أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - النهضة المؤجلة: لماذا أخفقت مشاريع تجديد الفكر العربي؟














المزيد.....

النهضة المؤجلة: لماذا أخفقت مشاريع تجديد الفكر العربي؟


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8339 - 2025 / 5 / 11 - 02:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
لقد شهد الفكر العربي منذ مطلع النهضة الحديثة محاولات متكررة وجادة لما سُمي بـ"مشاريع التجديد"، والتي تمثلت في جهود نخبة من المفكرين العرب في إعادة قراءة التراث، ومساءلة الواقع، واستلهام الحداثة الغربية بغرض تجاوز التخلف التاريخي والانحطاط الحضاري الذي خيم على العالم العربي منذ قرون. ومع ذلك، فإن معظم هذه المشاريع انتهت إلى طريق مسدود أو لم تؤتِ ثمارها المرجوة، مما يطرح تساؤلاً حيوياً حول أسباب هذا الإخفاق البنيوي الذي لازمها عبر المراحل المختلفة. ويمكن القول إن هذا الفشل لا يعود فقط إلى ضعف الإرادة أو شح الإمكانيات، بل إلى خلل عميق في البنية الفكرية والسياسية والاجتماعية التي احتضنت هذه المشاريع.

أول أسباب الإخفاق يعود إلى التمزق البنيوي في الهوية الثقافية العربية بين ثلاث مرجعيات متصارعة: التراث الإسلامي، والحداثة الغربية، والموروث المحلي الشعبي. لقد ظل العقل العربي يتأرجح بين الدعوة إلى العودة للأصول والتمسك بالتراث، وبين الانبهار بالنموذج الغربي والسعي لمحاكاته دون تفكيك أبعاده الفلسفية، وبين استغراقه في البنية التقليدية للمجتمع بما تحمله من علاقات سلطوية وهرمية. هذا التمزق الهوياتي أفرز خطاباً تجديدياً مضطرباً غير قادر على بناء مشروع معرفي متماسك، مما جعله عرضة للانقسام الداخلي والارتداد إلى مواقع أيديولوجية متنافرة.

أما السبب الثاني، فيكمن في أن كثيراً من مشاريع التجديد افتقرت إلى الجرأة النقدية الجذرية التي تقتضي مساءلة السلطة الدينية والسياسية معاً، إذ ظل كثير من المفكرين العرب أسرى لمعادلة صعبة: إما الانخراط في سلطة التراث باسم الأصالة، أو التماهي مع السلطة السياسية باسم التحديث. هذه المعادلة المأزومة حرمت الفكر العربي من إمكانيات التمرد الحقيقي على البنى السلطوية، وجعلت التجديد محصوراً في دوائر ضيقة من التنظير المجرد، أو في مشاريع جزئية تفتقر إلى العمق التاريخي والاستراتيجي المطلوب.

السبب الثالث يرتبط بغياب البنية المؤسسية الداعمة للمعرفة الحرة والنقدية، إذ ظلت المؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية خاضعة لهيمنة الدولة أو لسلطة دينية محافظة، وهو ما حال دون تحويل الأفكار التجديدية إلى تيارات اجتماعية مؤثرة أو مناهج تعليمية قادرة على خلق أجيال جديدة تحمل روح التغيير. فمشروع التجديد لا ينجح إلا عندما يتحول إلى "ثقافة عامة" تتغلغل في وعي الناس، لا مجرد نخبة فكرية محصورة في الجامعات أو الكتب. ولما غابت هذه القاعدة الشعبية، بقي التجديد حبيس النخبة، وعاجزاً عن إحداث أثر ملموس في الواقع.

من جهة أخرى، يُلاحظ أن معظم مشاريع التجديد العربي افتقرت إلى المنهجية الفلسفية الرصينة التي تميز بين النقد التفكيكي والنقد البنائي، وبين القراءة التراثية التأويلية والقراءة الحداثية العقلانية. فقد تراوحت مقاربات التجديد بين نمطين: الأول غلبت عليه الرغبة في التوفيق السطحي بين التراث والحداثة دون مساءلة جذرية للثوابت، والثاني اتسم بنزعة قطعية تنبذ التراث تماماً وتسعى إلى قطيعة تامة معه. وفي كلا الحالتين، غاب العمق الفلسفي الذي يميز التجديد الحقيقي بوصفه حركة عقلية واعية بالتاريخ والواقع والرهانات المستقبلية.

