حمدي سيد محمد محمود
الحوار المتمدن-العدد: 8335 - 2025 / 5 / 7 - 08:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
د.حمدي سيد محمد محمود
تُعدّ الضربات الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن، التي اندلعت في 15 مارس 2025 تحت مسمى "عملية الراكب الخشن" – منعطفاً خطيراً في مسار الصراع الإقليمي، لما تحمله من دلالات عسكرية وجيوسياسية معقدة، لا على مستوى البحر الأحمر فحسب، بل في ما يتصل بالحرب الدائرة في غزة ومجمل توازنات القوة في الشرق الأوسط. إنّ استخدام الولايات المتحدة هذا القدر الهائل من القوة الجوية والبحرية يعبّر عن رغبة واضحة في إعادة رسم قواعد الاشتباك في المنطقة، ليس فقط عبر معاقبة الحوثيين، بل بتوجيه رسالة مزدوجة إلى كل من طهران وتل أبيب على حدّ سواء، مفادها أن أمن الشحن الدولي واستقرار حلفاء واشنطن غير قابلين للتفاوض.
الفاعلية العسكرية الأمريكية: هل تستطيع حسم المعركة؟
من الناحية التقنية، تمتلك الولايات المتحدة قدرة نارية هائلة وتكنولوجيا تفوق الحوثيين بأشواط، ومع ذلك فإن حسم المعركة لا يُقاس فقط بميزان التفوق العسكري المباشر، بل بمدى قدرة الخصم على الصمود، التكيف، والردع غير المتكافئ. لقد أظهرت السنوات الماضية أن الحوثيين طوّروا منظومة هجومية متعددة المستويات، تشمل صواريخ باليستية بعيدة المدى، طائرات بدون طيار دقيقة، وأنظمة حرب إلكترونية بدائية لكنها فعّالة ضمن مسرح العمليات. واستنادًا إلى ما حدث منذ بداية العملية، فإن الضربات الأمريكية، رغم أنها دمّرت منشآت عسكرية نوعية، لم تمنع الحوثيين من مواصلة شن هجماتهم الصاروخية والطائرات المسيرة، ومنها ضربة مباشرة أصابت مطار بن غوريون، ما يؤكد أن قدرة الردع الأمريكية ليست مطلقة، بل قد تُستنزف تدريجيًا في مواجهة خصم غير نمطي.
صلابة الحوثيين ومحدودية المقاربة الأمريكية
الحوثيون ليسوا مجرد فصيل مسلح متمرد، بل أصبحوا جزءًا من محور إقليمي مقاوم يتغذى من الدعم الإيراني والبيئة اليمنية المتماسكة اجتماعيًا ضد التدخلات الخارجية. ولذا فإن التعويل على الضربات الجوية وحدها كوسيلة لكسر إرادتهم هو رهان فاشل مسبقًا. إنّ صمودهم لا ينبع فقط من القوة العسكرية، بل من رؤية أيديولوجية تجعل من الصراع مع أمريكا وإسرائيل امتدادًا لمشروع المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق. بل إنّ تهديدهم الأخير بفرض حصار على مطار بن غوريون يعبّر عن انتقال نوعي من الدفاع إلى الهجوم الرمزي والمعنوي، وامتلاكهم جرأة فرض واقع نفسي على الجمهور الإسرائيلي رغم الحصار والتفوق الجوي الأمريكي.
ترامب... مقاربة تبسيطية للشرق الأوسط
خطاب دونالد ترامب، القائم على الاستعراض والوعيد ("ستمطر عليكم جهنم كما لم تروا من قبل")، يعكس ذهنيّة أمريكية كلاسيكية تقوم على شيطنة الآخر وتبسيط تعقيدات الصراع. فمن منظور ترامب، كل من يعارض الهيمنة الأمريكية في المنطقة هو "إرهابي"، ويجب سحقه بالقوة. لكن هذه المقاربة أخفقت تاريخيًا: في العراق، أفغانستان، سوريا، ولبنان. بل يُظهر ترامب تجاهلاً مريبًا للبنية الاجتماعية والسياسية للحوثيين، وارتباطهم الوثيق بالقضية الفلسطينية، وهو ما يجعل الحرب ضدهم ليست مجرد معركة في صنعاء أو صعدة، بل جزءًا من الصراع الوجودي الأوسع ضد منظومة الاحتلال في فلسطين.
