أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد خليل - الخوف من التطور والذكاء الاصطناعي: انكفاء في أدوات المعرفة أم عجز عن إنتاجها؟














المزيد.....

الخوف من التطور والذكاء الاصطناعي: انكفاء في أدوات المعرفة أم عجز عن إنتاجها؟


خالد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8371 - 2025 / 6 / 12 - 18:33
المحور: قضايا ثقافية
    


مقدمة

في خضم التحولات التكنولوجية المتسارعة، وعلى رأسها صعود الذكاء الاصطناعي، تشهد الساحة الفكرية والبحثية موجة من الخوف، لا تتجلى فقط في الخطاب الشعبي، بل تمتد لتشمل أوساطًا أكاديمية وفلسفية طالما افتُرض فيها الوعي النقدي. غير أن هذا الخوف، في جوهره، لا ينبع من مجرد القلق المشروع إزاء أدوات جديدة، بل يعكس — في أعمق مستوياته — أزمة في علاقة الإنسان المعاصر بإنتاج المعرفة ذاتها. وهو ما يجعلنا نطرح السؤال الجوهري: هل الخوف من الذكاء الاصطناعي هو في حقيقته خوف من فقدان السيطرة على أدوات المعرفة، أم عجز عن ممارستها بوصفها فِعلًا إبداعيًا ووجوديًا؟



أولاً: أدوات المعرفة كقناع للقصور المعرفي

عبر تاريخ الفكر، لم تكن الأدوات المعرفية (منطق، لغة، منهج، تقنية…) إلا وسائط تساعد الإنسان على توليد المعنى. غير أن المجتمعات التي تشعر بانفصال عن مشروعها المعرفي، تميل إلى تقديس الأدوات، لا بوصفها وسائل، بل كغاية في حد ذاتها. وهنا تنقلب العلاقة: يصبح المنهج هو الحقيقة، واللغة هي الغاية، والآلة هي الفاعل.

في هذا السياق، يصبح الذكاء الاصطناعي — لا ككائن مستقل، بل كمُمَثّل للتطور التقني — مرآة لعجزنا عن إنتاج معرفة متجاوزة للتقليد. فالمجتمعات التي لم تُنتج نموذجًا معرفيًا خاصًا بها، تُخيفها النماذج القادمة من الخارج، لا لقوتها، بل لكونها تكشف هشاشتها.



ثانيًا: الذكاء الاصطناعي بوصفه كاشفًا لا مهددًا

الذكاء الاصطناعي ليس كيانًا غريبًا عن الإنسان، بل هو امتداد لمخياله وقدرته على الترميز والمحاكاة والتجريد. لكنه — بخلاف الأدوات التقليدية — لا يكتفي بتنفيذ الأوامر، بل يشارك في إنتاج “شبه معرفة”، في لغة شبيهة بلغتنا، ومنطق شبيه بمنطقنا. وهنا ينبثق الخوف الوجودي:

إذا باتت الآلة قادرة على إنتاج نص، من هو الكاتب؟ وإذا أنتجت نظامًا، من هو المنظِّر؟ وإذا حللت مرضًا، من هو العالِم؟

لكن هذه الأسئلة، بدلاً من أن تكون مصدرًا للرعب، يمكن أن تتحول إلى لحظة تفكيك للبنى الجامدة للذات المعرفية، ودعوة إلى إعادة بناء الهوية الفكرية للإنسان، لا بوصفه سيدًا للأدوات، بل بوصفه خالقًا للمعنى.



ثالثًا: في نقد الخوف المعلّب

تتعدد الأصوات المحذِّرة من الذكاء الاصطناعي: هناك من يتحدث عن خطر البطالة، أو انهيار المنظومات التعليمية، أو حتى تهديد وجودي للإنسان. لكن معظم هذه المخاوف تستند إلى رؤية تقنية صرفة، تتجاهل أن الخطر الحقيقي لا يكمن في الآلة، بل في الإنسان الذي يتنازل عن فِعل التفكير لصالحها.

فالذكاء الاصطناعي لا يُلغي دور الإنسان المفكر، بل يدفعه إلى الانتقال من استهلاك المعرفة إلى إنتاجها، ومن الانبهار بالأدوات إلى التحكم في فلسفة استخدامها.



