أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - أكذوبة القرن: كيف صاغت أمريكا الرواية الكبرى لغزو أفغانستان والعراق تحت راية الإرهاب














المزيد.....

أكذوبة القرن: كيف صاغت أمريكا الرواية الكبرى لغزو أفغانستان والعراق تحت راية الإرهاب


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8350 - 2025 / 5 / 22 - 12:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
شكّلت هجمات 11 سبتمبر 2001 لحظة فارقة في التاريخ السياسي والأمني للولايات المتحدة والعالم، ليس فقط بسبب ما خلّفته من دمار ومقتل الآلاف، بل أيضًا بسبب الطريقة التي استُغلت بها هذه الأحداث لتغيير معالم السياسة الخارجية الأمريكية وتوجيهها نحو خيارات عدوانية واستراتيجية مبيتة. لقد مثّلت الهجمات مدخلًا حاسمًا لإعادة تشكيل خريطة التحالفات الدولية، وتبرير حروب كبرى، وتكريس خطاب العداء، وتوسيع صلاحيات الأجهزة الأمنية والمخابراتية، ليس داخل الولايات المتحدة فقط، بل في العالم كله تحت ذريعة “الحرب على الإرهاب”.

منذ اللحظة الأولى، بدأت إدارة الرئيس جورج بوش الابن بتوجيه أصابع الاتهام نحو تنظيم القاعدة الذي يقوده أسامة بن لادن، وزعمت أن طالبان التي تحكم أفغانستان آنذاك توفر له المأوى والدعم. وفي خطاب عاطفي أمام الكونغرس والشعب الأمريكي، قدّم بوش الهجمات على أنها إعلان حرب ضد الحضارة الأمريكية وقيم الحرية، ثم شرع في بناء خطاب ثنائي صارم: إما أن تكون معنا، أو مع الإرهاب. وبذلك، شُرّعت الحرب الاستباقية، وجرى تفكيك منظومة القانون الدولي بحجة الدفاع عن النفس، لتُعلن الولايات المتحدة أولى حروبها تحت مظلة "الحرب على الإرهاب" باجتياح أفغانستان في أكتوبر 2001.

كان الهدف المعلن هو تفكيك تنظيم القاعدة، وتدمير بنيته التحتية، وإسقاط نظام طالبان الذي وُصف بأنه حاضنة للإرهاب. لكن سرعان ما تبيّن أن هذه الحرب لم تكن مجرد رد فعل مباشر على الهجمات، بل تمثل جزءًا من استراتيجية أوسع لإعادة تشكيل وسط آسيا، وتعزيز النفوذ الأمريكي في مناطق كانت تحت التأثير الروسي والصيني، والسيطرة على محاور الطاقة الحيوية. فقد مثّل الموقع الجيوسياسي لأفغانستان أهمية بالغة للولايات المتحدة، باعتباره ممرًا للطاقة ومجالًا للتمدد العسكري تجاه آسيا الوسطى. كما أظهرت طبيعة العمليات العسكرية، وتحالفات الحرب، والتوسع في استخدام القواعد الجوية، أن الهدف لم يكن ملاحقة بن لادن فحسب، بل بناء وجود عسكري طويل الأمد يخدم مصالح واشنطن الاستراتيجية.

ورغم الوعود بإحلال الديمقراطية، و"تحرير النساء"، و"بناء دولة حديثة"، فإن ما حدث فعليًا كان تحويل أفغانستان إلى ساحة صراع دائم، ودولة فاشلة تعتمد بالكامل على الدعم الخارجي، وتتقاسمها الميليشيات، ويتغلغل فيها الفساد، وتُستغل مواردها في مشاريع استخباراتية ومصالح اقتصادية، خاصة في تجارة الأفيون ومشاريع إعادة الإعمار التي ذهبت أرباحها إلى الشركات الأمريكية الكبرى. وقد أدت سياسات الاحتلال، والضربات الجوية العشوائية، والاعتقالات السرية، إلى تصاعد الغضب الشعبي، مما مهّد الطريق لعودة طالبان لاحقًا، وانهارت كل الإنجازات المزعومة بانسحاب القوات الأمريكية عام 2021، في مشهد فوضوي يُعدّ اعترافًا ضمنيًا بفشل أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها.

في سياق متصل، لم تتوقف الولايات المتحدة عند أفغانستان، بل وسّعت حملتها لتشمل دولًا أخرى، كان أبرزها العراق. مثّل غزو العراق عام 2003 واحدة من أكثر المحطات إثارة للجدل، إذ بُني القرار الأمريكي على مبررات سرعان ما تهاوت أمام العالم. فقد ادّعت إدارة بوش أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، كيماوية وبيولوجية، تشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن الأمريكي والعالمي. وقد رُوّجت مزاعم بوجود علاقات بين نظام صدام حسين وتنظيم القاعدة، رغم غياب أي أدلة موثوقة. استخدمت الإدارة الأمريكية خطابًا استخباراتيًا مشوّهًا، قدّمه كولن باول أمام مجلس الأمن في خطاب شهير عام 2003، عرض فيه وثائق وصورًا وبيانات زُعم أنها تثبت امتلاك العراق لمعامل سرية لتصنيع أسلحة محظورة، وأنه قادر على تنفيذ هجوم خلال 45 دقيقة فقط. ورُوّج لوجود أنابيب ألومنيوم تستعمل في تخصيب اليورانيوم، وهي فرضيات دحضها لاحقًا خبراء دوليون.

