بديعة النعيمي
كاتبة وروائية وباحثة
(Badea Al-noaimy)
الحوار المتمدن-العدد: 8351 - 2025 / 5 / 23 - 18:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فجر يوم ١٤/مايو/١٩٤٨، وبينما كانت أنظار العالم مشدودة نحو إعلان قيام دولة الشتات، ارتُكبت مجزرة مروّعة في قرية فلسطينية صغيرة تدعى قرية أبو شوشة.
تقع قرية أبو شوشة إلى الجنوب الشرقي من مدينة الرملة. كانت بيوتها مبنية من الحجارة والطين، وفيها مسجد ومدرسة ابتدائية.
كان الهجوم على القرية جزءا من عملية "براك"، التي استهدفت القرى الفلسطينية المحيطة بمدينة الرملة، تمهيدا للسيطرة على المنطقة بالكامل.
حيث قامت العصابات الصهيونية من وحدات لواء جفعاتي التابعة للهاجاناه بالهجوم على القرية وقت الفجر، بينما كان الأهالي نياما، وارتكبوا بهم مجزرة أسفرت عن استشهاد عشرات من المدنيين العزل في واحدة من أبشع صور التطهير العرقي الذي رافق النكبة.
شهادات من نجا من المجزرة تصف إطلاق النار العشوائي الذي استهدف الرجال والنساء والأطفال على حد سواء، كما سُجّلت حالات قتل جماعي بعد جمع الأهالي في ساحات القرية. حيث تحدثت بعض الروايات عن ارتقاء حوالي ٦٠ شهيدا.
ويذكر أن أهل القرية دافعوا عن قريتهم بشراسة حتى أن تعزيزات من المجاهدين من قرية القباب المتاخمة لأبو شوشة وصلتهم لمؤزارتهم واشتبكت مع الوحدة الصهيونية. ولكن ماذا تفعل البنادق القديمة ونفاذ ذخيرتها أمام الأسلحة الحديثة التي كانت العصابات الصهيونية تمتلكها من بنادق ورشاشات ومدافع؟
وكما غيرها من المجازر التي ارتكبت بحق شعبنا الفلسطيني عام ٤٨ فالعصابات الصهيونية لا تكتفي فقط بالقتل، بل إلى جانب ذلك قامت بنهب وسرقة البيوت ثم دمرتها، وهجرت من تبقى من السكان قسرا. كما أن هذه العصابات الدموية لم تسمح للعائلات بدفن شهدائها على نحو لائق، بل عوضا عن ذلك قامت بإحراق جثامين بعض الشهداء وتركت بعضها مكشوفة، في مشهد ترك أثرا نُقش في ذاكرة من نجا.
ومن اللافت أن الهجوم جاء قبل ساعات فقط من انتهاء الانتداب البريطاني، وهذا يسلط الضوء على توقيت محسوب يستهدف استغلال الفراغ السياسي والعسكري للانقضاض على القرى الفلسطينية.
مجزرة أبو شوشة كانت جزءا من سياسة متعمدة لإرهاب السكان المدنيين ودفعهم للهروب من أراضيهم كما باقي المجازر.
وتأتي أهمية التذكير بمجزرة كمجزرة أبو شوشة للكشف عن منهجية العنف الذي تأسست عليه دولة الاحتلال.
فهذه الجريمة، مثل غيرها، لم تُحاسب، ولم تُوثق رسميا في أي محكمة، بل تم طمس معظم آثارها بمرور الزمن، كما جرى تهويد موقع القرية وبناء مستوطنة "أميليم" على أنقاضها.
غير أن بقايا من شجر الأهل من تين وصبار هناك لا زالت قائمة تنتظر ماء رجوع العائدين ..
كانت هنا وستنتفض يوما من جديد..
#بديعة_النعيمي (هاشتاغ)
Badea_Al-noaimy#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