أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حمدي سيد محمد محمود - الانفصال العظيم: صعود الصين وكسر القبضة الأمريكية على الفضاء السيبراني














المزيد.....

الانفصال العظيم: صعود الصين وكسر القبضة الأمريكية على الفضاء السيبراني


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8344 - 2025 / 5 / 16 - 15:16
المحور: الصحافة والاعلام
    


د.حمدي سيد محمد محمود
في خضم التحولات العميقة التي يشهدها النظام العالمي الرقمي، تسعى الصين بوعي استراتيجي متصاعد إلى كسر الهيمنة الأمريكية على الساحة الرقمية العالمية، في مسعى لا يعكس فقط طموحًا تكنولوجيًا، بل يمثل مشروعًا جيوسياسيًا متكامل الأركان. فمنذ إعلانها عن "صنع في الصين 2025" و"الخطة الخمسية الرابعة عشرة"، شرعت بكين في هندسة منظومة رقمية مستقلة ومتقدمة، ترتكز على تقليص الاعتماد على الشركات الأمريكية العملاقة مثل Google وApple وFacebook وAmazon وMicrosoft (التي يطلق عليها اختصارًا GAFAM)، وبناء بيئة رقمية صينية قادرة على التوسع عالميًا ومنافسة هذه الكيانات في مجالات الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والجيل الخامس، والتجارة الرقمية، والعملات المشفرة، وتخزين البيانات.

إن جوهر الاستراتيجية الصينية يقوم على مبدأ "السيادة الرقمية" الذي يتحدى المفهوم الليبرالي الغربي للفضاء السيبراني كمجال مفتوح وغير خاضع للحدود. فالصين، من خلال حزبها الشيوعي، تنظر إلى الفضاء الرقمي باعتباره امتدادًا للسيادة الوطنية، ما يفرض ضرورة السيطرة على تدفق البيانات والمعلومات والبنية التحتية للإنترنت. وفي هذا السياق، طورت الصين نموذجها الخاص للرقابة الرقمية تحت ما يسمى بـ "جدار الحماية العظيم" (Great Firewall)، والذي لا يُستخدم فقط لحجب المنصات الغربية بل ولصناعة فضاء رقمي محلي بديل تغذّيه شركات عملاقة مثل Huawei، وTencent، وAlibaba، وBaidu، وByteDance. هذه الشركات، المدعومة بسياسات الدولة، أصبحت أدوات سيادية في يد بكين لإعادة رسم التوازنات في الاقتصاد الرقمي العالمي.

ولعل الذكاء الاصطناعي يمثل الساحة الأبرز في هذه المواجهة الصامتة. فالصين تنظر إلى الذكاء الاصطناعي ليس فقط كتقنية، بل كرافعة للهيمنة الاقتصادية والعسكرية والمعرفية في العقود القادمة. من هنا، ضخت الدولة استثمارات ضخمة في هذا القطاع تجاوزت مئات المليارات من الدولارات، وأطلقت برامج تدريب وطنية ضخمة لبناء "جيش من علماء البيانات"، واحتكرت البيانات الضخمة من أكثر من مليار مواطن، مما منحها ميزة تنافسية لا تمتلكها حتى الولايات المتحدة. كما اتجهت إلى تصدير نموذجها في الذكاء الاصطناعي المرتبط بالمراقبة والتحكم إلى دول في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، في مقابل هيمنة النموذج الليبرالي الغربي القائم على حماية الخصوصية.

إلى جانب ذلك، لم تغفل الصين البعد النقدي والمالي للاستقلال الرقمي، فبادرت إلى إطلاق اليوان الرقمي، وهو أول عملة رقمية تصدرها دولة كبرى بشكل رسمي ومدعوم من البنك المركزي، في محاولة لكسر احتكار الدولار في المعاملات الرقمية العابرة للحدود. هذه الخطوة تنطوي على أبعاد استراتيجية عميقة، إذ تهدف إلى تقويض النظام المالي الذي تهيمن عليه أمريكا عبر SWIFT واحتياطيات الدولار، وفتح الباب أمام نظام مالي متعدد الأقطاب يتيح لبكين التحكم بتدفقات الأموال الرقمية وتوسيع نفوذها المالي عبر مبادرة الحزام والطريق.

وعلى الصعيد الدولي، تسعى الصين إلى إعادة هندسة قواعد الحوكمة الرقمية العالمية من خلال التواجد الفاعل في المنظمات الدولية، والدفع نحو تبني معايير تكنولوجية جديدة تعكس مصالحها. كما أطلقت مبادرات مثل "طريق الحرير الرقمي" لتعزيز نفوذها في البنية التحتية الرقمية للدول النامية، عبر تقديم خدمات الاتصالات والبيانات والكابلات البحرية والأنظمة السحابية، وهو ما اعتبرته واشنطن تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي ولشبكتها الرقمية العالمية.