لكن الحقيقة الصادمة ظهرت بعد الغزو، حين فشلت فرق التفتيش الدولية والأمريكية في العثور على أي أثر لهذه الأسلحة، وأثبتت التحقيقات أن كثيرًا من المعطيات التي بُنيت عليها الحرب كانت إما مضخمة أو مفبركة بالكامل. تبين أن القرار بالغزو قد اتُّخذ منذ البداية، وأن قضية الأسلحة لم تكن سوى ذريعة قابلة للتسويق أمام الرأي العام العالمي. وقد شارك الإعلام الأمريكي والبريطاني بدور رئيسي في تمرير هذه الأكذوبة الكبرى، مكرّسًا بذلك أسوأ أشكال التواطؤ بين الإعلام والسلطة.

أسفر الغزو عن دمار هائل للبنية التحتية العراقية، ومقتل مئات الآلاف من المدنيين، واندلاع صراعات طائفية لم تكن البلاد تعرفها من قبل، وانهيار كامل لمؤسسات الدولة، وانتشار التنظيمات الإرهابية التي وُلدت من رحم الفوضى. وبهذا، لم يكن غزو العراق مجرد خطأ استخباراتي، بل جريمة سياسية بامتياز، جريمة استُخدمت فيها الأكاذيب، والتحريض الإعلامي، وتواطؤ النخب الدولية، لفرض واقع استعماري جديد في الشرق الأوسط تحت مسمى "الحرب على الإرهاب".

إن الحقيقة المؤلمة التي كشفتها هذه الوقائع تتمثل في أن هجمات 11 سبتمبر كانت، بالنسبة للإدارة الأمريكية، فرصة سانحة لتوسيع نطاق السيطرة وفرض السياسات بالقوة، مستثمرة الخوف الجماعي في تمرير مشاريع استعمارية جديدة بوسائل ناعمة وخشنة في آن واحد. لقد أعادت هذه الحروب إنتاج الهيمنة لا بوصفها دفاعًا عن النفس، بل بوصفها استراتيجية استباقية تستبيح الدول، وتعيد ترتيب العالم وفق مصالح القوى الكبرى، بغض النظر عن القيم والمبادئ التي ترفعها شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قوة البخار وحدود العالم: الآلة البخارية كأداة للغزو البريطان ...
- النسوية والتأويل: قراءة نقدية في مشروع التفسير النسوي للقرآن ...
- العقل والوحي: جدلية الوجود بين الفلسفة والدين
- الهيمنة الناعمة: المركزية الأوربية واستعمار الذات والهوية
- عبد الله التعايشي: بين الحلم المهدوي وسقوط الدولة
- جدلية العقل والإرادة: قراءة في تحولات الفكر الألماني من لوثر ...
- الهياكل الخفية: تفكيك بنية الإرهاب التنظيمي في العصر الحديث
- الطاعون السياسي: حين يصبح الفساد بداية النهاية للدول
- السجل الدامي للقارة العجوز: التاريخ الشامل للحروب الأوربية ف ...
- نيران القرون الوسطى: تاريخ الحروب في أوربا
- الانفصال العظيم: صعود الصين وكسر القبضة الأمريكية على الفضاء ...
- من العقيدة إلى الدستور: معالم الدولة عند المودودي
- عقل الدولة وهيمنة الفكرة: الدولة عند هيجل بين الفلسفة والسيا ...
- حين يغيب الآخر: أزمة التسامح في الوعي العربي المعاصر
- إعادة بناء العقل العربي: من التلقين إلى الإبداع المعرفي
- مسارات الفكر العربي: من النهضة إلى العولمة... تأملات في التط ...
- الذكاء الاصطناعي والاقتصاد العربي: من وعود التحديث إلى تهديد ...
- النهضة المؤجلة: لماذا أخفقت مشاريع تجديد الفكر العربي؟
- المعرفة السياسية وأسئلة المعقولية: قراءة في أسس علم السياسة
- ما بعد العلمانية: انهيار السردية العلمانية وصعود التعددية ال ...


المزيد.....




- إيطاليا تُغيّر قانونا بشأن الحق في المطالبة بالجنسية عبر أجد ...
- -شعرت الثانية وكأنها ساعة-.. شاهدة عيان تروي تفاصيل مقتل موظ ...
- أرباح -فلكية- خلال عام فقط.. أرقام ترصد ما كسبه أثرى 10 أشخا ...
- انتصار السيسي تكرم ممثلين مصريين لعبوا أدوارا تدعم أصحاب اله ...
- معلومات مفاجئة عن هجمات -لم تعلن من قبل- يكشفها وزير خارجية ...
- فستان كلوديا شيفر من عام 1995 يخطف الأضواء في مهرجان كان 202 ...
- بسبب الحرب.. كيف تحولت الشقق المحترقة في غزة إلى سلاح بأيدي ...
- سيئول: بيونغ يانغ أطلقت عدة صواريخ باتجاه البحر الشرقي
- كوبياكوف: الغرب ألغى القانون الدولي ودمر النظام العالمي القا ...
- دون الاتفاق على صيغة بيان.. مجموعة -السبع- تجدد التزامها بدع ...


المزيد.....

- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - أكذوبة القرن: كيف صاغت أمريكا الرواية الكبرى لغزو أفغانستان والعراق تحت راية الإرهاب