أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - من العقيدة إلى الدستور: معالم الدولة عند المودودي














المزيد.....

من العقيدة إلى الدستور: معالم الدولة عند المودودي


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8343 - 2025 / 5 / 15 - 15:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يُعد أبو الأعلى المودودي (1903–1979) من أبرز المفكرين الإسلاميين في العصر الحديث الذين قدّموا تصورًا شاملًا ومتماسكًا حول فكرة الدولة الإسلامية، لا كحنين تاريخي إلى الماضي أو مجرد دعوة أخلاقية، بل كنظرية سياسية بديلة للنماذج الغربية في الحكم والدولة والسيادة. فقد جاء مشروعه كردّ على الانهيار الحضاري الذي أصاب الأمة الإسلامية في سياق الاستعمار والتغريب، وسعى إلى بلورة منظومة فكرية ترتكز على إعادة تأسيس السياسة على أساس الشريعة، وتجسيد الحاكمية لله في نظام شامل للحياة والمجتمع والدولة.

المركزية الفلسفية في فكر المودودي السياسي تتمثل في مفهوم "الحاكمية لله"، وهو المبدأ الذي ينفي منطق السيادة البشرية المطلقة ويضع حدودًا صارمة لأي سلطة بشرية. فالدولة، في فكره، لا يمكن أن تكون تعبيرًا عن إرادة الشعب بوصفها مصدرًا أعلى للتشريع، بل يجب أن تكون خاضعة لمنظومة القيم الإلهية التي تضمن العدالة والحرية والكرامة الإنسانية. وقد رفض المودودي النماذج الديمقراطية الغربية القائمة على السيادة الشعبية المطلقة، معتبرًا إياها نوعًا من "الوثنية السياسية" التي تحلّ إرادة البشر محل إرادة الله.

ولذلك أسّس مفهومًا جديدًا سماه بـ "الثيوقراطية الديمقراطية" أو "الديمقراطية الإلهية"، حيث يكون الشعب مسؤولًا عن تطبيق الشريعة واختيار من يمثله ضمن حدودها، ولكن دون أن يكون مصدرًا للتشريع في ذاته. وهذا ما يُميز نظرية المودودي عن كل من النماذج الغربية والعلمانية من جهة، وعن الأنظمة الدينية الكهنوتية التقليدية من جهة أخرى. فالدولة الإسلامية عنده ليست دولة رجال الدين، بل دولة مجتمع مسلم يلتزم بالشريعة عبر مؤسسات سياسية تمثيلية، ولكنها مقيدة بالقانون الإلهي.

ويرى المودودي أن الغاية من الدولة الإسلامية ليست مجرد تنظيم الحياة السياسية، بل إقامة نظام شامل للحياة قائم على الإسلام كنظام حياة كامل، يتضمن الاقتصاد، والاجتماع، والتعليم، والثقافة، وكل أنماط السلوك البشري. الدولة ليست مجرد جهاز حكم، بل أداة لتزكية الإنسان وإقامة "حياة ربانية" على الأرض. وهذا البعد الأخلاقي والروحي يُضفي على تصوره طابعًا شموليًا يتجاوز المفهوم الأداتي للدولة في الفكر الغربي.

ولأن الدولة الإسلامية ليست محايدة أيديولوجيًا، يرفض المودودي الفصل بين الدين والسياسة، ويعتبر أن الإسلام ذاته نزل ليؤسس لأمة تحمل رسالة عالمية. ومن هذا المنطلق، تصبح الدولة الإسلامية أداة للتمكين الحضاري، لا فقط لتطبيق الشريعة داخليًا، بل لنشر مبادئ الإسلام في العالم، ضمن تصور دعوي-سياسي لا ينفصل فيه البُعد الرسالي عن البُعد المؤسساتي.

وإذا كان المودودي قد بنى مشروعه الفكري من خلال عمله في حزب "الجماعة الإسلامية" في شبه القارة الهندية، فإنه حرص على أن يجسد رؤيته عمليًا عبر مؤسسة حزبية تسعى لتغيير الواقع لا عبر العنف، بل من خلال التربية، والتنظيم، والعمل السياسي الجماعي. وقد شكّل هذا النموذج مصدر إلهام للعديد من الحركات الإسلامية لاحقًا، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، رغم التباينات الفكرية في بعض التفاصيل.