رابعًا: ما بعد الأدوات – نحو مشروع معرفي جديد

الحل لا يكمن في مقاومة الذكاء الاصطناعي، بل في تجاوزه نظريًا. أي في القدرة على مساءلته، على تفكيك منطقه الداخلي، وعلى إدراك حدوده المعرفية. وهذا لا يتحقق إلا ضمن مشروع فلسفي/علمي جديد، يدمج بين:
• إبداع المفاهيم بدل تكرارها،
• إنتاج المعنى بدل إعادة صياغته،
• بناء النماذج البديلة بدل استيرادها،
• نقد البنية الأداتية للعلم بدل الانسحاق تحتها.

إن الخطر لا يكمن في تطور الذكاء الاصطناعي، بل في أن تبقى مجتمعات بأكملها في موقع المتفرج — تحتفل بأدوات لم تُنتجها، وتخشى نتائج لم تشارك في صنعها.



خاتمة: المعرفة كفعل تحرر لا كأداة خوف

الخوف من الذكاء الاصطناعي ليس إلا وجهًا آخر للخوف من الحرية — حرية التفكير، وحرية السؤال، وحرية أن نُعيد تعريف الإنسان خارج قوالبه الموروثة.
إن المطلوب اليوم ليس تحصين الهوية من الذكاء الاصطناعي، بل تحصينها بالمعرفة، عبر مشروع إنتاجي حقيقي يعيد للإنسان موقعه كمُنتج للمعنى، لا كمستهلك للأدوات.



#خالد_خليل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين جرأة إيلون ماسك وبلادة ترامب
- الوعي واللاوعي بين التحليل النفسي ونظرية تذبذب المعلومات (IO ...
- نظرية التذبذب المعلوماتي: الجمع بين ميكانيكا الكم والنسبية ف ...
- القصيدة التي حلمتُ بها
- عوالم لا حصر لها: رؤية علمية وإنسانية لموقعنا في الكون / مقا ...
- مرآة الرؤى المتكسّرة ( نوفيلا شعريّة رمزيّة )
- تراتيل جوفية
- سيكولوجية الخوف من المستقبل: الذكاء الاصطناعي نموذجًا
- اليمن… حين يكتب المنسيّ خرائط الردع الجديدة
- القبة الذهبية الأميركية: درعٌ أم شرارة؟ – قراءة تقنية واسترا ...
- زمن الدم المؤجل — صرخة من تحت الركام
- مناجاة البحر
- من الرماد إلى الوعي: في النكبة كحدث كوني والنهضة كفعل خارج ا ...
- الإمارات والولايات المتحدة: اتفاقية الذكاء الاصطناعي بين الط ...
- الغياب (قصيدةٌ تمشي في القلب حافية)
- ترامب يتفقد الركام: من قصف غزة؟ ولماذا يبدو مندهشًا؟
- السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط: التوسع الإسرائيلي، تهجير ...
- في سويداء قلبي…
- الكائن المُركَّب: انبثاق البنية الهجينة ونهاية الإنسان بوصفه ...
- التي منها كانت القصائد


المزيد.....




- فيديو ما قاله محمد بن سلمان عن -إيران العام 2025- بتصريح يعو ...
- السعودية.. توجيه ملكي بعد عرض محمد بن سلمان عن حجاج إيران بع ...
- مراسل CNN يتفاجىء بسقوط صاروخ بالقرب منه في إسرائيل.. شاهد ر ...
- الأردن يعلن فتح أجوائه أمام حركة الطيران المدني
- وكالة الطاقة الذرية الإيرانية: الأضرار في منشأة نطنز سطحية ...
- ضربات إسرائيل على إيران تُربك مؤتمر -حل الدولتين-
- في اتصالات عاجلة.. ولي العهد السعودي يحاور قادة أوروبا بشأن ...
- الأردن.. سقوط أجسام جوية في عدد من مناطق المملكة (فيديوهات) ...
- مادورو يدعو شعب إسرائيل إلى وقف العدوان على إيران وفلسطين
- الأردن يعلن فتح أجوائه أمام حركة الطيران المدني


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد خليل - الخوف من التطور والذكاء الاصطناعي: انكفاء في أدوات المعرفة أم عجز عن إنتاجها؟