أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - أنثروبولوجيا العلمانية: تفكيك المقدس وإعادة تشكيل الذات في زمن الحداثة














المزيد.....

أنثروبولوجيا العلمانية: تفكيك المقدس وإعادة تشكيل الذات في زمن الحداثة


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8324 - 2025 / 4 / 26 - 13:43
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


د.حمدي سيد محمد محمود
تُعد أنثروبولوجيا العلمانية مدخلًا تحليليًا معقدًا لفهم الكيفية التي تتجلى بها العلمانية في التجارب الحياتية والثقافية والاجتماعية للناس، متجاوزة بذلك اختزالها في بعدها السياسي أو القانوني فقط. فالعلمانية، كما تُقاربها الأنثروبولوجيا، لا تُفهم كمجرد فصلٍ شكلي بين الدين والدولة، بل كمنظومة شاملة لإعادة تشكيل الحساسيات، وتكوين الذوات، وتنظيم العواطف والمعاني ضمن أطر زمنية وتاريخية محددة. إنها ليست مجرد بنية فوقية تُفرض من الأعلى، بل ظاهرة متجذّرة في الأنماط اليومية للعيش والتفكير والشعور والانتماء.

في هذا السياق، تسعى أنثروبولوجيا العلمانية إلى تحليل الدين ليس من حيث حضوره أو غيابه، بل من حيث كيفية إعادة إنتاجه وتموضعه في ظل المنظومات العلمانية. وهذا ما يظهر جليًا في أعمال باحثين مثل طالب أصفهاني وسابرينا بينو ووينفريد كانّون، الذين أبرزوا كيف أن العلمانية ليست حيادية بالضرورة، بل هي تنطوي على مفاهيم خفية للزمان والمكان والنظام الأخلاقي والمعنى العام، تُعيد ترسيم حدود المقدس والمدنس، وتُعيد صياغة ما يُعدّ "دينًا" وما يُعدّ "لا-دينيًا". فالعلمانية تُنتج "دينًا جديدًا" بطريقة غير مباشرة، من خلال المعايير التي تضعها لتعريف السلوك المقبول، والمعتقد المشروع، والممارسات التي يُمكن إدراجها داخل المجال العام.

والأنثروبولوجي في هذا المضمار لا يكتفي بمراقبة كيف يتم "قمع الدين" أو "احتواؤه"، بل يسأل عن كيف يتم اختراعه من جديد، وكيف تُعاد صياغة العلاقات بين الأفراد والجماعات والدولة تحت مظلة "العلمنة". فمثلًا، في المجتمعات ما بعد الكولونيالية، كثيرًا ما اتخذت العلمانية طابعًا مهيمنًا مفروضًا من الخارج، مما يجعلها جزءًا من مشروع استعماري حداثي يسعى إلى "ترويض" الدين المحلي وإخضاعه لمقولات العقل الأداتي الغربي. وهنا يصبح من الضروري فهم العلمانية كظاهرة ثقافية استعمارية أيضًا، تتقاطع مع البُنى الاقتصادية والسياسية والمعرفية التي فرضتها الحداثة الغربية.

ولعلّ أحد أكثر أبعاد أنثروبولوجيا العلمانية إثارة للانتباه هو تحليلها للذات الحديثة: الذات التي أُعيد بناؤها في ظل الخطاب العلماني لتكون ذاتًا مفصولة عن الجماعة، عقلانية، محايدة، متحررة من الغيب، ومتمركزة حول الحرية الفردية. غير أن هذه الذات ليست كونية كما يُروج لها، بل مشروطة تاريخيًا وثقافيًا. ولذلك، تُعيد أنثروبولوجيا العلمانية مساءلة الفرضيات الأساسية التي بُنيت عليها الفلسفة السياسية الحديثة، والتي غالبًا ما افترضت أن الإنسان الحديث يمكنه أن يعيش حياة "مدنية" دون حاجة إلى المقدس أو إلى الروابط الروحية، متجاهلة بذلك الأبعاد العاطفية والرمزية والتجريبية العميقة للوجود الإنساني.

