خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8343 - 2025 / 5 / 15 - 17:18
المحور:
كتابات ساخرة
في خطابه الأخير من قاعدة “العديد” في قطر، وقف دونالد ترامب، ببدلته المعتادة وبحركات يديه التي تُلخّص فلسفة عصر ما بعد الحقيقة، ليُدلي بتصريح بدا وكأنه مقتبس من نشرة أحوال الطقس:
“ما في مبنى واحد سليم في غزة! هذا غير مقبول!”
هكذا، بكل فصاحة ودهشة مصطنعة، عبّر الرئيس الأمريكي السابق عن صدمته من أن مدينة خضعت لقصف متواصل منذ أشهر، لا تزال مدمّرة!
هل توقّع أن تعيد غزة بناء نفسها بين الغارات؟
هل انتظر أن تنهض الأبنية من تحت الركام لتقول له: “اطمئن، نحن بخير”؟
أم أن القنابل التي أسقطتها إسرائيل — ووقّعت عليها أمريكا — كانت تحمل خاصية “الهدم الإنساني المحسوب”؟
السؤال ليس عمّن دمّر غزة، فذلك مسجّل في سجلات مصانع السلاح الأمريكية ودفاتر تسليح إسرائيل.
السؤال: لماذا يتظاهر ترامب بأنه لم يشارك في الحفل؟
وكيف له أن يعرب عن “القلق” بينما بصماته على كل حجرٍ تكسّر؟
المفارقة الأكثر إثارةً للغثيان لم تكن في كلام ترامب، بل في صمت من حوله.
لا أمير عربياً قاطع الخطاب.
لا رئيساً تدخّل وقال له: “على مهلك يا ترامب، هذه المباني تهدّمت بقنابلك!”
لا حتى مُذيعاً صحفياً تجرّأ على سؤاله عن معنى هذا التصريح السريالي.
هل أصبح العالم العربي مجرد صفٍ من الحاضرين في مؤتمر علاقات عامة؟
هل تحوّلت الكارثة إلى خلفية ديكور لخطابات الغربيين المتفاجئين من آثارهم؟
وإذا كانت غزة “غير مقبولة” مدمّرة، فهل كانت مقبولة وهي محاصرة، جائعة، مكهربة، مخنوقة؟
ترامب لم يُخطئ في وصف الواقع،
بل أخطأ – عن وعي – في تجاهل الأسباب،
وغابت عنه الشجاعة ليكمل الجملة:
“غزة مدمّرة… لأننا دمّرناها.”
لكن لا بأس، ففي زمن النفاق البشوش،
يُلقى اللوم على الضحية،
ويُمنح المعتدي منبراً للتأسف،
ويصمت العرب… لا لأنهم عاجزون، بل لأنهم مشغولون:
يُعدّون بيانًا جديدًا لإدانة مذبحة مستقبلية.
#خالد_خليل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