أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد خليل - السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط: التوسع الإسرائيلي، تهجير الفلسطينيين، وزيارة ترامب إلى الخليج — قراءة نقدية في منطق الصفقات















المزيد.....

السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط: التوسع الإسرائيلي، تهجير الفلسطينيين، وزيارة ترامب إلى الخليج — قراءة نقدية في منطق الصفقات


خالد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8342 - 2025 / 5 / 14 - 18:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ عقود، شكّلت السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط محورًا استراتيجيًا لإعادة إنتاج النفوذ الإمبراطوري في المنطقة، إلا أن عهد الرئيس دونالد ترامب شكّل نقطة تحوّل نوعي في هذه السياسة، حيث انتقل الخطاب من الدبلوماسية التقليدية إلى منطق “الصفقات” كأداة لإدارة التحالفات، إعادة رسم الخرائط، وحتى تصفية القضايا التاريخية كالقضية الفلسطينية. في قلب هذه الرؤية، لا تبرز إسرائيل كحليف فقط، بل كركيزة وجودية لمشروع أمريكي أشمل في المنطقة يقوم على دعم التوسع، تفكيك الهويات، وتصفية المسائل “المعلّقة” عبر مقايضات استراتيجية تتجاوز المعقول والعدالة.

وفي هذا الإطار، تأتي زيارة ترامب الأخيرة إلى الخليج العربي — خصوصًا في هذا التوقيت المتفجر — لتشكل امتدادًا عمليًا لهذا النهج. فليست الزيارة سوى محاولة جديدة لإبرام صفقة شاملة، تُعيد موضعة الولايات المتحدة في الإقليم، وتحشد دعماً صامتاً لإعادة هندسة القضية الفلسطينية وفق منطق اقتصادي-أمني، لا يعترف بالحقوق، بل بالأثمان والمقايضات.

التوسّع الإسرائيلي كعقيدة أمريكية

في خطاباته المعلنة، لم يُخفِ ترامب اعتقاده بأن “إسرائيل صغيرة، ويجب أن تتوسع”. هذا التصريح لا يُقرأ كجملة عرضية، بل كخلاصة لفكر استراتيجي يرى في الاحتلال مشروعاً قابلاً للتوسعة، وفي الأرض الفلسطينية مخزوناً احتياطياً لأمن إسرائيل. لقد منحت الإدارة الترامبية الضوء الأخضر لتوسيع المستوطنات، وضم أراضي الضفة، والاعتراف الكامل بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، في سابقة لم تشهدها الإدارات الأمريكية السابقة بهذه الوقاحة السياسية.

تحت هذا الغطاء، يتم تحويل التوسع الإسرائيلي من انتهاك للقانون الدولي إلى “ضرورة جغرافية”، ما يجعل من التهجير الجماعي للفلسطينيين ـ من غزة إلى سيناء، ومن الضفة إلى الأردن ـ بندًا محتملاً على أجندة الصفقات الكبرى. هذا المنطق يختزل وجود الشعب الفلسطيني في معادلة ديمغرافية مزعجة ينبغي “تفريغها” لا التفاوض معها، وتلك هي جوهر “الواقعية الترامبية”.

من غزة إلى سيناء، ومن الضفة إلى الأردن: هندسة التهجير الجديد

أحد الأركان المستترة في “صفقة القرن” كانت فكرة ترحيل الفلسطينيين إلى الدول المجاورة: مصر والأردن تحديدًا. والهدف الظاهري هو “حل الأزمة الإنسانية”، أما الهدف الحقيقي فهو تسهيل التوسع الإسرائيلي دون عراقيل ديمغرافية. هكذا يتحول الفلسطيني من لاجئ إلى عبء إقليمي، ومن مقاوم إلى نازح يمكن تعويضه بالمال.

وتأتي هذه التصورات ضمن ما يمكن وصفه بسياسة “تفريغ الأرض”، حيث يتم تفكيك المجتمع الفلسطيني من جذوره، وتجريده من حق العودة، بل ومن حق البقاء. ويترافق هذا مع وعود بمشاريع اقتصادية وهمية تُقدّم كبديل للحرية، في عملية إحلال قسري تبررها إدارة ترامب بمنطق المصلحة والسلام.

