أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الخوارزمية والدبلوماسية: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل العلاقات العامة الدولية














المزيد.....

الخوارزمية والدبلوماسية: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل العلاقات العامة الدولية


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8356 - 2025 / 5 / 28 - 12:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة جوهرية تُعيد رسم خريطة العلاقات العامة الدولية، سواء على مستوى الحكومات أو المنظمات العالمية أو حتى الشركات متعددة الجنسيات. إن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية مساعدة، بل تحوّل إلى عنصر استراتيجي فاعل في صناعة الرأي العام، وتحليل اتجاهاته، والتفاعل مع الجمهور العالمي بلغاته وسياقاته المتباينة. العلاقات العامة الدولية، بوصفها أداة للتأثير والتواصل على نطاق عالمي، تبنت نماذج متقدمة من الذكاء الاصطناعي لتحقيق أهدافها في التوجيه والتأطير وبناء الصور الذهنية، بشكل أكثر كفاءة وتخصصًا من أي وقت مضى.

أولًا: نموذج التحليل التنبؤي والتخطيط الاستراتيجي المدفوع بالبيانات

تعتمد العلاقات العامة الدولية على الذكاء الاصطناعي في نماذج التحليل التنبؤي (Predictive Analytics) التي تُمكّنها من فهم الأنماط السلوكية والثقافية لمجتمعات مختلفة، بناءً على البيانات الضخمة المستقاة من وسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي، وقواعد البيانات المفتوحة. هذه النماذج تُمكّن مسؤولي العلاقات العامة من استباق الأزمات، والتخطيط لحملات إعلامية أكثر تأثيرًا تتناسب مع المزاج العام المحلي والدولي، بل وتسمح بإجراء محاكاة (Simulations) للتفاعلات الإعلامية قبل إطلاق الرسائل رسميًا، وهو ما يعزز فعالية الحملات العابرة للحدود.

ثانيًا: نموذج المعالجة اللغوية الطبيعية والتواصل الثقافي المعولم

يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا محوريًا في تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية من خلال تقنيات المعالجة اللغوية الطبيعية (NLP)، حيث تستخدم العلاقات العامة الدولية هذه النماذج لفهم السياق الثقافي واللغوي المحلي وتكييف الخطاب الإعلامي بما يتلاءم مع رمزية اللغة ومضامينها الخاصة بكل مجتمع. لم يعد الخطاب الإعلامي الدولي خطابًا موحدًا ومسطحًا، بل أصبح متعدد الطبقات، يراعي الفروقات الدقيقة في المعاني والتصورات، ويُعيد تشكيل الرسائل بطريقة تجعلها أكثر قبولًا وتأثيرًا في سياقاتها المختلفة.

ثالثًا: نموذج الاستجابة الذكية وإدارة السمعة الفورية

من أبرز التحولات التي أدخلها الذكاء الاصطناعي على العلاقات العامة الدولية هو إنشاء أنظمة استجابة ذكية تعمل بشكل لحظي (Real-time Response Systems) لإدارة السمعة الرقمية، ورصد الأزمات الإعلامية فور نشأتها على المنصات المختلفة. هذه النماذج تتيح تتبع ما يُكتب ويُقال حول مؤسسة أو دولة أو منظمة، وتقدير مستوى التأثير المحتمل، وتقديم توصيات فورية لفرق العلاقات العامة للتحرك الاستباقي أو الدفاعي. إنها آلية رقابة ذكية لا تعتمد فقط على الرصد، بل تقدم تحليلات عاطفية وسياقية دقيقة، تساهم في بناء استراتيجيات علاقات عامة أكثر مرونة وتكيفًا مع الواقع المتغير.

رابعًا: نموذج "التمثيل الآلي" والتأثير عبر الرموز الاصطناعية

تستخدم بعض المؤسسات الدولية نماذج الذكاء الاصطناعي لتطوير شخصيات افتراضية (Virtual Influencers) تمثلها في الفضاء الرقمي العالمي، وهي شخصيات مدعومة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي تُستخدم للتفاعل مع الجمهور بشكل مخصص ومحسوب، وتنقل رسائل العلاقات العامة بأسلوب غير مباشر وأكثر تأثيرًا. هذه الشخصيات تعمل كواجهات ناعمة للنفوذ الرقمي، وتُعدّ أدوات استراتيجية في الدبلوماسية العامة وصناعة الرأي، وخصوصًا بين الأجيال الرقمية الشابة التي تتفاعل بصورة أكثر إيجابية مع الرموز غير الرسمية والبشرية الشكل.

