أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - عقل الدولة وهيمنة الفكرة: الدولة عند هيجل بين الفلسفة والسياسة














المزيد.....

عقل الدولة وهيمنة الفكرة: الدولة عند هيجل بين الفلسفة والسياسة


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8343 - 2025 / 5 / 15 - 14:10
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


د.حمدي سيد محمد محمود
يحتل مفهوم الدولة لدى هيجل مكانة مركزية في بنائه الفلسفي، وتحديدًا في إطار فلسفة الحق، حيث لا ينظر هيجل إلى الدولة ككيان سياسي مجرد أو مجرد تنظيم إداري، بل باعتبارها التجلّي الأعلى للعقل والروح الموضوعية في التاريخ. فالدولة، في منظوره، ليست اختراعًا تعاقديًا بين أفراد كما ذهب إلى ذلك فلاسفة العقد الاجتماعي، بل هي تعبير عضوي عن تطور الوعي الإنساني ونضجه، وتجسيد ملموس لفكرة الحرية، التي لا تتحقق إلا ضمن نسق قانوني وأخلاقي متكامل. ويؤكد هيجل في هذا السياق أن “الحق هو وجود الحرية، وأن الدولة هي الواقع الفعلي للحرية المتمثلة في نظام أخلاقي”.

ترتبط الدولة، عند هيجل، بالوحدة الجدلية بين الفرد والمجتمع، وهي تتجاوز محض التجمع البشري أو المجتمع المدني الذي تحكمه المصالح والمنافع الفردية. ففي حين أن المجتمع المدني هو مجال التنافس والتباين والاحتكاك بين الأفراد، تأتي الدولة كنسق أعلى يعلو فوق النزاعات الجزئية، ويؤسس لتكامل أعلى بين الإرادة الفردية والإرادة الكلية. ولهذا اعتبر هيجل أن الدولة ليست فقط مؤسسة سياسية، بل هي الكل الأخلاقي الذي يجد فيه الفرد ذاته، حيث تتوحد الحرية الشخصية مع المصلحة العامة ضمن منظومة من القوانين والمؤسسات.

وفي فلسفة هيجل، الدولة ليست ميتافيزيقيا مجردة، بل هي “روح” متعينة في التاريخ، تحمل في ذاتها مسار التطور العقلاني للبشرية. فالدولة تجسد العقل في التاريخ، وتُعبّر عن لحظة من لحظات تطور “الروح المطلق” الذي يسير نحو الحرية المطلقة. ومن هنا فإن هيجل لم يكن يرى في الدولة مجرد آلية للضبط والسيطرة، بل كان يرى فيها أسمى تجلٍّ للعقل البشري حين يُنتج لنفسه نظامًا يحقق فيه الحرية عبر القوانين، والمؤسسات، والدستور. لقد آمن بأن الحرية لا تُمارَس في الفراغ، بل عبر الانخراط في مؤسسات الدولة التي تنظم الفعل الإنساني وتوجهه ضمن إطار عقلاني وأخلاقي.

ويميز هيجل بين الدولة الحقيقية والدولة الاستبدادية، حيث لا يقصد من تمجيده للدولة منحها صلاحيات مطلقة، بل التأكيد على أن الدولة العقلانية هي تلك التي تحقق التوازن بين السلطات، وتُعطي السيادة للقانون، وتضمن حرية الفرد لا كحق طبيعي فوضوي، بل كحرية عقلانية مؤطرة بالقانون العام. ومن هنا كان نقده للديمقراطية المباشرة، وتفضيله للنظام الدستوري الملكي القائم على توازن السلطات، انطلاقًا من إيمانه بأن الدولة لا يمكن أن تُترك لغرائز الجماهير ولا لنزوات الحاكم، بل يجب أن تُبنى على العقل والمؤسسات.

ولعل أحد أبرز ملامح فلسفة هيجل السياسية هو الطابع الجدلي الذي يحكم تصوره للدولة؛ فهي ثمرة تفاعل متوتر بين الأسرة والمجتمع المدني، بين الذات والموضوع، بين الحرية الفردية والإرادة الجمعية. والدولة، في هذا السياق، ليست نفيًا للمجتمع المدني، بل تجاوزه الجدلي، حيث يتم رفع التناقضات إلى مستوى أعلى من الوحدة. ومن هنا فإن الدولة عند هيجل تُمارس وظيفة عقلانية عليا، تتمثل في تحويل الصراع إلى نظام، والمصلحة إلى قانون، والفوضى إلى شرعية، بما يجعلها لحظة التتويج في مسار تطور الإنسان من الطبيعة إلى الروح.

