أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - العلمانية والإسلاموفوبيا: جدلية التنوير والإقصاء














المزيد.....

العلمانية والإسلاموفوبيا: جدلية التنوير والإقصاء


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8314 - 2025 / 4 / 16 - 16:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ترتبط العلمانية، بوصفها مشروعًا حداثيًا خرج من رحم الصراع بين الكنيسة والسلطة الزمنية في أوروبا، بفكرة تحرير المجال السياسي والاجتماعي من الهيمنة الدينية. إلا أن هذه الرؤية التحريرية اصطدمت، في كثير من السياقات الغربية، بإشكاليات عميقة حينما انتقلت إلى فضاء التعدد الثقافي والديني، خصوصًا مع صعود الإسلام كعنصر مكون للهوية في المجتمعات الغربية متعددة الأعراق. هنا تتقاطع العلمانية مع الإسلاموفوبيا، لا بوصفها امتدادًا مباشرًا لها، بل من خلال توظيف بعض من مبادئها ـــ مثل الحياد الديني والفصل بين الدين والدولة ـــ كأدوات رمزية لقمع التعبيرات الدينية الإسلامية، وتجريد المسلمين من حقهم في التعبير عن هويتهم الدينية في الفضاء العام.

فالخطاب العلماني، حينما يتحول من حياد مؤسسي إلى أداة معيارية لفرض نمط ثقافي واحد، يجنح إلى نوع من الشمولية المقنّعة، التي لا تتسامح مع مظاهر التدين العلني، لاسيما الإسلامي منها، بدعوى حماية الحياد. ومن هنا، تُستخدم السياسات العلمانية، في كثير من الدول الغربية، كغطاء شرعي لفرض قيود على الحجاب، والمآذن، والمناسبات الدينية، وحرية ممارسة الشعائر، وهو ما يكشف عن تحول تدريجي للعلمانية من فلسفة حيادية إلى أداة إقصائية، حينما تُحصر في النموذج الثقافي الأوروبي وتُفرض على الآخر المختلف حضاريًا ودينيًا.

الإسلام كاستثناء: تسييس الحياد وتحييد السياسة

تأخذ العلاقة بين العلمانية والإسلاموفوبيا بُعدًا أكثر تركيبًا حين نلحظ كيف يتم استثناء الإسلام من قاعدة التسامح الليبرالي. فبينما تتسامح المؤسسات الغربية مع مظاهر دينية غير إسلامية تحت مسمى التعدد، نجد أن الإسلام يُعامل كمصدر تهديد مزمن للأمن القومي، والنظام الجمهوري، والقيم العلمانية. وهذا ما يُنتج مفارقة خطيرة: فبدلًا من أن تكون العلمانية ضمانًا للحرية الدينية، تتحول إلى أداة لتسييس الإسلام، وتحويله إلى كيان دخيل يجب ترويضه أو تطبيعه أو إقصاؤه. فالمسلم ليس فقط "آخرًا" ثقافيًا، بل يُصور على أنه "تهديد" يجب نزع رمزيته وتذويبه قسريًا داخل الثقافة المهيمنة.

في هذا السياق، تُستخدم مفردات مثل "تحرير المرأة المسلمة"، و"حماية الطفولة من التطرف"، و"محاربة الرموز الدينية في الفضاء العام"، كخطابات تحديثية ظاهرها تحرري، لكن باطنها يعيد إنتاج هيمنة استعمارية ثقافية تتعامل مع الإسلام كهوية غير قابلة للاندماج، إلا عبر نفي ذاتها.

الإسلاموفوبيا كمنتج حداثي: الوجه المظلم للعلمانية الأوروبية

من المهم التأكيد على أن الإسلاموفوبيا ليست ظاهرة معزولة أو طارئة على الحداثة الأوروبية، بل هي إحدى نتاجاتها الجانبية، حيث تأسست الحداثة ذاتها على ثنائية "نحن" المتقدمة المتنورة مقابل "الآخر" المتخلف الغارق في الأسطورة والتقاليد. وهنا، يتم تصوير الإسلام لا كدين فحسب، بل كحضارة نقيضة للحداثة والعقلانية والعلمانية، وكعقبة أمام "التقدم". بهذا المعنى، تُستدعى العلمانية كمنظومة قيمية ليس فقط ضد الدين بشكل عام، بل بشكل خاص ضد الإسلام، بوصفه الدين الذي يعاند التصورات الغربية عن التحديث والعقل والحرية. وهكذا، تصبح الإسلاموفوبيا تعبيرًا عن القلق الحضاري الغربي من صعود الإسلام كفاعل ثقافي واجتماعي وسياسي، في مشهد عالمي يعيد تشكيل خرائط النفوذ والهوية.

