيفة أمنية جديدة