زيارة ترامب إلى الخليج: هندسة الدعم ومقايضة الولاءات

ضمن هذا السياق الكلّي، تأتي زيارة ترامب الأخيرة إلى الخليج كجزء من خطة هندسة ما تبقى من البيئة الإقليمية لدعم مشروع التوسّع الإسرائيلي. الزيارة لا يمكن فصلها عن طموح ترامب في إعادة ترتيب الاصطفافات، وتحويل ثقل الخليج من دعم القضية الفلسطينية إلى الانخراط في مشروع اقتصادي-أمني جديد يتضمن:
1. تسهيل التوطين القسري عبر ضغط ناعم على مصر والأردن.
2. تعزيز مسار التطبيع وتوسيع نطاقه ليشمل ما تبقى من دول الخليج.
3. الحصول على “الترليونات الخليجية” مقابل ضمانات أمنية غير مضمونة، وصفقات تسليحية تكرس التبعية.
4. فتح المجال أمام تسوية شاملة مع إيران من خلف الكواليس، رغم التصعيد العلني، في مفارقة تؤكد أن العداء مجرد سلعة قابلة للتفاوض.

الزيارة، إذًا، لم تكن سياسية بالمعنى الكلاسيكي، بل كانت اقتصادية-أمنية تهدف إلى تأمين الحلفاء عبر المال، لا المبادئ. وفي الخلفية، كانت غزة حاضرة — لا كأرض مقاومة، بل كمشكلة ينبغي “حلها” بتفريغها، وتحويلها إلى منطقة قابلة للبيع أو الإلحاق.


منطق الصفقات الترامبية: اللاحدود واللامبادئ

ترامب لا يرى في السياسة إلا ميدانًا للتجارة. وهو في ذلك لا يخفي نزعته: لا ثوابت، لا حلفاء دائمين، لا أعداء مطلقين. كل شيء قابل للمساومة. من القدس إلى طهران، من السعودية إلى قطر، من غزة إلى واشنطن. حتى القضية الفلسطينية — التي كانت يومًا معيارًا أخلاقيًا للعالم العربي — تحوّلت إلى سلعة تفاوضية، تخضع لتوازنات الربح والخسارة.

هذه “الترامبية السياسية” تنبع من رؤية تعتبر أن القانون الدولي، والقرارات الأممية، وحتى الحقوق الإنسانية، كلها مجرد أوراق تفاوضية قابلة للدهس إن اقتضت الصفقة ذلك. ولهذا، لم يكن مفاجئًا أن تُختزل معاناة الفلسطينيين في أرقام مالية ضمن “صفقة القرن”، وأن يُقترح عليهم الاستسلام مقابل المال، أو الرحيل مقابل الصمت.

في خضم هذا المشهد المركّب، تأتي زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الخليج في توقيت بالغ الرمزية، متزامنة مع ما يمكن وصفه بـ”إيماءة استراتيجية” من جانب حركة حماس تمثّلت في الإفراج عن الجندي الإسرائيلي-الأمريكي عيدان ألكسندر، بعد أكثر من عام ونصف من أسره. هذه الخطوة لم تكن مجرد بادرة إنسانية، بل هي قراءة دقيقة لميزان القوى، واستثمار لحظة سياسية حرجة تسعى فيها إدارة ترامب إلى حصد مكاسب إقليمية كبرى تحت غطاء الهدنة والمساعدات.

لكن وراء الخطاب الإنساني المعلن، تظل سياسة الصفقات الترامبية حاضرة بكل تجلياتها: مزيج من الابتزاز الاقتصادي، وإعادة رسم الخرائط السكانية بالقوة، وتوسيع رقعة الاحتلال الإسرائيلي باسم الأمن والسلام. وفي هذا الإطار، لا يبدو أن الهدنة المنشودة تنبع من اعتراف متبادل بالحقوق، بقدر ما هي تكتيك مؤقت في لعبة كبرى لإعادة توزيع النفوذ، وتحويل القضية الفلسطينية إلى مجرد بند تفاوضي في بازار إقليمي واسع، تُباع فيه المبادئ وتُشترى السيادة.

