أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - فؤاد الدجوي: قاضٍ بثياب جندي... وبندقية في صدر الكلمة














المزيد.....

فؤاد الدجوي: قاضٍ بثياب جندي... وبندقية في صدر الكلمة


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 11:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في سرديات التاريخ العربي الحديث، تتوارى بعض الشخصيات في الظل ليس لندرتها، بل لأن الضوء يكشف ما لا يُقال: عار الصمت، وسواد الخيانة، وانهيار المعنى أمام سلطة السلاح. من بين هذه الشخصيات يظهر اسم فؤاد الدجوي، العسكري الذي هبط من على سلم المسؤولية لا ليحمل همّ الأمة أو يدفع عن كاهلها أعباء الاحتلال أو الفقر أو التبعية، بل ليمارس أقسى ما يمكن أن تُبتلى به أمة تبحث عن ذاتها: قمع الفكر وخنق الحرية، والتنكيل بمن أرادوا أن يصنعوا من الحرف سيفًا، ومن العقيدة طريقًا للتحرر.

لم يكن فؤاد الدجوي مجرّد حاكم لقطاع غزة في فترة بالغة الخطورة من النضال الفلسطيني، بل كان رمزًا لوجه الدولة الأمنية المصرية التي حملت إلى فلسطين خطابًا لا يختلف كثيرًا عن خطاب الاحتلال: التضييق، الرقابة، القمع، وإخماد كل صوت لا يتناغم مع النغمة الرسمية الصاخبة. غابت فلسطين عن أولوياته، وغابت المقاومة عن أجندته، وبقيت عينه على الداخل، يرصد المساجد والخطباء، ويزرع الرعب في نفوس الناس باسم "الأمن القومي"، بينما الأمن كان هشيمًا في مواجهة العدو الصهيوني، وفتكًا بالمواطن المقاوم.

وحين انتقل إلى القاهرة ليقف على منصة القضاء، لم يتحول إلى صاحب ضمير قضائي، بل ظل وفياً لجلده العسكري، يحكم لا بالعدالة بل بالأوامر، ويُنزل العقوبة لا على الجريمة بل على الفكرة. لقد ارتدى عباءة القاضي ليُخفي بندقية الجلاد، وكانت ذروة خيانته يوم أصدر الحكم بالإعدام على سيد قطب ورفاقه، في واحدة من أكثر محاكمات التاريخ المصري فداحة وظلمًا. لم تكن محاكمة عادلة، بل فصلًا من فصول الانتقام السياسي، ومسرحية قضائية أُعدّت مسبقًا، وتُليت فيها التهم كأنها بيانات حرب على العقل والفكر.

سيد قطب، المفكر الذي وقف في وجه الاستبداد بقوة الكلمة، دُفع إلى المشنقة بتوقيع فؤاد الدجوي، الرجل الذي جعل من القضاء منصة لإرضاء السلطة لا لتحقيق الحق. لم يكن الدجوي مجرد شخص نفّذ حكمًا، بل كان رمزًا لمؤسسة أُريد لها أن تطحن كل صوت مختلف، وأن تسوّغ اغتيال الفكر تحت شعار الاستقرار. لم يسجّل التاريخ للدجوي موقفًا في مقاومة إسرائيل، ولم يُعرف عنه دور وطني مشهود، لكنه خلّف إرثًا من الظلم والكراهية في ذاكرة جيل، طُبع اسمه في لائحة العار يوم قرأ بصوته المرتجف حكم الإعدام على رجل جعل من السجن محرابًا، ومن الحرف شهادة.

لقد كان فؤاد الدجوي الوجه الحقيقي للدولة حين ترتعد من مواطنيها، وتكتم أنفاسهم، وتستبدل الحوار بالزنازين، والنقد بالمشانق. كان يمثل ذلك النموذج الكارثي للعسكري حين يتوهم أنه قاضٍ، وللقاضي حين يظن أن العدل يُصنع بالولاء، لا بالحق. لم يكن رجل قانون، بل ضابطًا اعتاد إصدار الأوامر، وظنّ أن الكلمة تُعدم، وأن الفكرة يمكن شنقها. لكنه لم يدرك أن ما يُعلّق على أعواد المشانق هو الجسد لا الفكر، وأن الأحرار وإن ماتوا بأمره، يولدون في كل جيل جديد.