لكن ما يميز الاستراتيجية الصينية ليس فقط بعدها التقني أو الاقتصادي، بل بعدها الفلسفي والإيديولوجي أيضًا. فالصين تدرك أن السيطرة على المستقبل الرقمي تعني السيطرة على وعي البشر واتجاهاتهم وسلوكهم. ولهذا فهي تسعى لتصدير نموذجها الرقمي القائم على "الرقابة الذكية" باعتباره بديلاً للنموذج الأمريكي الذي تعتقد بكين أنه فوضوي، مفرط في حرية التعبير، وعاجز عن ضبط التحديات السيبرانية الجديدة. ومن خلال هذه الرؤية، تحاول الصين صياغة "نظام رقمي عالمي صيني الطابع"، يعيد تعريف مفاهيم مثل الحرية، والخصوصية، والأمن، في ضوء مصالح الدولة لا رغبات الأفراد.

ختامًا، فإن محاولة الصين كسر احتكار أمريكا للساحة الرقمية ليست مجرد منافسة تجارية بين عمالقة التكنولوجيا، بل هي معركة على شكل النظام العالمي القادم. إنها معركة بين نموذجين حضاريين، ورؤيتين للإنسان والمجتمع والدولة، وسرديتين متناقضتين عن الحرية والسيطرة والمعرفة. وفي ظل هذه المواجهة، لا يبدو أن العالم يتجه نحو قطب واحد، بل نحو تعددية رقمية تتنازعها أنظمة قيمية متباينة، سيكون لها أعمق الأثر على مستقبل السياسة والاقتصاد والثقافة الإنسانية جمعاء.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من العقيدة إلى الدستور: معالم الدولة عند المودودي
- عقل الدولة وهيمنة الفكرة: الدولة عند هيجل بين الفلسفة والسيا ...
- حين يغيب الآخر: أزمة التسامح في الوعي العربي المعاصر
- إعادة بناء العقل العربي: من التلقين إلى الإبداع المعرفي
- مسارات الفكر العربي: من النهضة إلى العولمة... تأملات في التط ...
- الذكاء الاصطناعي والاقتصاد العربي: من وعود التحديث إلى تهديد ...
- النهضة المؤجلة: لماذا أخفقت مشاريع تجديد الفكر العربي؟
- المعرفة السياسية وأسئلة المعقولية: قراءة في أسس علم السياسة
- ما بعد العلمانية: انهيار السردية العلمانية وصعود التعددية ال ...
- العربي بن مهيدي: أيقونة الموت واقفًا وذاكرة الثورة التي لا ت ...
- سؤال الوجود في الفكر الأوروبي: من الميتافيزيقا الكلاسيكية إل ...
- فلسفة برجسون: نداء الروح في عصر العقل
- ترامب يشعل البحر الأحمر: معركة اليمن بين نيران الهيمنة ومقاو ...
- الصراع الدرزي – الماروني في القرن التاسع عشر: أزمات الهوية، ...
- انقسام الهوية: صراع القيم الدينية والعلمانية في الواقع العرب ...
- توغل العلمانية في الدولة العثمانية: المسار، العوامل، والتداع ...
- تفكيك الجندر وتخريب الهوية: جوديث بتلر وسؤال الذات في زمن ال ...
- المادية الجدلية بين هيغل وماركس: من المثالية المطلقة إلى الو ...
- توما الأكويني والدعوات البابوية: الأسس اللاهوتية للتدخل في ش ...
- نظرة رواد الفلسفة الأوروبية للمرأة: بين الإقصاء النظري والتش ...


المزيد.....




- محادثات إسطنبول حول أوكرانيا: من يحسم المواجهة -الدبلوماسية- ...
- -رفيقان رائعان-.. وزير التجارة الأمريكي ينشر صورة مع خالد بن ...
- الرئيس العراقي يتسلم رسالة خطية من الرئيس الروسي (صور)
- إسطنبول تحتضن أول لقاء مباشر بين روسيا وأوكرانيا منذ الغزو ل ...
- مؤتمر دولي بقيادة فرنسا والسعودية للاعتراف بدولة فلسطين وإس ...
- روسيا وبيلاروس.. مناورات مشتركة -لمواجهة أي عدوان محتمل-
- مِن أين يمكن أن يبدأ الحوار بين روسيا وأوكرانيا؟
- بماذا تختلف اسطنبول 2025 عن اسطنبول 2022؟
- الصراع الأوكراني يمكن أن يستمر 10 سنوات
- -الرجولة- تهدد الكوكب!.. كيف تعمق العادات الذكورية أزمة المن ...


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حمدي سيد محمد محمود - الانفصال العظيم: صعود الصين وكسر القبضة الأمريكية على الفضاء السيبراني