تتميز نظرية المودودي بقدرتها على استيعاب المفاهيم الحديثة مثل الدستور، الانتخابات، الفصل بين السلطات، والمحاسبة، ولكن في إطار تأصيلي إسلامي يربطها بأصول العقيدة والشريعة. وهذا ما منح مشروعه قوة تأثير مزدوجة: فهو يخاطب الحداثة بلغة إسلامية، ويخاطب المسلمين بلغة تحديثية، ما جعله في طليعة من حاولوا صياغة "نظرية سياسية إسلامية" متكاملة، تتجاوز مجرد الوعظ وتدخل في عمق الدولة والبناء المؤسسي.

ومع ذلك، فإن مشروع المودودي ليس بمنأى عن النقد. فقد اعتبر بعض المفكرين أن مفهوم الحاكمية قد يُفضي في التطبيق إلى نوع من السلطوية، أو يُستخدم لتبرير الاستبداد باسم الشريعة، ما لم يُقرَن بآليات حقيقية للمساءلة وحقوق الإنسان. كما أن رؤيته للمرأة، والأقليات، والدولة في ظل العولمة، لا تزال محل جدل واسع. لكن رغم هذه التحديات، يبقى فكر المودودي من أكثر المحاولات جدية وتأثيرًا في صياغة نموذج إسلامي للدولة في العصر الحديث، يجمع بين الشرعية الدينية، والبنية المؤسساتية، والبعد الحضاري الرسالي.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقل الدولة وهيمنة الفكرة: الدولة عند هيجل بين الفلسفة والسيا ...
- حين يغيب الآخر: أزمة التسامح في الوعي العربي المعاصر
- إعادة بناء العقل العربي: من التلقين إلى الإبداع المعرفي
- مسارات الفكر العربي: من النهضة إلى العولمة... تأملات في التط ...
- الذكاء الاصطناعي والاقتصاد العربي: من وعود التحديث إلى تهديد ...
- النهضة المؤجلة: لماذا أخفقت مشاريع تجديد الفكر العربي؟
- المعرفة السياسية وأسئلة المعقولية: قراءة في أسس علم السياسة
- ما بعد العلمانية: انهيار السردية العلمانية وصعود التعددية ال ...
- العربي بن مهيدي: أيقونة الموت واقفًا وذاكرة الثورة التي لا ت ...
- سؤال الوجود في الفكر الأوروبي: من الميتافيزيقا الكلاسيكية إل ...
- فلسفة برجسون: نداء الروح في عصر العقل
- ترامب يشعل البحر الأحمر: معركة اليمن بين نيران الهيمنة ومقاو ...
- الصراع الدرزي – الماروني في القرن التاسع عشر: أزمات الهوية، ...
- انقسام الهوية: صراع القيم الدينية والعلمانية في الواقع العرب ...
- توغل العلمانية في الدولة العثمانية: المسار، العوامل، والتداع ...
- تفكيك الجندر وتخريب الهوية: جوديث بتلر وسؤال الذات في زمن ال ...
- المادية الجدلية بين هيغل وماركس: من المثالية المطلقة إلى الو ...
- توما الأكويني والدعوات البابوية: الأسس اللاهوتية للتدخل في ش ...
- نظرة رواد الفلسفة الأوروبية للمرأة: بين الإقصاء النظري والتش ...
- العمق الاستراتيجي للدولة المصرية بين نقاط القوة والضعف: قراء ...


المزيد.....




- -طرابلس قالتلك خُد الشرعية-.. حقيقة فيديو مظاهرة طرابلس الدع ...
- قصف روسي بالطائرات المسيّرة يشعل حرائق ضخمة في منطقة سومي ال ...
- -كيف يرى الإسرائيليون زيارة ترامب إلى الخليج؟- - جولة الصحف ...
- مواقف ترامب تصدم إسرائيل وتكرّس اختلافًا في الأولويات
- محادثات الفرصة الأخيرة؟ روسيا وأوكرانيا تتفاوضان في اسطنبول ...
- إدارة مدينة موسكو: نرى إمكانية للتعاون مع عدة دول عربية
- فلسطينيو الأردن يحيون ذكرى النكبة
- الجيش الإسرائيلي والشاباك يعلنان القضاء على مسؤول تجنيد الأم ...
- مرض شديد العدوى يضرب مدينة أمريكية كبرى ويهدد الملايين
- وزير خارجية إيران: لو كانت الولايات المتحدة قادرة على تدمير ...


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - من العقيدة إلى الدستور: معالم الدولة عند المودودي