أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - النسوية والتأويل: قراءة نقدية في مشروع التفسير النسوي للقرآن الكريم














المزيد.....

النسوية والتأويل: قراءة نقدية في مشروع التفسير النسوي للقرآن الكريم


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8349 - 2025 / 5 / 21 - 08:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في العقود الأخيرة، ظهر ما يُعرف بالتفسير النسوي للقرآن الكريم، بوصفه مشروعًا تأويليًا يسعى إلى إعادة قراءة النص القرآني من منظور نسوي، يفترض أن القراءة الذكورية للنصوص الدينية قد أنتجت نظامًا فقهيًا يُكرّس التمييز ضد المرأة. وقد مثّل هذا الاتجاه امتدادًا للحركة النسوية العالمية، لكنه انطلق من سياقات إسلامية، ساعيًا إلى تحرير النص من قبضة التأويلات التاريخية التي عدّها منحازة لصالح سلطة الذكر، على حساب قيم المساواة والعدالة المفترضة في الدين الإسلامي.

غير أن هذا المسعى لم يمرّ دون إثارة جدل واسع في الأوساط العلمية والدينية. فقد رأى عدد من علماء الدين والباحثين أن ما يُسمى بالتفسير النسوي لا ينتمي في جوهره إلى علم التفسير كما هو مألوف في التراث الإسلامي، بل هو خطاب تأويلي أيديولوجي، يستبطن رؤى حداثية وغربية بالأساس، ويحاول إسقاطها قسرًا على النص القرآني. فبدل أن ينطلق من قواعد اللغة العربية وعلوم القرآن وأصول الفقه، يعتمد هذا التوجه على مناهج مستوردة كالهرمنيوطيقا والنقد الثقافي ونظرية الجندر، ما يفتح الباب أمام تفسيرات فضفاضة، تنزع إلى إعادة تشكيل المعنى لا استكشافه.

ينتقد علماء الدين هذا الاتجاه على مستويين اثنين: الأول منهجي، والثاني عقدي. فعلى المستوى المنهجي، يُشير المنتقدون إلى أن التفسير النسوي غالبًا ما يُغفل السياقات التاريخية والمعرفية التي تشكلت فيها الأحكام القرآنية، ويتجاهل علم أسباب النزول، ويُعيد تأويل الآيات بعيدًا عن سياقها الكلي، ما يؤدي إلى إسقاطات قِيَمية معاصرة على نصوص ذات بنية لغوية ومعنوية مغايرة. كما يُتهم هذا الاتجاه بانتقائيته المنهجية، إذ يُركّز على بعض الآيات التي يمكن تأويلها لصالح خطاب المساواة، ويُهمل آيات أخرى أو يُعيد تأويلها بما يُناسب مرجعيته النسوية، حتى وإن كان ذلك على حساب الدقة اللغوية أو مقاصد الشريعة.

أما على المستوى العقدي، فإن التفسير النسوي يُثير مخاوف تتعلق بسلطة النص وقدسيته، إذ يرى بعض العلماء أن النسوية تسعى إلى زعزعة مرجعية القرآن ذاته، عبر التشكيك في عدالته أو وصفه بأنه يعكس "أحكامًا ذكورية"، وهو ما يُعدّ خروجًا عن الإيمان بأن الوحي إلهي ومُنزّه عن الهوى البشري. ويستدل هؤلاء العلماء بأن كثيرًا من المفسرات النسويات يبدأن بفرضية أن القرآن بحاجة إلى "تصحيح تأويلي" ليوافق تطلعات العصر الحديث، وهو أمر يُشكّل، في نظرهم، تهديدًا لفكرة ثبات النص وقداسته، واستبدالًا للمرجعية الإلهية بمرجعية بشرية نسبية.

