أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الصراع الدرزي – الماروني في القرن التاسع عشر: أزمات الهوية، السلطة، والتدخل الأجنبي














المزيد.....

الصراع الدرزي – الماروني في القرن التاسع عشر: أزمات الهوية، السلطة، والتدخل الأجنبي


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8335 - 2025 / 5 / 7 - 08:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
يُعد الصراع بين الدروز والموارنة في جبل لبنان خلال القرن التاسع عشر واحدًا من أكثر النزاعات الطائفية تعقيدًا في التاريخ الحديث للمنطقة، حيث تداخلت فيه العوامل الداخلية، المرتبطة بالبنية الاجتماعية والدينية والإقطاعية لجبل لبنان، مع العوامل الخارجية، التي تمثلت في تصاعد التدخلات الأوروبية العثمانية. هذا الصراع لم يكن مجرد مواجهة بين طائفتين دينيتين، بل تجسيدًا لصراع أوسع حول الهوية والسلطة وخرائط النفوذ في المشرق العربي.

في مطلع القرن التاسع عشر، كان جبل لبنان منطقة ذات استقلال نسبي داخل السلطنة العثمانية، محكومة بنظام "القائمقاميتين" الذي كرّس التوزيع الطائفي للسلطة بين الدروز والمسيحيين الموارنة. وكان هذا النظام امتدادًا للإرث الإقطاعي الذي أسّسه المعنيون ثم الشهابيون، الذين توارثوا السلطة في الجبل، حيث كان الدروز يحتلون مكانة متميزة بوصفهم النخبة العسكرية والسياسية، بينما أخذ الموارنة يتوسّعون اقتصاديًا واجتماعيًا، مدعومين برعاية كنسية نشطة وبعلاقات متنامية مع فرنسا، القوة الكاثوليكية الكبرى.

لكن هذا التوازن كان هشًا بطبيعته. فمع تراجع النفوذ الدرزي نتيجة تقلص نفوذ الإقطاع التقليدي وصعود البرجوازية المارونية، بدأت تظهر التوترات. وقد ازداد هذا الوضع تأزمًا بعد حملات محمد علي باشا على بلاد الشام (1831–1840)، حيث ساهمت الإصلاحات الإدارية التي فرضها المصريون، مثل إلغاء الامتيازات الإقطاعية وتجنيد السكان، في زعزعة البنية التقليدية للمجتمع الدرزي، بينما سمحت للموارنة بتوسيع نفوذهم في الجهاز الإداري والتعليم والتجارة.

بلغ الصراع ذروته بين عامي 1840 و1860، إذ تحوّل من نزاع اجتماعي وسياسي إلى حرب طائفية شاملة. في عام 1840، ومع انسحاب القوات المصرية من بلاد الشام تحت الضغط الأوروبي، سقطت الحماية التي كان الموارنة قد نعموا بها، وبدأت موجة من الصدامات المسلحة بين الدروز والموارنة. وتكررت هذه الصدامات خلال الأعوام التالية، وصولاً إلى مجازر عام 1860، التي شهدت قتل الآلاف من الموارنة على أيدي ميليشيات درزية في مناطق مختلفة من جبل لبنان والبقاع، بينما كانت الدولة العثمانية عاجزة، أو متواطئة في نظر البعض، عن حماية المدنيين. وردًّا على ذلك، تدخلت فرنسا عسكريًا بحجة حماية الموارنة، ما أعطى الصراع بعدًا دوليًا بالغ الخطورة.

من الجوانب المحورية لفهم هذا الصراع هو إدراك الطابع المعقّد للهوية السياسية في جبل لبنان. فالدروز، الذين لم يكن لهم امتداد طائفي في الدولة العثمانية ذات الأغلبية السنية، شعروا بالتهديد من تزايد النفوذ الماروني المدعوم من الكرسي الرسولي في الفاتيكان ومن فرنسا الكاثوليكية. أما الموارنة، الذين رأوا في صعودهم الاجتماعي والاقتصادي علامة على دورهم المتنامي، فقد اصطدموا بعائق سياسي – اجتماعي فرضته تقاليد الحكم الإقطاعي والتمييز المذهبي.

وكان التدخل الأوروبي، وعلى رأسه الفرنسي، أحد العوامل الجوهرية التي عمّقت الانقسام. ففرنسا تبنّت الموارنة كطائفة محمية، وقدّمت لهم الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي، بينما لم يجد الدروز، رغم بعض محاولاتهم، دعمًا مماثلًا من القوى الكبرى. وقد أدى ذلك إلى ترسيخ خطاب الضحية لدى الموارنة وخطاب التهميش والمقاومة لدى الدروز. بل يمكن القول إن جذور الطائفية السياسية الحديثة في لبنان ترسّخت في تلك اللحظة التاريخية، حين تم تحويل الخلافات المحلية إلى نزاعات تُدار وفق حسابات خارجية.

