بديعة النعيمي
كاتبة وروائية وباحثة
(Badea Al-noaimy)
الحوار المتمدن-العدد: 8370 - 2025 / 6 / 11 - 15:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
صدر مؤخرا قرار من قبل دولة الاحتلال بهدم ١٠٠ مبني في مخيم جنين خلال ٧٢ ساعة. قرارات ما انفكت هذه الدولة تنتهجها منذ ١٩٤٨ لسياسة الأرض المحروقة.
هذا القرار يأتي إضافة إلى قرار سابق بهدم ٩٦ مبنى، ما يعني محاولة إعادة تشكيل قسري للمكان والذاكرة.
وبالعودة إلى تاريخ هذه المخيم، فإنه قد تأسس عام ١٩٥٣ بهدف أيواء اللاجئين الفلسطينيين ممن هُجروا قسرا من قراهم عام ٤٨.
وقد شكل المخيم مع الوقت رمزا للمقاومة الفلسطينية من انتفاضة الأقصى إلى معركة جنين عام ٢٠٠٢ التي سجل فيها المخيم ملحمة بطولة وصمود، رغم الحصار الذي فرضته عليه دولة الاحتلال، ورغم المجازر التي ارتُكبت فيه.
واليوم يعاد المشهد ولكن عبر قرارات رسمية يوقعها المتطرف "بتسلئيل سموتريتش" الذي تقاسم مع "بن غفير" ملفا المسجد الأقصى والضفة الغربية.
تلك القرارات التي تهدف إلى تفكيك المخيم وتحويله إلى مربعات سكنية مفتتة، تلتحق إداريا بمدينة جنين، وبالتالي محو خصوصية المخيم ككيان جغرافي وتاريخي وسياسي قائم بذاته وشاهد حي على النكبة واستمرارها.
وتأتي خطوة التفكيك تلك لمخيم جنين وغيره من المخيمات كخطوة خطيرة نحو إنهاء ملف اللاجئين بالتوازي مع تصفية وكالة "الأونروا" وانهاء خدماتها.
وبحسب اتفاقيات "جنيف" التي تحظر تدمير ممتلكات السكان المدنيين ما لم يكن مبررا بضرورات عسكرية قاهرة فإن الهدم الجماعي للمخيم يرقى إلى جريمة حرب. ولكن هذا الحظر وكما قلتها سابقا يُلقى به في سلة المهملات عندما يتعلق الأمر بالفلسطيني، ويصبح القانون الدولي مجرد خادم عند دولة الاحتلال. وهذا ليس بالأمر الجديد، فقد تواطأ هذا القانون وصمتت الاتفاقيات عام ١٩٦٧ عن سياسة التهجير والتطهير المكاني الذي مارسته دولة الاحتلال في حي المغاربة في القدس حين قام الجيش بتهجير سكان الحي وهدمه لفسح المجال أمام إقامة ساحة واسعة تمتد اليوم إلى موقع حائط البراق.
كما صمتت لما حصل في مسافر يطا جنوب الخليل بعد السابع من أكتوبر. حيث تواجه خطر التهجير القسري نتيجة تزايد هجمات المستوطنين المدعومين من الدولة، إلى جانب عمليات الهدم والقيود المفروضة إلى الأراضي، والتوسع الاستيطاني من قبل سلطات الاحتلال.
لكن، هذا العدو لا يفهم أن محاولة محو المخيمات سيؤدي حتما إلى توليد أشكال جديدة للمقاومة أكثر تحديا وأشد شراسة وإيلاما. فالصبار لم يتوقف يوما عن تحوير أوراقه إلى أشواك تدمي كل من يحاول الاقتراب منه.
وعدو الشتات كلما تجبر وسعى بكل طاقاته الظالمة على هدم الذاكرة وتفكيك الهوية ومحو تاريخ النضال الطويل للفلسطيني، كلما فتح على نفسه كوة من نار، تتسع على قدر حجم البلدوزر الذي يظن بأنه قادر على اجتثاث جذور المخيمات. وهو يخطئ كل محاولة فهذه الجذور عميقة ومزروعة في الوعي الفلسطيني وعصية على الاجتثاث.
#بديعة_النعيمي (هاشتاغ)
Badea_Al-noaimy#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