أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بديعة النعيمي - *ما تعالجني يا دكتور*...حينما يصبح الوجع أكبر














المزيد.....

*ما تعالجني يا دكتور*...حينما يصبح الوجع أكبر


بديعة النعيمي
كاتبة وروائية وباحثة

(Badea Al-noaimy)


الحوار المتمدن-العدد: 8357 - 2025 / 5 / 29 - 12:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



*يا دكتور..أرجوك..ما تعالجني..خليني أموت*

عبارة همس بها طفل نجى من قصف عنيف شنته طائرات الاحتلال على مطعم التايلندي في أذن الطبيب محمد قنديل في مستشفى الشفاء حين اقترب منه وأمسك يده وهم بإنقاذه...

محمد قنديل الذي اندفع نحو ذلك الطفل وفي عينيه استعجال الحياة، صدمه استعجال الموت في عبارة *ما تعالجني..خليني أموت* التي انطلقت من الطفل المصاب الذي شاخت ملامحه.

فما الذي جعل هذا الطفل يتوسل الموت؟ وأي رعب سقط على جسده الصغير حتى ضاقت نفسه ذرعا بهذه الحياة لدرجة الرجاء للتخلص منها، فكان الموت هو الخيار الأفضل والأكثر رحابة وراحة في عينيه المرهقتين؟

ما الذي دفع بهذا الصغير أن يطلب الرحيل، إلا أنه رأى ما رأى من أهوال، ولم يعد قلبه الهش قادرا على إتقان فن الحياة التي تعج بكل شيء إلا معاني الحياة؟

*يا دكتور..ما تعالجني*، قالها كمن ينطق وصيته الأخيرة، قالها بعينيه التي أنهكهما الركام والجوع والنزوح وصوت القصف وأشياء أخرى مرعبة لا يعرفها إلا من يسكن غزة..

*يا دكتور..ما تعالجني*، شهادة سخط على عالم فقد ملامح المروءة والرحمة. فأي حياة تلك التي تجعل براءة هذا الطفل تخجل من نفسها، وتطلب الرحيل بصمت؟ وأي عار هذا الذي يجعل الموت أرحم عنده من الحياة؟
هذا المشهد ليس الأول ولا هو نادر الحدوث، إنه واقع يُعاش بصمت كل لحظة، ولكن..بعيدا عن العالم، في بقعة اسمها غزة. حيث لا زال كل شيء فيها مشروع صالح للقصف، فما تبقى من الأحياء، يُقصف بأحزمة نارية، والخيم الواهنة القماشية والبلاستيكية أيضا لا زالت تُقصف بالقنابل الثقيلة، وكأنها أبنية مسلحة عصية على القصف. غزة..حيث يصبح الخبز جريمة في طوابير المساعدات المُذلّة، والماء الذي لا تحصل عليه إلا بشق النفس ترفا، ولعب الأطفال بشظايا القنابل تهمة تستحق القصف المميت.

*أرجوك ما تعالجني..يا دكتور*، صرخة نزع بها ذلك الطفل دون أن يدرك، ما تبقى من قناع الإنسانية المهتريء عن وجه ملياري مسلم وعن وجه العالم أجمع.
فما الذي فعلناه للطفولة حتى صارت تتمنى الموت والزوال؟

هذا الطفل لم يكن يريد الدواء والعلاج بل تمنى إجابة صعبة المنال في هذا الزمن، إجابة حتى الطبيب لم يستطع تقديمها له، فما كان منه إلا أن توقف ولم يتحرك، فقد تجمد قلبه في صدره. ربما لأنه فهم بأن دوره في علاج جروح الجسد لم يعد كافيا، لأن الجروح العميقة في الروح والتي يصعب الوصول إليها بالأدوات الطبية التقليدية هي المميتة.

*ما تعالجني.. يا دكتور* اختصرت قرنا كاملا من الخيانة. اختصرت جحافل من الجيوش الصامتة والجاهزة فقط للاستعراض. اختصرت اعتيادنا المقزز لمشاهد الموت والأشلاء المتناثرة هنا وهناك، دون أن نتحرك، دون أن نقول لأنظمتنا كفى خيانة، كفى تواطؤ..

