أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - حمدي سيد محمد محمود - الذكاء الاصطناعي والاقتصاد العربي: من وعود التحديث إلى تهديدات التبعية واللاعدالة














المزيد.....

الذكاء الاصطناعي والاقتصاد العربي: من وعود التحديث إلى تهديدات التبعية واللاعدالة


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8339 - 2025 / 5 / 11 - 11:19
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


أضحى الذكاء الاصطناعي إحدى الركائز الجوهرية في هندسة السياسات الاقتصادية الحديثة، لما يوفره من قدرات هائلة على معالجة البيانات الضخمة، واستقراء الأنماط، واستشراف المستقبل، الأمر الذي أسهم في إعادة تعريف مفاهيم النمو والاستثمار والحوكمة الاقتصادية. ولم تعد الاقتصادات المعاصرة تُدار فقط بالأدوات التقليدية كالميزانيات والخطط الخمسية، بل بات الذكاء الاصطناعي أحد أهم محركات اتخاذ القرار، من خلال نماذج التنبؤ الاقتصادي، والتسعير الديناميكي، وتحليل سلوك المستهلك، وتقييم المخاطر. هذه التقنيات مكّنت الدول من الوصول إلى قرارات أكثر دقة وسرعة وفعالية، ولكنها في الوقت نفسه طرحت تساؤلات عميقة حول العدالة، وحقوق الخصوصية، والسيادة الاقتصادية، لاسيما في السياقات غير المتكافئة مثل السياق العربي.

في المجتمعات العربية، يُمثل إدماج الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات الاقتصادية تحوّلًا مزدوج الأثر. فمن جهة، يوفر هذا الدمج فرصة غير مسبوقة لإصلاح الهياكل الاقتصادية المتآكلة، وتحسين الكفاءة الإنتاجية، ومكافحة الفساد الإداري من خلال تقنيات الرقابة الذكية. إلا أن هذا التحول يصطدم في كثير من الأحيان ببنية مؤسسية تعاني من مركزية القرار، وضعف الشفافية، وغياب السياسات العامة المبنية على البيانات. وبالتالي، تتحول أنظمة الذكاء الاصطناعي، في ظل هذه الظروف، من أدوات تمكين اقتصادي إلى آليات جديدة لتعميق الفجوة بين الطبقات، وتكريس التفاوت في توزيع الثروة والمعلومات، خاصة حين تُوظف من قبل نخب اقتصادية تتحالف مع السلطة السياسية.

كما أن الاقتصادات العربية، والتي تعتمد في معظمها على الريع (مثل النفط أو التحويلات أو المساعدات)، تجد نفسها أمام تحدٍ جديد يتمثل في التكيّف مع نموذج اقتصادي قائم على المعرفة والبيانات والتكنولوجيا. الذكاء الاصطناعي، في هذا السياق، لا يُعد فقط أداة تقنية بل رؤية استراتيجية تتطلب بنية تحتية رقمية، وسياسات تعليمية عصرية، وأُطر تشريعية حامية للحقوق الرقمية والاقتصادية. إلا أن معظم الدول العربية لا تزال تعاني من فجوات رقمية عميقة، سواء من حيث الوصول إلى التكنولوجيا أو مستوى الوعي الرقمي، وهو ما يجعل استخدام الذكاء الاصطناعي في القرار الاقتصادي خطرًا إن لم يُدار ضمن رؤية شاملة وعادلة.

ويزداد الأمر تعقيدًا حين ننظر إلى العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والسيادة الاقتصادية في العالم العربي. فمعظم منصات الذكاء الاصطناعي الكبرى تسيطر عليها شركات غربية أو صينية، مما يضع القرار الاقتصادي المحلي تحت تهديد التبعية التكنولوجية. إن توليد النماذج الاقتصادية، وتحليل بيانات المستهلكين، وصياغة السياسات المالية من خلال أدوات أجنبية، يعني ببساطة نقل جزء من القرار الوطني إلى خارج الحدود، وهو ما يهدد استقلالية الدولة ويُضعف قدرتها على حماية مصالحها الداخلية.