من يتأمل سيرة فؤاد الدجوي، لا يجد فيها سوى ظلّ باهت لرجل عادي حظي بموقع غير عادي، فخانه، وخان التاريخ معه. لم تكتب عنه كتب المقاومة، ولم يُذكر في صفحات النضال، ولم يقف على منصة النبل يومًا، بل رحل محمولًا بأوزار الخذلان. وحين تُذكر الأسماء، يُستعاد اسمه لا ليُشاد به، بل ليُلعن، لا ليُحتفى به، بل ليُحذَّر من تكرار أمثاله. إنه بقايا زمن طغى فيه الصوت العسكري على نبض الشعوب، وسقطت فيه الكلمة صريعة في معركة غير متكافئة مع البندقية.

لكن الكلمة، وإن خُنقت، لا تموت. والدم، وإن سُفك ظلمًا، لا يضيع. وستبقى المشنقة التي وقّع عليها فؤاد الدجوي شاهدة على جرم لا يسقط بالتقادم، وجريمة لا يغفرها التاريخ.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخصم المشترك: كيف أعادت الهند تشكيل الشراكة الصينية الباكست ...
- مسار الفلسفة الأوروبية من عصر النهضة حتى نهاية القرن العشرين ...
- من الطاعة إلى الانهيار: تفكيك بنية الدولة الشمولية
- الميتافيزيقا الرقمية: التحول الوجودي في ظل الذكاء الاصطناعي
- الإعلان الذكي بين الخوارزمية والضمير: الإنسان في قبضة السوق ...
- الإعلان في عصر الذكاء الاصطناعي: التحولات الاقتصادية والآفاق ...
- الهيمنة بلا مدافع: الصين وامريكا في سباق القوة الناعمة
- زمن الواجهة: حين تصنع الصورة مصير المؤسسة في العالم العربي
- المواطن في قبضة الشاشة: كيف أعادت الرقمنة تشكيل وعينا السياس ...
- مناخ الصراع: نحو دبلوماسية بيئية شاملة لأمن عالمي مستدام
- أزمة العلم المتصدع: من اليقين التجريبي إلى سيولة المعرفة
- وداعاً للهاتف الذكي: بداية الوعي التكنولوجي الجديد
- الفردية والقلق الوجودي عند كيركجارد: قراءة فلسفية شاملة
- الحياد الكربوني والاقتصاد: من منطق الربح إلى منطق البقاء
- الخوارزمية والدبلوماسية: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل العلاقا ...
- حروب الخوازميات: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل ميزان القوى ...
- الوحدة العربية: بين معطيات الواقع وإمكانات التحقق
- علمنة التعليم في المجتمعات العربية: بين تحديات الهوية وآفاق ...
- السيادة العسكرية في عصر الذكاء الاصطناعي: من السيطرة التقليد ...
- الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل وظائف العلاقات العامة الدولية: ...


المزيد.....




- -مشهد مهيب-.. فيديو يظهر الحجاج المتعجلين يؤدون طواف الوداع ...
- ناسا تواجه تخفيضات حادة في ميزانيتها، وخلاف ترامب وماسك يزيد ...
- وزير الدفاع الأميركي يهاجم حاكم كاليفورنيا ويُهدّد بتعبئة مش ...
- وسائل إعلام إسرائيلية: الولايات المتحدة وإسرائيل قررتا إنهاء ...
- للمرة الأولى .. روسيا تعلن شنّ هجوم في منطقة بوسط أوكرانيا
- الجيش الروسي يحرر بلدة جديدة في دونيتسك
- تشييع جندي إسرائيلي قتل في انفجار أثناء تفتيش القوات لمجمع ف ...
- أوربان: العقوبات الأوروبية ضد روسيا تدمر هنغاريا وأوروبا بأك ...
- والد ماسك يكشف ما حدث لابنه بسبب ترامب
- مشهد وكأنه من فيلم.. صاعقة تضرب منزلا على بعد أمتار من أم وط ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - فؤاد الدجوي: قاضٍ بثياب جندي... وبندقية في صدر الكلمة