إن تأملات هيجل حول الدولة لا تزال تحتفظ براهنيتها في النقاشات المعاصرة حول السيادة، الشرعية، السلطة، والمواطنة. فرؤيته بأن الدولة ليست فقط أداة للحكم، بل بنية روحية وأخلاقية، تفتح المجال لتفكير أعمق في العلاقة بين القانون والحرية، بين الفرد والجماعة، وبين التاريخ والعقل. وهكذا فإن الدولة الهيجلية، بكل ما تحمله من تعقيد وتركيب فلسفي، لا تزال تمثل محاولة عظيمة لفهم الدولة لا كواقعة سياسية فقط، بل ككيان ميتافيزيقي وأخلاقي يحمل في صميمه مصير الإنسان وتاريخه.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يغيب الآخر: أزمة التسامح في الوعي العربي المعاصر
- إعادة بناء العقل العربي: من التلقين إلى الإبداع المعرفي
- مسارات الفكر العربي: من النهضة إلى العولمة... تأملات في التط ...
- الذكاء الاصطناعي والاقتصاد العربي: من وعود التحديث إلى تهديد ...
- النهضة المؤجلة: لماذا أخفقت مشاريع تجديد الفكر العربي؟
- المعرفة السياسية وأسئلة المعقولية: قراءة في أسس علم السياسة
- ما بعد العلمانية: انهيار السردية العلمانية وصعود التعددية ال ...
- العربي بن مهيدي: أيقونة الموت واقفًا وذاكرة الثورة التي لا ت ...
- سؤال الوجود في الفكر الأوروبي: من الميتافيزيقا الكلاسيكية إل ...
- فلسفة برجسون: نداء الروح في عصر العقل
- ترامب يشعل البحر الأحمر: معركة اليمن بين نيران الهيمنة ومقاو ...
- الصراع الدرزي – الماروني في القرن التاسع عشر: أزمات الهوية، ...
- انقسام الهوية: صراع القيم الدينية والعلمانية في الواقع العرب ...
- توغل العلمانية في الدولة العثمانية: المسار، العوامل، والتداع ...
- تفكيك الجندر وتخريب الهوية: جوديث بتلر وسؤال الذات في زمن ال ...
- المادية الجدلية بين هيغل وماركس: من المثالية المطلقة إلى الو ...
- توما الأكويني والدعوات البابوية: الأسس اللاهوتية للتدخل في ش ...
- نظرة رواد الفلسفة الأوروبية للمرأة: بين الإقصاء النظري والتش ...
- العمق الاستراتيجي للدولة المصرية بين نقاط القوة والضعف: قراء ...
- الصحافة في زمن الخوازميات: إستعادة الضمير الأخلاقي للتقنيات ...


المزيد.....




- خلال جولته الخليجية.. ترامب يطرح رؤيته بشأن غزة: -أريدها منط ...
- ترامب: نحن -قريبون جدا- من التوصل لاتفاق نووي مع إيران
- مصر.. توقيف مدرب كرة طائرة يتحرش باللاعبات ويخضع للتحقيق
- ماذا نعرف عن الأسلحة المستخدمة في قصف مستشفيات غزة؟ | بي بي ...
- من تاتشر إلى أحمد الشرع: كيف يغيّر السياسيون صورتهم؟ ولماذا؟ ...
- ماذا نعرف عن -الاتفاقيات الإبراهيمية- وتأثيرها في منطقة الشر ...
- عقوبات ترامب على الجنائية الدولية تشلّ عمل المحكمة والمدعي ا ...
- بوتين يوقع مرسوما يقضي بتمديد خطة الدفاع لغاية سنة 2027
- -جوهرة البحر الأبيض المتوسط- النادرة تباع بأكثر من 21 مليون ...
- اتفاق بين الأطراف المتنازعة في طرابلس على وقف الأعمال العسكر ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - عقل الدولة وهيمنة الفكرة: الدولة عند هيجل بين الفلسفة والسياسة