سيناريوهات مستقبلية لتطور الصراع
في حال استمرار هذه العملية العسكرية، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات متوقعة:
1. سيناريو الاستنزاف المتبادل: تدخل الولايات المتحدة في حرب طويلة الأمد ضد الحوثيين دون القدرة على إنهائهم، مما يؤدي إلى توسيع العمليات الحوثية ضد السفن والمرافق الإسرائيلية والخليجية. وتزداد احتمالات الصدام المباشر مع إيران.
2. سيناريو التصعيد الإقليمي: مع توجيه الحوثيين ضربات متزايدة لإسرائيل، واندماج حزب الله بشكل أكبر في الحرب الدائرة، تتوسع رقعة الصراع لتشمل جبهات متعددة، ويصبح البحر الأحمر، ومضيق هرمز، والجولان، وأراضي الضفة، مسارح لحرب إقليمية موسعة.
3. سيناريو التسوية تحت الضغط: مع تصاعد الكلفة الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة وإسرائيل، وضغوط دولية بشأن وقف الحرب على غزة، قد يتم الوصول إلى تسوية محدودة تضمن خفض التصعيد مقابل مكاسب سياسية للحوثيين كجزء من تسوية أوسع تشمل الملف الفلسطيني.
التأثير على الحرب في غزة
لا يمكن فصل هذه الضربات عن العدوان المستمر على غزة. فالهجمات الحوثية جاءت أولاً نصرة لغزة، والرد الأمريكي جاء حماية للمصالح الإسرائيلية. وكلما زاد الضغط على الحوثيين، ازداد الالتفاف الشعبي العربي والإسلامي حول محور المقاومة. وإذا توسعت الحرب لتشمل حزب الله أو العراق، فإن الحرب في غزة ستتحول من معركة داخل القطاع إلى حرب تحرير إقليمية شاملة، ربما تُغيّر معادلة الردع في المنطقة بأسرها.
الخلاصة أن العملية الأمريكية لن تحسم الحرب ضد الحوثيين، بل ستزيد من حدة الصراع، وتفتح جبهات جديدة. وترامب، بعقليته الشعبوية، يسير نحو خيار كارثي قد يخرج عن السيطرة، خصوصًا إذا ترافقت الهجمات مع تصعيد ضد إيران. وفي المقابل، يتموضع الحوثيون كفاعل مقاوم عابر للحدود، يهدد العمق الإسرائيلي، ويعيد تعريف مفهوم ردود الأفعال الإقليمية والدولية على العملية الأمريكية الواسعة ضد الحوثيين في اليمن جاءت متباينة وتعكس عمق الانقسام العالمي حول الصراع في الشرق الأوسط، وتكشف في الوقت نفسه هشاشة النظام الدولي في التعامل مع القضايا المعقدة التي تجمع بين الأمن، السيادة، والقضية الفلسطينية.
أولًا: الموقف العربي – بين التواطؤ والصمت الحذر
المملكة العربية السعودية والإمارات: رغم معارضتهما التقليدية للحوثيين، اتسم موقفهما بالصمت العلني أو التصريحات المقتضبة الداعية لـ"ضبط النفس"، خوفًا من انزلاق المنطقة إلى حرب مفتوحة، خاصة أن أي تصعيد يهدد مباشرة أمن الخليج. كما تسعى الرياض لعدم تقويض مسار التقارب مع طهران، وقد بدأت تدرك أن أي دعم مباشر للضربات الأمريكية سيعيدها إلى صراع استنزافي غير مرغوب فيه.
قطر والكويت وسلطنة عمان: أبدت تحفظًا على التصعيد، ودعت إلى حلول دبلوماسية، في ظل قلقها من تدهور الوضع الإنساني في اليمن ومن انتقال المعركة إلى سواحل الخليج.
مصر والأردن: حافظتا على موقف متوازن، إذ لم تؤيدا العملية علنًا، وعبّرتا عن قلقهما من تدهور الأوضاع في البحر الأحمر وتأثيرها على الأمن الملاحي وسلامة قناة السويس.
الشعوب العربية: جاءت ردة الفعل الشعبية في عواصم عربية عدة مناهضة تمامًا للعملية، إذ رُفعت لافتات في بغداد، بيروت، صنعاء، والخرطوم، تندد بـ"العدوان الأمريكي"، وتعتبر ما يحدث استهدافًا مباشرًا لمحور المقاومة ولدعم غزة، وهو ما يعكس الفجوة المتزايدة بين الأنظمة والشعوب في الموقف من أمريكا وإسرائيل.