إن الإفراج عن الجندي الأمريكي لم يكن نهاية فصل، بل بداية فصل جديد من الضغط والمساومة، حيث تُستخدم المعاناة كعملة تفاوض، وتُعاد صياغة القضية الفلسطينية ضمن هندسة سياسية تستبطن الطرد والتفريغ والضم، لا العودة والتحرر. وبهذا المعنى، فإن التهدئة الموعودة ليست إلا هدنة مقنّعة في سياق مشروع تهجيري-استيطاني أوسع، يتموضع فيه ترامب لا كوسيط نزيه، بل كمهندس لشرق أوسط جديد يُفرغ من الفلسطينيين ويُعاد تشكيله على مقاس إسرائيل الكبرى، وصفقات القرن القادمة

خاتمة: شرق أوسط تُعاد صناعته بالمال والخوف

ما تسعى إليه إدارة ترامب، وما يواصله عبر أدواته السياسية والاقتصادية، هو صناعة شرق أوسط جديد لا يقوم على التوازن، بل على الإخضاع. شرق تُعاد صياغة حدوده بما يناسب المشروع الإسرائيلي، وتُمنح فيه الدول الخليجية دور “الوسيط المالي” لا السياسي. أما الفلسطيني، فمكانه الوحيد هو خارج الجغرافيا وخارج التاريخ.

هذه ليست سياسة، بل هندسة جيوسياسية جديدة، تهدف إلى دفن القضية الفلسطينية بأيدٍ عربية، وإعادة تعريف الحليف والعدو وفقاً لحجم الاستثمار، لا للعدالة أو المبادئ.

إنها حقبة الصفقات، حيث كل شيء يُشترى، حتى الوطن



#خالد_خليل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في سويداء قلبي…
- الكائن المُركَّب: انبثاق البنية الهجينة ونهاية الإنسان بوصفه ...
- التي منها كانت القصائد
- كأنني آخرُ مَنْ تذكَّرَ البداية
- كأنّي لم أكن… أو كنتُ أكثر
- ازدجرني الألم، غير أني ألوذ بك
- حين تنحني الإمبراطوريات: اتفاق اليمن وأميركا كعلامة على تغير ...
- البُنى التنبؤية: من السيطرة إلى الاستباق — تحوّلات السلطة في ...
- سِفْرُ التردّد (قصيدة صوفية)
- تحولات النظامين السوري واللبناني في هندسة إقليمية مضادة للمق ...
- القتل على الهوية في سوريا: جريمة مركّبة وخطاب مضلّل
- بعد صراع الحضارات: نحو تفكيك الخوارزميات وصعود السلطة اللامر ...
- كتاب بيان السيليكون العربي (النسخة الكاملة)
- بيان السيليكون العربي (ثورة الهوية الهجينة تحت الاستعمار الك ...
- أثر النور
- الهوية بين القومية والمدنية: قراءة عربية في المأزق الثقافي ا ...
- محمود عباس: حين يتحوّل -الصمت الرسمي- إلى شبهة تواطؤ
- بين المستعمِر والمستعمَر: في نقد إمكان التفاهم – تعليق على ط ...
- حينما وجدتني فيكِ
- نسيتني إلى ان تلقفني الله


المزيد.....




- محلل يوضح لـCNN كيف جعلت قطر من نفسها -شريكًا لا غنى عنه- با ...
- -شابان طويلان وسيمان-.. ترامب يمتدح ولي عهد السعودية وأمير ق ...
- من بوابة الخليج.. مفاجآت ترامب المدوية
- ماذا قال ترامب عن الشرع وكيف تفاعل محمد بن سلمان مع إعلان رف ...
- زلزال اليونان يسمع صداه في مصر.. كيف تتصرفون حال وقوع الزلاز ...
- هل أصبحت العلاقات السعودية الأمريكية مكلفة مالياً للرياض؟
- ألمانيا توقف ثلاثة أوكران مشتبه بتخطيطهم لأعمال تخريب لصالح ...
- ميرتس يراهن على الترحيل الواسع وفرض ضوابط صارمة على الحدود
- عدسة RT ترصد آثار الدمار في العاصمة الليبية ومواطنون يروون م ...
- القبض على لاعب منتخب مصر السابق بسبب 26 حكما قضائيا


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد خليل - السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط: التوسع الإسرائيلي، تهجير الفلسطينيين، وزيارة ترامب إلى الخليج — قراءة نقدية في منطق الصفقات