من جهة أخرى، يشير بعض النقاد إلى أن مشاريع التفسير النسوي لم تنتج – في أغلبها – تراكمًا علميًا تأويليًا رصينًا يمكن أن يُضاهي تفاسير علماء المسلمين على مدار التاريخ، بل جاءت في شكل أطروحات فكرية ومواقف نقدية موجهة ضد البنية الذكورية للمجتمع، أكثر من كونها اجتهادات تفسيرية مكتملة. ويُضرب المثل هنا بكتابات أمينة ودود وآسية العفيفي وفاطمة المرنيسي، التي غالبًا ما تنحو منحىً أيديولوجيًا، وتُقدّم أطروحاتها بلغة نقدية حادّة تتهم الفقهاء والمفسرين بالتحيّز والذكورية الممنهجة، دون تقديم بدائل منهجية واضحة أو تراكم تفسيري متكامل.

لكن رغم هذه الانتقادات الجذرية، لا يمكن إنكار أن التفسير النسوي قد ساهم في إثارة أسئلة مهمة حول علاقة المرأة بالنص الديني، وحرّك جمودًا طال أمده في بعض القراءات التراثية، وأعاد تسليط الضوء على ضرورة تجديد أدوات التفسير في ظل المتغيرات المعرفية والاجتماعية. ومع ذلك، فإن هذا التوجه لا يزال بحاجة إلى مراجعة عميقة لأدواته ومفاهيمه، حتى لا يتحول إلى قراءة خارج النص أكثر مما هو قراءة في النص.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقل والوحي: جدلية الوجود بين الفلسفة والدين
- الهيمنة الناعمة: المركزية الأوربية واستعمار الذات والهوية
- عبد الله التعايشي: بين الحلم المهدوي وسقوط الدولة
- جدلية العقل والإرادة: قراءة في تحولات الفكر الألماني من لوثر ...
- الهياكل الخفية: تفكيك بنية الإرهاب التنظيمي في العصر الحديث
- الطاعون السياسي: حين يصبح الفساد بداية النهاية للدول
- السجل الدامي للقارة العجوز: التاريخ الشامل للحروب الأوربية ف ...
- نيران القرون الوسطى: تاريخ الحروب في أوربا
- الانفصال العظيم: صعود الصين وكسر القبضة الأمريكية على الفضاء ...
- من العقيدة إلى الدستور: معالم الدولة عند المودودي
- عقل الدولة وهيمنة الفكرة: الدولة عند هيجل بين الفلسفة والسيا ...
- حين يغيب الآخر: أزمة التسامح في الوعي العربي المعاصر
- إعادة بناء العقل العربي: من التلقين إلى الإبداع المعرفي
- مسارات الفكر العربي: من النهضة إلى العولمة... تأملات في التط ...
- الذكاء الاصطناعي والاقتصاد العربي: من وعود التحديث إلى تهديد ...
- النهضة المؤجلة: لماذا أخفقت مشاريع تجديد الفكر العربي؟
- المعرفة السياسية وأسئلة المعقولية: قراءة في أسس علم السياسة
- ما بعد العلمانية: انهيار السردية العلمانية وصعود التعددية ال ...
- العربي بن مهيدي: أيقونة الموت واقفًا وذاكرة الثورة التي لا ت ...
- سؤال الوجود في الفكر الأوروبي: من الميتافيزيقا الكلاسيكية إل ...


المزيد.....




- قصة -مانغا- تثير الهلع.. تحذير من كارثة طبيعية يدفع السياح ل ...
- بوتين في زيارة لمحطة طاقة نووية بمنطقة كورسك.. هل هي استعراض ...
- كسب مليار دولار يوميا.. أرقام خيالية يكشفها تقرير -أوكسفام- ...
- مدى قوة الضغوط الدولية على إسرائيل حول غزة واحتمال استجابة ن ...
- الإمارات تتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل بشأن -مساعدات عاجلة- لغز ...
- يحمل اسم شخصية توراتية.. ماذا نعرف عن مشروع -استير- الذي تبن ...
- وكيل كلوب يرد على أنباء ارتباطه بتدريب روما!
- سي إن إن: معلومات أمريكية بشأن استعداد إسرائيل مهاجمة نووي إ ...
- 5 Lucky Lions 789club – Slot game dành cho ng??i b?n l?nh
- جريمة -حب- بشعة وجنونية.. -معا إلى الأبد-!


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - النسوية والتأويل: قراءة نقدية في مشروع التفسير النسوي للقرآن الكريم