ثانيًا: الموقف الإيراني – التصعيد المقنَّع
إيران، التي تدعم الحوثيين ضمن شبكة حلفائها في "محور المقاومة"، لم تدخل مباشرة في المواجهة لكنها عبّرت بوضوح عن رفضها للضربات الأمريكية، وحمّلت واشنطن وتل أبيب المسؤولية عن زعزعة استقرار المنطقة. كما ألمحت إلى أن "المعركة مع اليمنيين لا يمكن كسبها بالأسلحة الغربية"، مما يُفهم على أنه ضوء أخضر لتصعيد الحوثيين.
في الوقت نفسه، فإن طهران تستثمر الضربات في تعزيز شرعيتها الإقليمية، إذ تظهر كقوة داعمة للمستضعفين، بينما تحاول التملص من مواجهة مباشرة مع واشنطن في ظل ضغط كبير على ملفها النووي. لكن استمرار التصعيد قد يدفعها – أو يدفع وكلاءها – إلى الرد المحدود ضد قواعد أمريكية في العراق وسوريا.
ثالثًا: الموقف الإسرائيلي – ابتهاج مشوب بالقلق
تل أبيب رحّبت بالضربات ورأت فيها استعادة للتضامن الغربي مع أمنها الاستراتيجي، لكنها تدرك جيدًا أن هذه الضربات قد تستجلب ردودًا غير متوقعة، خصوصًا في ظل ضرب الحوثيين لمطار بن غوريون وتهديدهم بفرض حصار جوي عليه. وهو تهديد وجودي نفسي أكثر منه عسكري، لأنه يعيد الشعور بالعجز إلى الإسرائيليين رغم كل التحالفات الدولية.
كما أن بعض التحليلات في الصحافة الإسرائيلية بدأت تشكك في قدرة الولايات المتحدة على مواصلة العملية، محذّرة من تكرار تجربة أفغانستان أو العراق في بيئة معقدة مثل اليمن.
رابعًا: الموقف الغربي – انقسام وقلق من التورط
الولايات المتحدة: بررت الضربات بأنها دفاع عن حرية الملاحة ومصالحها الاستراتيجية، لكنها تواجه نقدًا داخليًا واسعًا من قبل النخبة التقدمية واليسار المعارض للتدخلات العسكرية، خاصة أن التصعيد يتم في ظل إدارة ترامب التي تُتهم بالانحياز الكامل لإسرائيل وبتجاهل الكارثة الإنسانية في غزة واليمن معًا.
المملكة المتحدة وفرنسا: شاركت لندن بعمليات محدودة، في حين أبدت باريس تحفظًا على الانخراط العسكري الكامل، ودعت إلى التركيز على الحل السياسي.
روسيا والصين: أدانتا العملية بشدة، واعتبرتا أن الولايات المتحدة "تستغل الأزمة في غزة لإعادة هندسة الهيمنة في المنطقة"، وأن تصعيدها يعكس فشلها في فرض نظام عالمي عادل. وتستخدم موسكو وبكين هذا الموقف لتعزيز تحالفاتهما في جنوب العالم، خاصة مع الدول التي ترى أن النظام الدولي بات غير متوازن.
خامسًا: الأمم المتحدة والمنظمات الدولية – فشل أخلاقي ودبلوماسي
اكتفت الأمم المتحدة بالدعوة إلى "وقف التصعيد" و"ضبط النفس"، دون أن تدين الضربات الأمريكية، مما يرسّخ تصورًا عالميًا بأن المنظمة رهينة للإرادة الغربية. أما المنظمات الإنسانية، فقد عبّرت عن قلقها من تدهور الوضع الإنساني في اليمن، دون امتلاك أدوات فاعلة لوقف الكارثة أو حتى التأثير في مسار الحرب.
تُظهر ردود الأفعال أن العملية الأمريكية لا تتمتع بتأييد دولي حقيقي، بل تواجه رفضًا شعبيًا وإقليميًا وتصاعدًا في حالة العداء مع محور المقاومة، ما يجعل من نتائجها غير محسومة. فهي قد تفجّر المنطقة برمتها إذا تمادت، وقد تنقلب ضد أصحابها إذا واجه الحوثيون بتكتيك استنزاف ذكي ومدعوم شعبيًا. وفي نهاية المطاف، فإن الحرب في غزة أصبحت الشرارة التي أعادت تشكيل ملامح الصراع العالمي، ولم يعد ممكناً اختزالها في مسألة أمن ملاحي أو ضربات "وقائية" ضد فصيل يمني، بل هي صراع على شرعية المقاومة، وتحديد مَن يملك الحق في فرض سرديته على مستقبل المنطقة.
#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