ربما سيستجيب هذا الطفل للطبيب وتشفى جروح الجسد، لكنه سيبقى قيد وجع جروح الروح. وعبارته ستظل تطرق أبواب ضمائرنا النائمة، علها تستفيق يوما على الحقيقة، حقيقة تفريطنا بغزة وقبلها بفلسطين.

ملاحظة...
جاء هذا المقال بعد أن حزّ قلبي سكين الألم حين وقعت عيناي على منشور للدكتور منير البرش والذي نشره على حسابه في منصة "إكس"، وقد عنونه ب *أوجاع غزة..صرخات لا يسمعها العالم* ..

فكم ستحزّ أوجاع غزة قلوبنا قبل أن نتحرك؟؟ وكم من طفل سيرفض العلاج طالبا للموت قبل أن نقول كفى؟؟؟



#بديعة_النعيمي (هاشتاغ)       Badea_Al-noaimy#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -مسيرة الأعلام-...طقوس رعب أم احتفال نصر؟
- مجزرة مدرسة فهمي الجرجاوي وطغيان ما بلغ مداه إلا تمهيدا لانك ...
- الخبز الممنوع.. مصطفى صرخة لن تهدأ في زمن الخذلان
- المتطرف -موشيه فيجلين- وحربه مع جيوش الرضّع في غزة..
- مجزرة أبو شوشة...جريمة في ظلال النكبة
- نداء عاجل إلى ما تبقى من وجه الإنسانية
- من فردان إلى خانيونس..لا شيء تغير في المنظومة الأخلاقية
- جيش مضطرب وجنود منتحرون..انهيار داخلي في المؤسسة العسكرية ال ...
- من وامعتصماه إلى موائد النفاق...غزة تقاتل وحدها
- غزة ليست للبيع..حين يتحدث المستعمر بلسان المستثمر
- من -تسالا جيس- إلى نساء غزة، وازدواجية المعايير
- مستشفى غزة الأوروبي يخرج عن الخدمة..ومليارات عربية لسيد القص ...
- -القربان- كأداة استعمار...الأقصى بين سلاحين
- حين تفقد القوة بوصلتها..التيه العبري تحت أقدام السابع من أكت ...
- القسام تفتح أبواب الجحيم في رفح
- -مايك هكابي- من دبلوماسي إلى صاحب -نبوءات- و -مبشر-
- المؤامرة الصامتة والأسلحة المحرمة..احموا الأرحام في غزة
- غزة ستكتب نهاية -جدعون- وعرباته
- من اللد إلى -بن غوريون-..صاروخ اليمن يفتح ذاكرة ٤¤ ...
- -ترامب- بلباس -البابا-.. مزحة عابرة أم رسالة سلطوية؟


المزيد.....




- بخطوات محسوبة بدقة.. شاهد ما يفعله فريق مختص لإعادة صغار الد ...
- ماذا يتضمن المقترح الأمريكي الجديد لوقف إطلاق النار بين حماس ...
- أنقرة تقترح استضافة قمة تجمع ترامب وبوتين وزيلينسكي... وموسك ...
- دراسة: نصف البشرية تحت نيران التغير المناخي
- “شهادة من قلب الانتفاضة: دمنات 1984 بعدسة مناضل تقدمي”
- القضاء يجيز لإدارة ترامب إلغاء الوضع القانوني لنصف مليون مها ...
- سوريا.. أهالي القنيطرة يطردون دورية إسرائيلية وينزعون علمها ...
- -أدوات قذرة بيد العدو-.. قبائل وعشائر البادية بغزة ترفع الغط ...
- القاهرة تستضيف اجتماعا ثلاثيا لدول جوار ليبيا بحثا عن حل للأ ...
- صحيفة -هآرتس- العبرية: تغيير أماكن المختطفين بغزة يجعل الجيش ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بديعة النعيمي - *ما تعالجني يا دكتور*...حينما يصبح الوجع أكبر