أسفرت مجازر عام 1860 عن إعادة ترتيب المشهد السياسي اللبناني، حيث أنشأت الدولة العثمانية "المتصرفية" كنظام حكم جديد في جبل لبنان، يترأسه حاكم مسيحي غير لبناني، يُعيَّن من قبل السلطنة بموافقة الدول الأوروبية الكبرى. وقد بدا هذا الحل محاولة لفرض نوع من "الحياد الطائفي"، لكنه في الحقيقة كان ترسيخًا للصيغة الطائفية التي جعلت من كل مكوّن لبناني يشعر بالحاجة إلى حماية خارجية.

إن الصراع بين الدروز والموارنة لم يكن محصورًا في ضغائن مذهبية، بل كان انعكاسًا للتحولات العميقة في البنية السياسية والاجتماعية للمنطقة، وتجلّيًا مبكرًا لما سيعرف لاحقًا بـ"المسألة الطائفية" في المشرق العربي. وقد ترك هذا الصراع جراحًا عميقة في الذاكرة الجماعية للطائفتين، ما جعل العلاقة بينهما متوترة في محطات لاحقة من تاريخ لبنان، لا سيما خلال الحرب الأهلية (1975–1990).

في الختام، يمكن النظر إلى صراع الدروز والموارنة في القرن التاسع عشر كحالة نموذجية لفهم كيف تتقاطع العوامل الاجتماعية والدينية والسياسية مع التدخلات الخارجية لتنتج صراعات أهلية مدمرة. وما لم يُعالَج هذا الإرث التاريخي ضمن مشروع وطني جامع يتجاوز الطائفية، فإن أشباح هذا الصراع ستبقى حاضرة في بنية النظام اللبناني، وتُهدِّد دوماً استقراره الهش.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انقسام الهوية: صراع القيم الدينية والعلمانية في الواقع العرب ...
- توغل العلمانية في الدولة العثمانية: المسار، العوامل، والتداع ...
- تفكيك الجندر وتخريب الهوية: جوديث بتلر وسؤال الذات في زمن ال ...
- المادية الجدلية بين هيغل وماركس: من المثالية المطلقة إلى الو ...
- توما الأكويني والدعوات البابوية: الأسس اللاهوتية للتدخل في ش ...
- نظرة رواد الفلسفة الأوروبية للمرأة: بين الإقصاء النظري والتش ...
- العمق الاستراتيجي للدولة المصرية بين نقاط القوة والضعف: قراء ...
- الصحافة في زمن الخوازميات: إستعادة الضمير الأخلاقي للتقنيات ...
- من الإيمان إلى العدم: سردية الغياب في الفلسفة الغربية الحديث ...
- البيولوجيا السياسية: آليات السلطة على الجسد والحياة في الدول ...
- تقاطع السلطة والمعرفة والسرد في الواقع السياسي العربي الراهن
- انفجار المعلومات وتحولات المعرفة: أزمة الإدراك في زمن التدفق ...
- الزمان والمكان في فلسفة كانط: أطر المعرفة وحدود الإدراك
- أنثروبولوجيا العلمانية: تفكيك المقدس وإعادة تشكيل الذات في ز ...
- الاقتصاد الرقمي في العالم العربي: الواقع، التحديات، والآفاق ...
- ترامب والتجارة العالمية : السياسات الخاطئة في مواجهة الصين و ...
- استثمار في الخراب : كيف تبتلع الحروب مقومات التنمية في المجت ...
- تفكيك المقدس: ديكارت في مواجهة الميتافيزيقا
- نيتشه و مابعد الحداثة: من موت الإله إلى تشظي المعنى
- العلمانية والإسلاموفوبيا: جدلية التنوير والإقصاء


المزيد.....




- خامنئي يتعهد بعدم -استسلام إيران- لأمريكا تزامنًا مع جنازات ...
- داعيًا للتحرك.. بوريل: أوروبا تُهمَش لأنها لم تعد تجرؤ على ا ...
- تحذيرات من قرار أممي يهدد آلاف السوريين بلبنان
- الاحتلال هدم 1000 منزل في الضفة ويواصل حملة الاعتداءات
- ماذا تعرف عن عُقدة النقص؟
- ردود فعل سلبية في بريطانيا بسبب حقن إنقاص الوزن
- ديرمر يزور واشنطن الاثنين وتفاؤل ترامب بإنهاء الحرب يفاجئ إس ...
- عصير الكرز الحامض وصفة سحرية للنوم العميق
- كيف غيّرت حرب غزة مزاج أوروبا تجاه إسرائيل؟
- -ما تفعله اختطاف-.. فيديو يُظهر شابة متشبثة بشجرة وملثمون يح ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الصراع الدرزي – الماروني في القرن التاسع عشر: أزمات الهوية، السلطة، والتدخل الأجنبي