وهكذا، فإن أنثروبولوجيا العلمانية تفتح الباب نحو نقد راديكالي للبنى المعرفية والمؤسساتية التي تُقدّم بوصفها محايدة أو عقلانية أو تقدمية، وتُظهر كيف أن هذه البنى في جوهرها مشحونة بالسلطة، ومؤطرة بتصورات غربية حداثية عن الإنسان، والحياة، والمجتمع، والمعنى. ومن هذا المنطلق، لا يمكن اختزال العلمانية في كونها "حرية من الدين"، بل يجب التعامل معها كـ نظام معرفي وقيمي يمارس السلطة بطرائق ناعمة وعنيفة في آنٍ معًا.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاقتصاد الرقمي في العالم العربي: الواقع، التحديات، والآفاق ...
- ترامب والتجارة العالمية : السياسات الخاطئة في مواجهة الصين و ...
- استثمار في الخراب : كيف تبتلع الحروب مقومات التنمية في المجت ...
- تفكيك المقدس: ديكارت في مواجهة الميتافيزيقا
- نيتشه و مابعد الحداثة: من موت الإله إلى تشظي المعنى
- العلمانية والإسلاموفوبيا: جدلية التنوير والإقصاء
- الذكاء الاصطناعي في مواجهة تغير المناخ: أمل تقني في معركة مص ...
- عصر الخوازميات الناطقة: الثقافة الرقمية وتحولات الإعلام
- مستقبل القواعد العسكرية الأجنبية في الوطن العربي في ظل التحو ...
- الحرية بين العقل والإيمان: قراءة مقارنة في الفلسفة الإسلامية ...
- المقاومة التنظيمية وإعادة تشكيل الثقافة المؤسسية: تحديات وسب ...
- على حافة العدم: النقد الفلسفي للإلحاد الوجودي ومعضلة المعنى
- الأمن الأوروبي في مفترق طرق: تحديات التحول الاستراتيجي في ظل ...
- الأمن المائي في العالم العربي: بين التحديات الجيوسياسية والف ...
- الوعي تحت المقص: مقارنة نقدية لتحولات الإعلام والدراما المصر ...
- نظرية الحق بين الفلسفة والقانون: نحو أفق رقمي جديد لحقوق الإ ...
- مشروع محمد عابد الجابري: قراءة نقدية في تفكيك التراث وبناء ا ...
- حروب بلا رصاص: الإعلام في زمن الخوارزميات والواقع المزيف
- تفكيك المقدس: العقل الفلسفي في مواجهة الإيمان المسيحي في الف ...
- ما بعد الهيمنة : قراءة في خرائط النظام العالمي الجديد


المزيد.....




- تقرير: كوكب الأرض -لم يشهد- العدد الحالي من المليارديرات من ...
- -ابن الجبل-.. عُماني يقفز بجرأة بين حافتين صخريتين على ارتفا ...
- صحيفة نيويورك تايمز تقاضي وزارة الدفاع الأمريكية بسبب قيود ع ...
- الولايات المتحدة تستهدف مجددا مشتبهين بتهريب المخدرات في الم ...
- السودان.. انهيار نظام العدالة ومحاسبة دولية تلوح في الأفق
- تحقيق بريطاني يوضح علاقة بوتين بـ-تسميم- العميل الروسي المزد ...
- وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية تؤكد صحة تقرير CNN حول زيادة ع ...
- السودان: مقتل 15 شخصا بينهم أطفال في قصف على كردفان
- فرنسا: النيابة العامة توجه اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنساني ...
- انتحار ضابط إسرائيلي شارك بالحرب على غزة


المزيد.....

- العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو ... / حسام الدين فياض
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - أنثروبولوجيا العلمانية: تفكيك المقدس وإعادة تشكيل الذات في زمن الحداثة