وعلى مستوى المجتمع، يؤدي اعتماد الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرار الاقتصادي إلى تحولات في سوق العمل، تبدأ من تسريح اليد العاملة في بعض القطاعات التقليدية، ولا تنتهي عند صعود نُخب معرفية جديدة تتحكم في الموارد الرقمية. وهذا التحول، إن لم يُصاحبه نظام تعليم مرن وعادل، سيُنتج طبقة مهمشة تزداد فقرًا وتهميشًا، وطبقة رقمية تمتلك أدوات القوة والتأثير. وبالتالي، فإن العدالة الاقتصادية لم تعد تُقاس فقط بتوزيع الدخل، بل بتوزيع القدرة على الوصول إلى المعرفة والتحكم في البيانات.

إن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة كبرى، لكنه سيف ذو حدين. فإما أن يُوظف في إطار ديمقراطي وتشاركي يعزز التنمية الشاملة، وإما أن يتحول إلى أداة تسلط رقمي تعمق أزمات اللامساواة وتُقوّض فرص العدالة الاجتماعية في المجتمعات العربية. ومن هنا، يصبح السؤال الجوهري ليس فقط كيف نُدخل الذكاء الاصطناعي في اقتصاداتنا، بل كيف نبني منظومة قيم ومؤسسات تُوجّه هذا الذكاء نحو رفاه الإنسان وليس نحو المزيد من التهميش والهيمنة.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النهضة المؤجلة: لماذا أخفقت مشاريع تجديد الفكر العربي؟
- المعرفة السياسية وأسئلة المعقولية: قراءة في أسس علم السياسة
- ما بعد العلمانية: انهيار السردية العلمانية وصعود التعددية ال ...
- العربي بن مهيدي: أيقونة الموت واقفًا وذاكرة الثورة التي لا ت ...
- سؤال الوجود في الفكر الأوروبي: من الميتافيزيقا الكلاسيكية إل ...
- فلسفة برجسون: نداء الروح في عصر العقل
- ترامب يشعل البحر الأحمر: معركة اليمن بين نيران الهيمنة ومقاو ...
- الصراع الدرزي – الماروني في القرن التاسع عشر: أزمات الهوية، ...
- انقسام الهوية: صراع القيم الدينية والعلمانية في الواقع العرب ...
- توغل العلمانية في الدولة العثمانية: المسار، العوامل، والتداع ...
- تفكيك الجندر وتخريب الهوية: جوديث بتلر وسؤال الذات في زمن ال ...
- المادية الجدلية بين هيغل وماركس: من المثالية المطلقة إلى الو ...
- توما الأكويني والدعوات البابوية: الأسس اللاهوتية للتدخل في ش ...
- نظرة رواد الفلسفة الأوروبية للمرأة: بين الإقصاء النظري والتش ...
- العمق الاستراتيجي للدولة المصرية بين نقاط القوة والضعف: قراء ...
- الصحافة في زمن الخوازميات: إستعادة الضمير الأخلاقي للتقنيات ...
- من الإيمان إلى العدم: سردية الغياب في الفلسفة الغربية الحديث ...
- البيولوجيا السياسية: آليات السلطة على الجسد والحياة في الدول ...
- تقاطع السلطة والمعرفة والسرد في الواقع السياسي العربي الراهن
- انفجار المعلومات وتحولات المعرفة: أزمة الإدراك في زمن التدفق ...


المزيد.....




- ماسك يتحدث عن بطاقة الإقامة الذهبية.. وما يحدث -سرا-
- بكين وواشنطن تتفقان على إنشاء آلية للتشاور الاقتصادي والتجا ...
- -غموض وعدم يقين-.. بيل غيتس يتحدث عن حالة الاقتصاد الأمريكي ...
- نائب رئيس مجلس الدولة الصيني: بكين وواشنطن تتفقان على إنشاء ...
- ارتفاع التضخم يربك الحسابات.. هل يجرؤ البنك المركزي المصري ع ...
- وزير الخزانة الأميركي: أحرزنا تقدما كبيرا في محادثات التجارة ...
- الحكومة العراقية تعمل لدعم إنتاج الطاقة الكهربائية خلال الصي ...
- سعر الذهب اليوم الأحد 11 مايو 2025 بكام عيار 21
- -أرامكو- السعودية تعلن نتائج الربع الأول من عام 2025
- المركزي السوري يسمح بسحب غير محدود وبأي عملة من البنوك


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - حمدي سيد محمد محمود - الذكاء الاصطناعي والاقتصاد العربي: من وعود التحديث إلى تهديدات التبعية واللاعدالة