أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الهياكل الخفية: تفكيك بنية الإرهاب التنظيمي في العصر الحديث














المزيد.....

الهياكل الخفية: تفكيك بنية الإرهاب التنظيمي في العصر الحديث


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8346 - 2025 / 5 / 18 - 14:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
يمثّل الإرهاب التنظيمي أحد أبرز التهديدات المعقدة التي واجهها العالم في العقود الأخيرة، إذ لم يعد يُنظر إليه على أنه فعل عنيف عابر، بل بات يُدرَك كمنظومة أيديولوجية مؤسسية لها بنية تنظيمية واضحة، وشبكة دعم لوجستي، وأهداف سياسية واستراتيجية بعيدة المدى. يخرج الإرهاب التنظيمي من نطاق الفعل الفردي أو العشوائي ليُترجم نفسه في صورة كيان منظم يستخدم العنف كأداة لتحقيق مآربه السياسية أو الدينية أو العرقية، مستندًا إلى خطاب تعبوي، وأطر تنظيمية صارمة، وآليات متطورة للتجنيد والتخطيط والتنفيذ.

أولًا: في تعريف الإرهاب التنظيمي وتمييزه عن الأشكال الأخرى

الإرهاب التنظيمي يُعرف بأنه "استخدام العنف المنهجي من قبل جماعات أو منظمات تسعى لتحقيق أهداف سياسية أو عقائدية عن طريق نشر الرعب والتأثير على الحكومات والمجتمعات". هذا النوع من الإرهاب يختلف عن الإرهاب الفردي الذي يعتمد على فعل شخصي معزول، ويتميز بقدرته على العمل الجماعي المنسق، واستغلال أدوات العصر الحديث من تكنولوجيا، إعلام، وتكتيكات عسكرية معقدة. ويمثل تنظيم القاعدة، داعش، بوكو حرام، وحزب العمال الكردستاني أمثلة بارزة على هذا النمط، وإن اختلفت في الأيديولوجيات والخلفيات الجغرافية.

ثانيًا: البنية الأيديولوجية والتنظيمية

يتغذى الإرهاب التنظيمي على أيديولوجيا جذرية تُبسط العالم في صورة ثنائية حادة: نحن والآخر، الإيمان والكفر، التحرير والاحتلال. هذه الأيديولوجيا تُضفي "شرعية دينية" أو "ثورية" على العنف، وتحوله من جريمة إلى "واجب مقدس"، وهو ما يجعل مواجهته معقدة؛ إذ ليست المعركة مع السلاح فقط، بل مع نصوص وتأويلات، مع سرديات تُنتج وتُصدّر بذكاء. وتقوم التنظيمات الإرهابية على هيكل تنظيمي صارم، غالبًا ما يُحاكي التنظيمات العسكرية أو الحزبية، ويعتمد على وحدات عملياتية، خلايا نائمة، وتمويل متعدد المصادر (ابتزاز، تجارة غير مشروعة، دعم خارجي...).

ثالثًا: السياقات المولّدة والداعمة

ينمو الإرهاب التنظيمي في تربة خصبة من الفقر، التهميش، الظلم السياسي، الاستبداد، الاحتلال، وصراعات الهوية. غالبًا ما تكون هذه التنظيمات رد فعل مباشر على فراغات الشرعية في النظام السياسي، أو على سياسات التمييز الثقافي والديني، أو على التدخلات العسكرية الأجنبية. كما تساهم بعض الأنظمة القمعية في تغذية هذا النمط من الإرهاب عن طريق خلق بيئات مغلقة تُنتج الغضب، وتُصادر الأمل، وتُجهض الإصلاح. ومن جهة أخرى، لا يمكن إغفال دور السياسات الغربية، لا سيما في الشرق الأوسط، في تأجيج المشاعر المضادة من خلال الكيل بمكيالين في القضايا الدولية كالقضية الفلسطينية أو الحرب على العراق.

رابعًا: الاستراتيجيات والوسائل

تستخدم التنظيمات الإرهابية تقنيات متطورة في التخطيط والتنفيذ، وتمتلك مهارات عالية في التأقلم والتخفي. تتراوح أساليبها بين التفجيرات، الاغتيالات، العمليات الانتحارية، الاختطاف، الحرب النفسية، والسيطرة على مناطق جغرافية لإقامة ما يُسمى "الخلافة" أو "الإمارة". كما تلعب منصات التواصل الاجتماعي دورًا حيويًا في نشر الأيديولوجيا، والتجنيد، والبروباغندا، والتحريض، مما حول الإرهاب إلى شبكة لا مركزية عابرة للحدود والقارات.

خامسًا: الأبعاد النفسية والاجتماعية

تشير الدراسات النفسية إلى أن الأفراد المنخرطين في الإرهاب التنظيمي ليسوا دومًا مرضى نفسيين، بل في كثير من الأحيان أشخاص طبيعيون يمرون بظروف اجتماعية أو أزمات هوية تجعلهم عرضة للاستقطاب. الشعور بالاغتراب، فقدان المعنى، غياب العدالة، والانجذاب لهوية جمعية قوية كلها عوامل تلعب دورًا في صناعة الإرهابي. كما أن البنية الاجتماعية المحيطة – من أسر مفككة، تعليم متدنٍ، أو بيئة مغلقة – تسهل احتضان الفكر المتطرف. وهنا تصبح "الوقاية الثقافية" و"المناعة الفكرية" جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجيات المضادة.

