أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بديعة النعيمي - رغم القهر.. العيد يولد في غزة..














المزيد.....

رغم القهر.. العيد يولد في غزة..


بديعة النعيمي
كاتبة وروائية وباحثة

(Badea Al-noaimy)


الحوار المتمدن-العدد: 8366 - 2025 / 6 / 7 - 20:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هناك حيث تختلط تكبيرات العيد بأصوات القصف، وأصوات الثكالى وصراخ المصابين وأنين المفقودين تحت أنقاض بيوتهم، هناك حيث يتم تجريف الطفولة بالكامل أمام أنظار العالم، يقضي أطفال غزة أول أيام عيد الأضحى المبارك بين الركام، يطوفون باحثين بين حجارته عن بقايا ذكرياتهم وأحلامهم المبتورة، يثنيهم عن البحث قرقعة أمعائهم التي تحلم لا بلحم الأضاحي إنما برائحة رغيف الخبز المفقود.
وكأن الزمن في غزة توقف عن ممارسة طقوسه، وقرر أن يقف مكانه ولا يتقدم.
فالعيد الرابع على التوالي يأتي ومن تبقى من الأطفال لا زالوا على حالهم، فمن نزوح إلى نزوج، فجوع وعطش وقصف وموت. والوجع أيضا على حاله، ثابت فوق رؤوسهم، يظلل حياتهم ويعيد سرد الحكاية ذاتها بلغة تتجنب التجميل.

وسط هذا كله تحاول الأمهات تزيين الوقت لهم بلبسة جديدة أو عتيقة أعدن تدويرها، في محاولة لإنقاذ طفولتهم..ولكن هيهات، فالوقت أنضجهم قبل أوانهم ودفعهم دفعا إلى مرحلة أكبر من مقاسهم.

الفرح هنا حيث القصف والفقد والألم والقهر يتوارى خجلا خلف ركام البيوت، ويختبيء في الجيوب المثقوبة لأطفال لم يعرفوا شوى بقايا الشظايا ألعابا لهم، وصوت القصف روتينا لصباحاتهم ومساءاتهم.

في غزة لا شيء يُمنح بسهولة، حتى الضحكة تُنتزع، فالطفل بات يدرك أنه قد يموت بقذيفة بعد لحظة أو ساعة. وخاصة في وقت الأعياد، فالطفولة أصبحت معركة بقاء، يتعلم منها الطفل كيف يختبئ هارب من حزام ناري أو صاروخ غادر، لا كيف ينثر أحلامه على وسادته ليلة العيد ويستيقظ على أصوات تكبيرات لا تشوبها أصوات تسرق تلك الأحلام.

فقط في غزة ينشر الأهل ثياب العيد في الصباحات الباكرة على قبور أطفالهم الذين لم تمنحهم قنبلة العدو وقتا لارتداءها، كما فعلت الحاجة أم جهاد الشريف مع ملابس أحفادها. أحفاد أم جهاد لم يطلبوا الكثير، هم فقط أرادوا صباحا لا يبدأ بصاروخ، أرادوا فقط لحظة واحدة يركضون فيها وهم يرتدون ملابسهم ولو بين الركام، لحظة يودعون فيها آخر عيد لهم قبل الموت.

أطفال غزة أرادوا عيدا تمسح تكبيراته الصباحية غبار الألم عن نوافذ قلوبهم الصغيرة، تلك التي أغلقتها الحرب الهمجية.

ولكن...يبقى الأمل..وتبقى ابتسامة ولو خجولة ترتسم على وجه طفل غزة، ابتسامة لا يرسلها إلى العالم، لأن العالم الذي تركه يقصف وحيدا ويجوع وحيدا ويموت وحيدا لا يستحق. هو يرسلها إلى غزته الحبيبة التي احتضنت جراحه رغم تعبها وقهرها، ليقول لها لا تحزني فأنا أقوى من الحرب...

وبكل ذلك الحزن المختلط بالعزة، وبكل هذا الألم المغلف بالكبرياء، يختم طفل غزة عيده كما بدأه، واقفا صامدا، باسما رغم الدموع، يخبئ في قلبه الصغير آلاف التفاصيل التي لم يعد يحتملها الكبار، ويواصل العبور من يومٍ لآخر كأنه يحمل شعبا بأكمله فوق كتفيه.



#بديعة_النعيمي (هاشتاغ)       Badea_Al-noaimy#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التجويع كسياسة..والكرامة كعقيدة..لن نرفع الراية البيضاء..
- *ما تعالجني يا دكتور*...حينما يصبح الوجع أكبر
- -مسيرة الأعلام-...طقوس رعب أم احتفال نصر؟
- مجزرة مدرسة فهمي الجرجاوي وطغيان ما بلغ مداه إلا تمهيدا لانك ...
- الخبز الممنوع.. مصطفى صرخة لن تهدأ في زمن الخذلان
- المتطرف -موشيه فيجلين- وحربه مع جيوش الرضّع في غزة..
- مجزرة أبو شوشة...جريمة في ظلال النكبة
- نداء عاجل إلى ما تبقى من وجه الإنسانية
- من فردان إلى خانيونس..لا شيء تغير في المنظومة الأخلاقية
- جيش مضطرب وجنود منتحرون..انهيار داخلي في المؤسسة العسكرية ال ...
- من وامعتصماه إلى موائد النفاق...غزة تقاتل وحدها
- غزة ليست للبيع..حين يتحدث المستعمر بلسان المستثمر
- من -تسالا جيس- إلى نساء غزة، وازدواجية المعايير
- مستشفى غزة الأوروبي يخرج عن الخدمة..ومليارات عربية لسيد القص ...
- -القربان- كأداة استعمار...الأقصى بين سلاحين
- حين تفقد القوة بوصلتها..التيه العبري تحت أقدام السابع من أكت ...
- القسام تفتح أبواب الجحيم في رفح
- -مايك هكابي- من دبلوماسي إلى صاحب -نبوءات- و -مبشر-
- المؤامرة الصامتة والأسلحة المحرمة..احموا الأرحام في غزة
- غزة ستكتب نهاية -جدعون- وعرباته


المزيد.....




- -أنفًا لأنف مع رجل-.. دب جائع يقتحم دار رعاية مسنين ويدخل غر ...
- نائب ترامب: لا أعتقد أن إسرائيل ترتكب -إبادة جماعية- في غزة ...
- واشنطن أم طهران.. من سيقدم تنازلات؟
- رجل يقود سيارة وسط مجموعة من الناس في مدينة باساو الألمانية ...
- حركة المجاهدين الفلسطينية تنعى قياديين اثنين في غزة
- مدفيديف يكشف أسباب عدم استلام كييف لجثث جنودها
- شاهد.. زلزال يهز استوديو برنامج تلفزيوني في بث مباشر
- بوتين يوقع على قانون لتشديد الرقابة على نقل البضائع
- حديث الأمير محمد بن سلمان عن -العدوان الإسرائيلي- على فلسطين ...
- صحيفة: المفوضية الأوروبية كانت تمول منظمات بيئية لتفعيل أجند ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بديعة النعيمي - رغم القهر.. العيد يولد في غزة..