نحو علمانية شاملة أو اعترافية

إن تجاوز العلاقة المتوترة بين العلمانية والإسلاموفوبيا يتطلب إعادة تفكيك المفاهيم المركزية للعلمانية ذاتها، والانتقال من نموذج علماني إقصائي، يُفرض من أعلى كنظام معياري مهيمن، إلى نموذج اعترافي يتأسس على التعدد والاحترام المتبادل. فالعلمانية لا ينبغي أن تكون أداة للتمييز أو تبرير الخوف من الإسلام، بل يجب أن تُعاد صياغتها ضمن أفق كوني يؤمن بحق الأفراد والجماعات في التعبير عن هوياتهم الدينية والثقافية دون إقصاء أو وصم. عندها فقط يمكن الحديث عن علمانية لا تنتج إسلاموفوبيا، بل تقاومها.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكاء الاصطناعي في مواجهة تغير المناخ: أمل تقني في معركة مص ...
- عصر الخوازميات الناطقة: الثقافة الرقمية وتحولات الإعلام
- مستقبل القواعد العسكرية الأجنبية في الوطن العربي في ظل التحو ...
- الحرية بين العقل والإيمان: قراءة مقارنة في الفلسفة الإسلامية ...
- المقاومة التنظيمية وإعادة تشكيل الثقافة المؤسسية: تحديات وسب ...
- على حافة العدم: النقد الفلسفي للإلحاد الوجودي ومعضلة المعنى
- الأمن الأوروبي في مفترق طرق: تحديات التحول الاستراتيجي في ظل ...
- الأمن المائي في العالم العربي: بين التحديات الجيوسياسية والف ...
- الوعي تحت المقص: مقارنة نقدية لتحولات الإعلام والدراما المصر ...
- نظرية الحق بين الفلسفة والقانون: نحو أفق رقمي جديد لحقوق الإ ...
- مشروع محمد عابد الجابري: قراءة نقدية في تفكيك التراث وبناء ا ...
- حروب بلا رصاص: الإعلام في زمن الخوارزميات والواقع المزيف
- تفكيك المقدس: العقل الفلسفي في مواجهة الإيمان المسيحي في الف ...
- ما بعد الهيمنة : قراءة في خرائط النظام العالمي الجديد
- صراع العمالقة : الولايات المتحدة والصين ... إعادة رسم خرائط ...
- نظرية المعرفة عند ابن رشد: العقل، التجربة، والتأويل الفلسفي
- من الحق الإلهي إلى العقد الاجتماعي: التحولات الفلسفية للسلطة
- الوعي المقيد والوعي الحر: قراءة في أنماط التصديق الدوغمائي و ...
- فاطمة الفهرية: سيدة العلم التي شيدت أول جامعة في التاريخ
- جدلية السلطة والفكر: قراءة موسوعية في تطور الأفكار السياسية ...


المزيد.....




- المكسيك تستعد للأسوأ: 30 مليون شخص يشاركون في تمرين وطني لمو ...
- أميركا وأوكرانيا توقعان اتفاقية المعادن
- محللون سياسيون: إسرائيل تستغل الدروز لتنفيذ مشروع توسعي بالم ...
- الأمن يستعيد السيطرة على أشرفية صحنايا بعد اشتباكات مسلحة
- سويسرا تحظر حركة حماس بدءا من 15 مايو
- الإعلان عن اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار في صحنايا
- غارات إسرائيلية على أشرفية صحنايا وسط نزوح السكان
- أوكرانيا -مستعدة- لتوقيع اتفاقية المعادن مع أميركا الأربعاء ...
- اشتباكات صحنايا.. مفتي سوريا يحذر من -الفتنة-
- سلطات الهجرة الأميركية تطلق سراح طالب فلسطيني


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - العلمانية والإسلاموفوبيا: جدلية التنوير والإقصاء