سادسًا: الإرهاب التنظيمي والسلطة: من المواجهة إلى التوظيف

من المفارقات المعقدة أن بعض الدول تستخدم التنظيمات الإرهابية كأدوات للضغط أو التوظيف الجيوسياسي. فهناك حالات مسجلة لدول تدعم مجموعات إرهابية بالسر لزعزعة خصومها أو لإعادة تشكيل خارطة التحالفات الإقليمية. وفي أحيان أخرى، يُوظف "شبح الإرهاب" كذريعة لتعليق الحريات، وتمرير قوانين الطوارئ، وقمع المعارضة. بهذا المعنى، يصبح الإرهاب أداة داخل لعبة القوة وليس فقط عدوا لها.

سابعًا: التحديات الأمنية والقانونية في المكافحة

يواجه العالم صعوبة كبرى في مكافحة الإرهاب التنظيمي بسبب طبيعته الشبكية، وقدرته على التكيف، واختراقه للفضاء الرقمي. وعلى الصعيد القانوني، تبرز تحديات كبرى في التعامل مع "المقاتلين العائدين"، و"التمويل غير الرسمي"، وتعارض المعايير القانونية بين الدول. كما أن حرب "المعلومات والمعلومات المضللة" أضحت ساحة جديدة للصراع، إذ تستخدم التنظيمات أدوات الذكاء الاصطناعي والتزييف العميق (Deepfake) لتضليل الرأي العام.

ثامنًا: ما بعد العنف: نحو تفكيك الظاهرة لا قمعها فقط

لا يمكن اختزال مكافحة الإرهاب التنظيمي في الحلول الأمنية والعسكرية فقط، بل يجب أن تشمل مسارات أعمق تتعلق بتفكيك الأيديولوجيا، وإصلاح السياسات التعليمية، وإنعاش الحياة السياسية، ورفع الظلم، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وتمكين المجتمعات من خلق روايات بديلة قائمة على الأمل والكرامة. فالإرهاب لا ينتهي بالرصاص، بل ينتهي عندما تتوقف دوافعه البنيوية عن إنتاجه.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطاعون السياسي: حين يصبح الفساد بداية النهاية للدول
- السجل الدامي للقارة العجوز: التاريخ الشامل للحروب الأوربية ف ...
- نيران القرون الوسطى: تاريخ الحروب في أوربا
- الانفصال العظيم: صعود الصين وكسر القبضة الأمريكية على الفضاء ...
- من العقيدة إلى الدستور: معالم الدولة عند المودودي
- عقل الدولة وهيمنة الفكرة: الدولة عند هيجل بين الفلسفة والسيا ...
- حين يغيب الآخر: أزمة التسامح في الوعي العربي المعاصر
- إعادة بناء العقل العربي: من التلقين إلى الإبداع المعرفي
- مسارات الفكر العربي: من النهضة إلى العولمة... تأملات في التط ...
- الذكاء الاصطناعي والاقتصاد العربي: من وعود التحديث إلى تهديد ...
- النهضة المؤجلة: لماذا أخفقت مشاريع تجديد الفكر العربي؟
- المعرفة السياسية وأسئلة المعقولية: قراءة في أسس علم السياسة
- ما بعد العلمانية: انهيار السردية العلمانية وصعود التعددية ال ...
- العربي بن مهيدي: أيقونة الموت واقفًا وذاكرة الثورة التي لا ت ...
- سؤال الوجود في الفكر الأوروبي: من الميتافيزيقا الكلاسيكية إل ...
- فلسفة برجسون: نداء الروح في عصر العقل
- ترامب يشعل البحر الأحمر: معركة اليمن بين نيران الهيمنة ومقاو ...
- الصراع الدرزي – الماروني في القرن التاسع عشر: أزمات الهوية، ...
- انقسام الهوية: صراع القيم الدينية والعلمانية في الواقع العرب ...
- توغل العلمانية في الدولة العثمانية: المسار، العوامل، والتداع ...


المزيد.....




- تحليل.. قطر تعمل كأمم متحدة مصغرة.. وترامب يتمنى أن تكون أمر ...
- مديرية أمن طرابلس تعلن إعادة فتح الطرق المغلقة (فيديو+صور)
- بوتين يحدد أهداف الكرملين في حرب أوكرانيا: القضاء على أسباب ...
- كشمير: عودة سكان القرى الحدودية إلى بيوتهم المدمرة بعد الاشت ...
- مخيم اليرموك: عاصمة الشتات الفلسطيني تنهض من بين الركام ودون ...
- مصرع 17 شخصا بينهم أطفال في حريق مروع بمدينة حيدر أباد الهند ...
- ليبيا.. عصيان للطلبة حتى انسحاب المسلحين من محيط جامعة طرابل ...
- النيجر تستعد لاستقبال 4 آلاف مهاجر مرحلين من الجزائر
- الرئاسة اللبنانية توضح حقيقة لقاء عون وزعيم دروز إسرائيل (صو ...
- ثوران بركان -كيلاويا- في هاواي


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الهياكل الخفية: تفكيك بنية الإرهاب التنظيمي في العصر الحديث