خامسًا: النموذج الأخلاقي والمسؤول للذكاء الاصطناعي في العلاقات العامة

ومع توسع استخدام الذكاء الاصطناعي، تبرز تحديات أخلاقية كبرى تتعلق بالخصوصية، والشفافية، والانحياز الخوارزمي، واستخدام تقنيات التزييف العميق (Deepfake) في حملات التضليل أو التوجيه الخفي. وهنا بدأت العلاقات العامة الدولية تعتمد على نماذج معيارية أخلاقية لضمان استخدام مسؤول وشفاف للذكاء الاصطناعي، بما يحفظ مصداقية المؤسسة أمام الرأي العام العالمي، ويجنبها السقوط في فخ فقدان الثقة. أصبح بناء "سمعة رقمية أخلاقية" أحد أبرز أهداف العلاقات العامة في العصر الذكي، بحيث يكون الذكاء الاصطناعي نفسه خادمًا للقيم الإنسانية لا أداة للهيمنة الإعلامية الخفية.

بهذه النماذج المتكاملة، يتجلى الذكاء الاصطناعي ليس فقط كأداة تقنية، بل كفاعل حيوي في إعادة تشكيل مفهوم العلاقات العامة على المستوى الدولي، وتحويلها من فن التواصل التقليدي إلى علم استراتيجي يعتمد على الذكاء، والتنبؤ، والتفاعل متعدد الثقافات، ضمن بيئة رقمية لا تعرف الحدود الجغرافية ولا الثوابت الإعلامية القديمة. إن العلاقات العامة في عصر الذكاء الاصطناعي لم تعد تسعى فقط إلى نقل الرسالة، بل إلى تصميمها، توقيتها، قياس تأثيرها، وضمان استدامتها، وكل ذلك بلغة الخوارزمية وروح الإنسان.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حروب الخوازميات: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل ميزان القوى ...
- الوحدة العربية: بين معطيات الواقع وإمكانات التحقق
- علمنة التعليم في المجتمعات العربية: بين تحديات الهوية وآفاق ...
- السيادة العسكرية في عصر الذكاء الاصطناعي: من السيطرة التقليد ...
- الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل وظائف العلاقات العامة الدولية: ...
- ديمقراطية على الهامش: قراءة نقدية في انسحاب الوعي المدني من ...
- أكذوبة القرن: كيف صاغت أمريكا الرواية الكبرى لغزو أفغانستان ...
- قوة البخار وحدود العالم: الآلة البخارية كأداة للغزو البريطان ...
- النسوية والتأويل: قراءة نقدية في مشروع التفسير النسوي للقرآن ...
- العقل والوحي: جدلية الوجود بين الفلسفة والدين
- الهيمنة الناعمة: المركزية الأوربية واستعمار الذات والهوية
- عبد الله التعايشي: بين الحلم المهدوي وسقوط الدولة
- جدلية العقل والإرادة: قراءة في تحولات الفكر الألماني من لوثر ...
- الهياكل الخفية: تفكيك بنية الإرهاب التنظيمي في العصر الحديث
- الطاعون السياسي: حين يصبح الفساد بداية النهاية للدول
- السجل الدامي للقارة العجوز: التاريخ الشامل للحروب الأوربية ف ...
- نيران القرون الوسطى: تاريخ الحروب في أوربا
- الانفصال العظيم: صعود الصين وكسر القبضة الأمريكية على الفضاء ...
- من العقيدة إلى الدستور: معالم الدولة عند المودودي
- عقل الدولة وهيمنة الفكرة: الدولة عند هيجل بين الفلسفة والسيا ...


المزيد.....




- فرنسا: حظر شامل للتدخين في الأماكن العامة والمتنزهات وعلى ال ...
- ماذا نعرف عن مقترح ويتكوف لوقف إطلاق النار في قطاع غزة؟
- الكوليرا في زمن الحرب: الوباء يحصد أرواح السودانيين
- لماذا يجب على أوروبا تطوير منظومة -قبة ذهبية- خاصة بها؟
- ألمانيا تكافح نقص العمالة: سفينة تعمل بالتحكم عن بعد
- مستوطنون يشيدون سياجا حول قرية فلسطينية في غور الأردن (فيديو ...
- قيادي في -حماس-: قدمنا خطة بضمانات أمريكية.. ولكن -كل شيء تغ ...
- بيسكوف: وفدنا جاهز للتفاوض.. ولقاء بوتين مع ترامب وزيلينسكي ...
- وسائل إعلام: طائرة الرئيس الليبيري كادت أن تتحطم أثناء الهبو ...
- ليبيا.. تحقيقات موسعة في وفيات سجن -الجديدة- وانتهاكات أمنية ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الخوارزمية والدبلوماسية: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل العلاقات العامة الدولية