ولا يمكن إغفال العامل السياسي الذي مثل حجر عثرة أمام أي محاولة جدية للتجديد، فأنظمة الاستبداد العربي لم تكن يوماً حليفاً للتفكير الحر أو النقد البنّاء، بل عمدت إلى قمع المبادرات الفكرية الجذرية، واحتواء رموز التجديد ضمن مؤسسات رسمية منزوعة القدرة على الفعل والتأثير. فالدولة العربية الحديثة، رغم خطابها التحديثي أحياناً، ظلت معادية بشكل جوهري لأي مشروع يهدد بنيتها الأوتوقراطية أو يطرح بديلاً عن نمط السيطرة الذي تمارسه.

وأخيراً، فإن فشل مشاريع التجديد لا يمكن فصله عن السياق العالمي الذي يشهد تحولات سريعة في المعرفة والتكنولوجيا والسياسة، ما جعل الفكر العربي في موقع "الردّ" المستمر، لا المبادرة. إذ إن الكثير من المشاريع جاءت كردود أفعال على صدمات حضارية (مثل الاحتلال، الهزائم العسكرية، العولمة)، ولم تنبع من تحولات داخلية عضوية تفرضها تطورات المجتمع العربي نفسه. وبهذا، جاء التجديد متأخراً، مرتبكاً، ومتردداً، وعاجزاً عن أن يخلق رؤية مستقبلية جامعة قادرة على اجتراح طريق ثالث يتجاوز ثنائية الأصالة والمعاصرة.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعرفة السياسية وأسئلة المعقولية: قراءة في أسس علم السياسة
- ما بعد العلمانية: انهيار السردية العلمانية وصعود التعددية ال ...
- العربي بن مهيدي: أيقونة الموت واقفًا وذاكرة الثورة التي لا ت ...
- سؤال الوجود في الفكر الأوروبي: من الميتافيزيقا الكلاسيكية إل ...
- فلسفة برجسون: نداء الروح في عصر العقل
- ترامب يشعل البحر الأحمر: معركة اليمن بين نيران الهيمنة ومقاو ...
- الصراع الدرزي – الماروني في القرن التاسع عشر: أزمات الهوية، ...
- انقسام الهوية: صراع القيم الدينية والعلمانية في الواقع العرب ...
- توغل العلمانية في الدولة العثمانية: المسار، العوامل، والتداع ...
- تفكيك الجندر وتخريب الهوية: جوديث بتلر وسؤال الذات في زمن ال ...
- المادية الجدلية بين هيغل وماركس: من المثالية المطلقة إلى الو ...
- توما الأكويني والدعوات البابوية: الأسس اللاهوتية للتدخل في ش ...
- نظرة رواد الفلسفة الأوروبية للمرأة: بين الإقصاء النظري والتش ...
- العمق الاستراتيجي للدولة المصرية بين نقاط القوة والضعف: قراء ...
- الصحافة في زمن الخوازميات: إستعادة الضمير الأخلاقي للتقنيات ...
- من الإيمان إلى العدم: سردية الغياب في الفلسفة الغربية الحديث ...
- البيولوجيا السياسية: آليات السلطة على الجسد والحياة في الدول ...
- تقاطع السلطة والمعرفة والسرد في الواقع السياسي العربي الراهن
- انفجار المعلومات وتحولات المعرفة: أزمة الإدراك في زمن التدفق ...
- الزمان والمكان في فلسفة كانط: أطر المعرفة وحدود الإدراك


المزيد.....




- بين تحليل صور جوية وتصريحات مشرعين.. ماذا نعلم عن منشآت إيرا ...
- بعد 3 سنوات من إزالته من قائمة المخدرات.. حكومة تايلاند تفرض ...
- غزة: صراع من أجل البقاء ولو إلى حين.. هكذا يُصنع الوقود من ا ...
- قتلى بينهم طيار في أعنف هجوم جوي روسي على أوكرانيا منذ بدء ا ...
- مخيم الهول.. ملجأ يضم عائلات مقاتلي تنظيم الدولة
- 3 دولارات ثمن الحياة.. مغردون: من المسؤول عن فاجعة -شهيدات ل ...
- عرض أميركي يقابله شروط لبنانية.. هل تؤتي زيارة باراك ثمارها؟ ...
- حماس تشترط وترامب يضغط.. هل تقترب صفقة غزة؟
- بولتون يكشف -السبب الحقيقي- الذي ضرب ترامب إيران لأجله
- روسيا تشن -أضخم هجوم جوي- على أوكرانيا


المزيد.....

- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - النهضة المؤجلة: لماذا أخفقت مشاريع تجديد الفكر العربي؟